أخبار عربية ودولية

«البلديات» تختبر زعامة إردوغان: استماتةٌ في إسطنبول وأنقرة

تتحضّر تركيا، في نهاية شهر آذار المقبل، للانتخابات البلدية، الاستحقاق الثالث من حيث الأهمية بعد الانتخابات الرئاسية والنيابية. ومع أن الحملات الانتخابية بدأت قبل مدّة، إلّا أنّ إقفال موعد الترشُّح يوم الثلاثاء الماضي، من شأنه أن يتيح للأحزاب السياسية الشروع في متابعة تلك الحملات «على ضوء». ومنذ وصوله إلى السلطة عام 2002، تمكّن «حزب العدالة والتنمية» من الاستحواذ على جميع البلديات تقريباً، ومنها تلك الكبرى في أنقرة وإسطنبول، فيما ظلّت بلدية إزمير، ثالثة كبرى المدن التركية ومعقل العلمانية، «مطوَبة» لـ«حزب الشعب الجمهوري». غير أن انتخابات عام 2019 البلدية، غيّرت هذه المعادلة، محدثةً نوعاً من «الصدمة»، بعدما استطاع مرشّح «الشعب الجمهوري»، أكرم إمام أوغلو، الانتصار على مرشّح السلطة، بن علي يلديريم، فيها. ومثلما أُزيح الإسلاميون عن بلدية إسطنبول، بعدما سيطروا عليها منذ أيام «حزب الرفاه» عام 1994، حين فاز رجب طيب إردوغان، وقتها، برئاستها، كذلك نجحت المعارضة في انتزاع بلدية أنقرة المهمّة جدّاً، عبر مرشّحها منصور ياواش.على أنه لا يمكن القياس على نتائج الانتخابات السابقة للتكهُّن بما سيؤول إليه الاستحقاق المرتقب في المدينتَين الكبريَين، وذلك نظراً إلى تغيُّر الظروف، علماً أن إردوغان بحث كثيراً عن مرشّح يمكن أن يشكّل منافساً جدّياً لإمام أوغلو في إسطنبول. وبرز من الأسماء المحتملة للترشّح، سلجوق بيرقدار، صهر الرئيس وصانع المسيّرات الشهير الذي يُعتبر من أكثر الأشخاص شعبية في تركيا، وأيضاً صهره الآخر، وزير المال السابق برات البيرق، ووزير الداخلية علي يرلي قايا، المعروف بجدّيته في مكافحة «الإرهاب». لكن خيار الرئيس التركي وقع على المهندس مراد قوروم، الذي كان مكلّفاً وزارة البيئة بين عامي 2018 و2023، أي أثناء زلزال السادس من شباط 2023 الذي ضرب تركيا، ربّما نظراً إلى الجهود الكبيرة التي بذلها الرجل في سبيل مواجهة آثار الكارثة، ولكونه أيضاً شاباً (47 عاماً)، رغم أنه من مواليد أنقرة، وكان يمكن ترشيحه فيها. وعلى أهمية شخص المرشّح، إلا أن إردوغان يتعاطى مع الانتخابات على أساس أنه هو المرشّح «الفعلي» في كل الدوائر، وأن الناخب عندما يقترع لمرشّحه، إنّما يقترع لشخص الرئيس. ولذا ربما، رفع إردوغان، وقبل أن يُعلن اسم مرشّحه، شعار «من جديد إسطنبول».
ويعوّل إردوغان على إسطنبول كثيراً، إذ يرى أن فوز إمام أوغلو فيها، يُعدّ تكريساً نهائيّاً لخسارة الأول إياها. كما أن فوز مرشّح «الشعب الجمهوري» يعني أن الأخير سيكون مرشّحاً لرئاسيات 2028، حيث حظوظه مرتفعة جدّاً، فيما لا يحقّ للرئيس الحالي، وفقاً للدستور المعمول به، أن يترشّح للانتخابات المقبلة. لذا، إن قطع الطريق على إمام أوغلو، يعني إبعاده عن كرسي الرئاسة في انتخابات 2028. كما أن خسارته، إذا حصلت، ستعني أن إردوغان يستطيع أن يدّعي أنه الأقوى، ليستغلّ ذلك في تعديل الدستور لاحقاً، بما يمكّنه من الترشّح من جديد وللمرّة الثالثة (ستكون عمليّاً الرابعة). لا بل قد يعدّل الدستور إذ يصبح من حقّ المرشّح أن يستمرّ في ترشيحه طالما بقي على قيد الحياة.

