انتخاب الرئيس: تجميع نقاط في الوقت الضائع
ليس انتخاب رئيس للجمهورية في الوقت الحاضر في حسبان اي فريق لبناني ينظر اليه على انه استحقاق دستوري، مقدار مقاربته في صلب صراع خيارات حاسمة لا المواصفات. ذلك ما يحمل المرشحين الجديين المتنافسين، معلَنين ومفترضين، على مراكمة النقاط ليس الا
ثلاثة اعشية غير متباعدة فَصَلَ شهر او يكاد بين كل منها، كافية لحمل رئيس تيار المردة سليمان فرنجية على المضي في ترشيحه الى اشعار آخر. اولها في ضيافة قائد الجيش العماد جوزف عون في اليرزة في 20 كانون الاول. ثانيها في ضيافة الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في كليمنصو في 15 كانون الثاني. ثالثها في ضيافة الرئيس سعد الحريري في بيت الوسط في 13 شباط. نزل فرنجية، مرشح الثنائي الشيعي، ضيفاً عليهم فيما هو في الضفة المقابلة للثلاثة على السواء. معظم ما شاع عن الاعشية الثلاثة انها لم تخض في انتخابات رئاسة الجمهورية واكتفت بالشق الاجتماعي وتطبيع العلاقات الشخصية. الا ان تعاقبها يجعل من وقوعها الحدث لا مضمونها فحسب. قد لا يكون لها تأثير مباشر على الاستحقاق الرئاسي ما دامت لم تفضِ الى مواقف صريحة تكسر الجمود المحوط به منذ جلسة 14 حزيران. لكنها ادخلت معطيات جديدة تؤخذ في حسبان المرحلة المقبلة:اولها، الارتياح الذي عبّر عنه فرنجية ولا يزال امام المحيطين به، واستمراره في الترشح الى ان يحين أوان جلسة الانتخاب. لا يزال المرشح المعلن الوحيد، المتمكن منذ جلسة 14 حزيران من 51 صوتاً. تزيد ولا تنقص. يحظى بدعم الثنائي الشيعي المُوصِد الابواب على اي خيار سواه. مع ذلك يدرك استعصاء انتخابه في ظل مقاطعة مسيحية واسعة يصعب تجاهلها او القفز من فوقها. المحيطون به كفريق عمل يتحدثون عن اجتماعات تعقد بعيداً من الاضواء تدرس خطة عمل سياسي واعلامي جديدة حيال ترشيحه، يراد منها مقاربة مختلفة للقطيعة القائمة بينه والكتل والاحزاب المسيحية انطلاقاً من المضي في الترشح. يُلام فرنجية في اوساطه على انه يتفرّج على مَن يخوض نيابة عنه معركة وصوله الى رئاسة الجمهورية. منقطع عن التواصل مع المرجعيات وذوي التأثير الداخلي. تلك الملامة مصدر البحث عن اداء مختلف بازاء الاستحقاق.
ثانيها، ليس خافياً ان قائد الجيش هو المرشح الجدي المنافس لفرنجية، دونما ان يكونا في صدد مواجهة في جلسة انتخابية على غرار جلسة 14 حزيران بين فرنجية والوزير السابق جهاد ازعور. مرشح افتراضي للرئاسة اكثر منه مرشحاً مُعلَناً. لم يفصح عن ترشحه ولا يملك ان يفعل في ظل قيود دستورية صارمة ما دام في منصبه، ولا رشحه اي من الكتل المناوئة لفرنجية. لا يملك اصواتاً، ولم يختبر تمرين التصويت له في مجلس النواب في الجلسات الاثنتي عشرة المنصرمة. من غير المنطقي كذلك توقّع انتخابه رئيساً في ظروف عادية في جلسة يدعى النواب الى الاقتراع له. وحدها تسوية تنشأ عن وضع استثنائي في الغالب يتسم بالسخونة، يتشابك الداخل فيها بالخارج، توفر له حظ الوصول ليس الا. لقائد الجيش بذلك خصوصية انه يظل مرشحاً افتراضياً الى حين أوان التسوية، رغم وفرة ما يشاع ان معظم الدول الخمس إما تتقاطع على انتخابه او متحمسة له، وتدرك في الوقت نفسه ان العقبة التي تحول دون وصوله هي الثنائي الشيعي.
ما دام زعيم المردة مرشحاً معلَناً يظل قائد الجيش مرشحاً افتراضياً
على نحو كهذا يتشابه مأزقا المرشحيْن الرئيسيين فرنجية وعون: بينما يفتقر الاول الى غطاء مسيحي يتيح انتخابه، يصطدم الثاني بغطاء شيعي غير متوافر له. كلاهما يحتاج الى حضور 86 نائباً على الاقل لالتئام جلسة الانتخاب من غير ان يكون في حوزة اي منهما الى الآن اي من الغالبيتين المؤهلتين للفوز: الثلثان في الدورة الاولى ثم الاكثرية المطلقة في الدورات التي تلي.
الرجلان تصالحا قبل اكثر من شهرين، الا انهما ينتظران احد طرازيْن من التسوية المحتملة: داخلية يرضى بها الخارج توصل فرنجية الى قصر بعبدا، او خارجية يسلّم بها الداخل – واوله الثنائي الشيعي – تؤدي بدورها الى انتخاب قائد الجيش. ذلك ما يعني ان لكل منهما ظرفاً مختلفاً عن الآخر دونما ان يكونا متنافسيْن ووجهاً لوجه. ما دام فرنجية مرشحاً معلناً يصعب انتخابه، لن يسع عون سوى ان يظل مرشحاً افترضياً.
ثالثها، يقضي تفسير عشاءْي فرنجية مع جنبلاط والحريري انه اقترب من 65 صوتاً او ربما اكثر بقليل. كلاهما معنيان بحجب اصوات طائفتيْهما او تجييرها. مع ذلك لا يتشابه الزعيمان الدرزي والسنّي: افضل ما قدمه جنبلاط لفرنجية – وإن بمردود شخصي متأخر بعد اقل من شهر هو تعيين رئيس للاركان – الانتقال من رفض ترشيحه الى عدم ممانعة التصويت له. في جلسة 14 حزيران صوتت كتلة اللقاء الديموقراطي لازعور بعدما اكد رئيسها النائب تيمور جنبلاط اكثر من مرة ذهابها الى اي خيار معاكس للزعيم الزغرتاوي. مصالحة فرنجية وجنبلاط الابويْن اقترنت بمصالحة مكملة للابنيْن بعد زيارتين اولى في بنشعي واخرى في كليمنصو. ما يسع جنبلاط الاب ان يطلبه من كتلة نجله، وهو يفصل بينه وبين الدور المستفيض المعطى الى خَلَفه في قرارات الحزب والكتلة، يُنظر اليه بتحفظ حيال الحريري.
ليس عند رئيس تيار المستقبل ما يملكه كي يعطي. لا كتلة نيابية له منذ اعتزاله. الصوت السنّي مشتت على الثنائي الشيعي والمعارضة المسيحية وعند السنّة المصطفّين في كتلة الاعتدال الوطني ومن حولها. تأكيد الحريري انه مستمر في اعتزاله السياسي ابقى المرجعية السنّية لدى السفير السعودي وليد البخاري. بدد في الوقت نفسه ظنوناً اوحى بها عشاء بيت الوسط باحتمال استعادتهما تجربة تشرين الثاني 2015.
المصدر:”الأخبار”