يعوّل إردوغان على إسطنبول كثيراً، إذ يرى أن فوز إمام أوغلو فيها، يُعدّ تكريساً نهائيّاً لخسارة إردوغان


أمّا في أنقرة، فقد استمرّ ترشيح «حزب الشعب الجمهوري» لرئيس البلدية الحالي منصور ياواش، في مواجهة مرشّح «العدالة والتنمية» طورغوت ألتين أوك، الذي كان رئيساً لبلدية كيتشي أورين في المدينة، فيما يتواجه في إزمير مرشحان جديدان، هما: حمزة داغ عن «العدالة والتنمية»، وجميل طوغاي عن «الشعب الجمهوري». لكن ظروف الانتخابات البلدية في إسطنبول وأنقرة وإزمير وأنحاء تركيا كافة، مختلفة هذه المرّة عن استحقاق عام 2019، وحتى عن الانتخابات النيابية والرئاسية العام الماضي، لأسباب يمكن ذكر الآتي من بينها:
1- باستثناء تحالف «العدالة والتنمية» مع «الحركة القومية» في إسطنبول وأنقرة، ستدخل الأحزاب جميعها الانتخابات في ظلّ خلافات بينية كبيرة داخلها، أدت إلى استقالات بالجملة من صفوفها، ولا سيما حزبا المعارضة: «الشعب الجمهوري» و«الجيّد». وكانت أبرز أسباب الخلافات في جبهة المعارضة، فشلها في الفوز في الانتخابات الرئاسية والنيابية، وتحميل كل حزب الآخر المسؤولية عن ذلك. كما أن انتخاب أوزغور أوزيل زعيماً لـ«الشعب الجمهوري»، ليحل محلّ كمال كيليتشدار أوغلو، أدى إلى تأجيج النزاعات داخل الحزب، فيما بات واضحاً أيضاً أن «الجيّد» الذي تعرّض لهزات داخلية شديدة، سيشهد تراجعاً كبيراً في أصواته.
2- هذا يعني أن الانتخابات في المدن الكبرى، ولا سيما أنقرة وإسطنبول، وربّما في إزمير، لن تكون معروفة النتائج مسبقاً. كذلك، فإن ترشيح أحزاب صغيرة، في الموالاة والمعارضة، لمرشحين لها، وعدم تأييدها مرشّحي الأحزاب الكبيرة، سينعكس هو الآخر على النتائج، خاصة في حالة أكرم إمام أوغلو الذي سيفقد مبدئياً أصوات كل أحزاب المعارضة (من 10% إلى 12%)، فيما سيفقد مرشّح السلطة أصوات «حزب الرفاه من جديد» (4% إلى 5%) الذي يتزعمه فاتح إربكان.
3- أمّا بالنسبة إلى «حزب الشعوب للمساواة والديموقراطية» الكردي، فقد قرّر بدوره فكّ التحالف مع «الشعب الجمهوري»، وتقديم مرشحين في جميع الدوائر، ومنها أنقرة وإسطنبول.
كل ما تقدم، يعني أن تركيا ذاهبة إلى انتخابات حاسمة ومهمّة للسلطة ولإردوغان شخصيّاً، تتحدّد في ضوء نتائجها الخريطة السياسية للموالاة والمعارضة للسنوات الأربع المتبقية من عمر المدة الرئاسية والنيابية في ربيع 2028.

المصدر:”الأخبار”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *