الوعي الرقمي.. سلاح فاعل لمقاومة الفتن الإلكترونية
علي عبد الجواد
تعاني منطقتنا العربية والإسلامية من مرض مزدوج يقوم على إدمان أطفالنا وشبابنا الاستخدامات الإلكترونية والرقمية من ناحية، وتوظيفها في إشباع رغبات وعادات وتقاليد تخالف القيم الدينية والأخلاقية للمجتمع.
وقد فشلت كثير من الأسر في الحد من تلك الظاهرة التي دخلت كل البيوت العربية تقريبًا، حتى بات أطفالنا لا يتحدثون مع أمهاتهم أو آبائهم إلا لطلب الأموال، أو المأكل، أو المشرب، بينما يجلسون لساعات أمام هواتفهم، أو أجهزتهم الإلكترونية يضحكون ويبكون ويرقصون.
وفي الكثير من الأحوال أبلغت أسر عن أن أولادهم يعتزلون مع تلك الأجهزة داخل غرف مغلقة، وهو ما يشكل أخطاراً كبرى على مستقبل أجيالنا العربية والإسلامية التي تم اختطافها، ويتم تحريكها من خارج بلادنا وفق منظومة قيم تقوم بالأساس على تدمير منظومتنا القيمية التي تنطلق من ديننا الإسلامي، ومن ثم فإن المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والدينية مطالبة اليوم بأن تستخدم كل مهارتها الذهنية لإنتاج طرق حديثة تتمكن من خلالها من استعادة أطفالنا بمهاراتهم الحديثة، ولكن بعقولهم وتقاليدهم وقيمهم العربية والإسلامية.
هجوم إلكتروني
هناك توافق شبه مطلق بين علماء النفس والتربية حول أن الهجوم الإلكتروني يتمحور حول قيم وأخلاقيات الفرد، حيث يمكن لهذه العوامل أن تسيطر على سلوكه وتؤثر في تصرفاته بشكل كبير، ومن بين الفئات الأكثر عرضة لتأثيرات الهجوم الإلكتروني تأتي في مقدمتها فئة الأطفال والشباب، حيث أصبح الفرد عرضة لتأثيرات الأفكار والعادات المتنوعة المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى تمرد على القيم الاجتماعية السائدة واللجوء إلى ما يُعرف بالتقليد الأعمى.
وبشكل عام أظهر استخدام الهواتف الذكية صورًا اجتماعية متعددة، منها:
1- يهدد استخدامها المستمر التفاعل الاجتماعي ويقلل منه، حيث يفضل الأفراد التواصل عبر الهواتف بدلاً من اللقاءات الشخصية.
2- يُلاحظ تواجد الأفراد في أماكن اجتماعية وهم منغمسون في هواتفهم، مما يُعرف بنظرية «مجتمعون وحدنا»، وهو سلوك يُعرّض التماسك الاجتماعي للخطر.
3- تؤثر الهواتف الذكية على نظرة الأفراد لأنفسهم، حيث يتسبب الاستخدام المتكرر للهواتف في زيادة انتشار النرجسية في المجتمع، بسبب التركيز الزائد على الذات.
4- أثبتت الدراسات زيادة نسبة الشخصيات النرجسية بين الطلاب الجامعيين؛ مما يعكس تأثير الهواتف الذكية على صورة الذات وسلوك الأفراد.
ومن الملاحظ أن أوروبا التي تصدر لنا هذه التكنولوجيا تمنع تمامًا استخدام الهواتف أثناء العمل، على عكس مجتمعاتنا العربية التي تستخدم الهواتف أكثر مما تعمل في أوقات العمل.
الألعاب الإلكترونية
ومن أبرز صور الغزو الإلكتروني الألعاب الإلكترونية التي اجتذبت العدد الأكبر من أطفالنا وشبابنا خاصة بعدما خصص المنتجون والمروجون لها عوائد مالية كبرى لجذب واختطاف هذه الفئات من مجتمعنا؛ وهو ما يشكل صعوبة كبرى تواجه الفاعلين في الوطن العربي، في كيفية مقاومة تلك المغريات الإلكترونية، وهذه الأموال الطائلة التي خصصت لدعمها.
ومع سوء الأحوال الاقتصادية في كثير من بلداننا العربية، فقد حدث العكس تمامًا حيث اجتذب الأطفال آباءهم للدخول في تلك الألعاب أملًا في تحسين دخولهم بدلًا من قيام الآباء باستعادة أطفالهم من براثن الغزو الإلكتروني.
وبلغت إيرادات الألعاب الإلكترونية عام 2023م أكثر من 1.9 مليار دولار، في حين من المتوقع أن يبلغ عدد مستخدمي الألعاب الإلكترونية في دول الخليج أكثر من 17 مليون مستخدم بحلول عام 2027م.
وفي دراسة نشرها مركز «بروكينجز» الأمريكي، في مارس 2021م، خلصت إلى أن الألعاب الإلكترونية ليست مجرد مساحة اقتصادية متنازع عليها بين الولايات المتحدة، والصين، بل هي أيضًا مساحة سياسية يتنافس فيها مختلف الفئات، بما في ذلك الحكومات، والشركات، لسرد القصص وتشكيل التصورات حول العالم.
ولا شك أن الألعاب الإلكترونية قادرة على التأثير في الحالة العاطفية للأفراد، وتغيير أنماط التفكير والتصورات، ويمكنها نقل رسائل سياسية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
حلول مقترحة
ووفقًا لدراسات متخصصة، يمكن مواجهة هذا الانتشار الفكري الضار، الذي يتسلل بين صفوف الشباب، من خلال مجموعة من الإجراءات المهمة:
1- توعية الشباب بأخطار وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية الأخرى التي قد تؤثر سلبًا على حياتهم اليومية، وذلك لتشجيعهم على استخدام هذه الوسائل بشكل مسؤول ومتوازن، مع التركيز على النقاط السلبية والإيجابية لها.
2- الاهتمام بتربية الشباب بطريقة سليمة، وتقريبهم من دينهم وقيمهم الثقافية، وتشجيعهم على التفكير العميق والنقد البناء، وتجنب الانجراف وراء الأفكار السلبية التي تهدد معتقداتهم.
3- إيجاد بدائل ترفيهية ومفيدة لشغل أوقات فراغ الشباب، بما في ذلك توفير فرص عمل لهم وتعزيز روح المنافسة الإيجابية داخلهم، لتجنب التشتت والتأثر بالمحتوى الضار.
4- دعم أمن الشباب الفكري ومعالجة نقاط ضعفهم، وذلك من خلال توفير بيئة داعمة ومساعدتهم على التعامل مع التحديات الفكرية التي قد تواجههم.
5- تفعيل دور الرقابة الأسرية ومراقبة أوقات استخدام الأبناء للأجهزة الإلكترونية، للحفاظ على سلامتهم النفسية والاجتماعية، وتقديم الدعم والتوجيه اللازم في حال واجهوا أي مشكلات أو تحديات.
وتعد المهارات الأساسية لمقاومة الفتن الإلكترونية ضرورية للشباب في عصرنا الحالي، حيث يجب عليهم تطوير التفكير النقدي والقدرة على التحقق من المعلومات قبل التصديق بها، بالإضافة إلى الإبلاغ عن المحتوى المُسيء والمضلل، كما يجب على الشباب نشر ثقافة الحوار والتسامح لتعزيز التفاهم والتعايش السلمي في المجتمع الرقمي.
الأسرة نواة الحل
ويركز علماء الاجتماع والتربية على دور الأسرة، بشكل رئيس، باعتبارها المؤهلة للقيام بخطوة استباقية يمكن من خلالها إنقاذ أطفالنا وشبابنا من طريق الإدمان الإلكتروني، والانعزال، وبالتالي استلاب قيمهم، وأخلاقهم الدينية، والاجتماعية، وتغييرها إلى منظومة عادات وتقاليد منافية لتلك الأسس التي يجب أن يتربى عليها الطفل والشاب المسلم.
وفي هذا الإطار، يوصي العلماء بمعالجة هذا الأمر عبر المشاركة الأسرية، وهي محاولة الإصلاح من داخل المهارات التي يجيدها أطفالنا، من خلال التوجيه غير المباشر من أضرارها، وهو ما يشكل اتصالاً دائماً بين مكونات الأسرة المختلفة، مما لا يسمح للأطفال بالانعزال عن والديهم، وبالتالي الدخول في أمراض إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، وفقدان تأثير الأب والأم الأمر الذي يؤدي إلى العزلة التامة للأطفال مع أجهزتهم الإلكترونية.
وفي كل الأحوال، هناك خطوات استباقية أوصت بها دراسات علمية وطبية تشدد على ضرورة استبعاد أطفالنا قبل سن العاشرة من استخدامات الهاتف التي تسبب أضرارًا صحية بالغة، خاصة على عيونهم، وصحتهم العامة، وتقتل فيهم المهارات الطبيعية التي يمكن للطفل أن يكتسبها عبر مشاركة نظرائه في المنزل أو النادي أو مراكز الترفيه المخصصة لذلك بعيدًا عن التكنولوجيا.
تبقى هناك ضرورة وضع تصورات لبدائل ترفيهية إلكترونية تتضمن الحث على القيم والأخلاق ورفع الكفاءات الذهنية والثقافية من خلال برامج ومسابقات وجوائز تعود على الأطفال بمكاسب عينية وحقيقية تشجعهم على المضي في هذا الطريق، بدلاً من البرامج التي تختطفهم إلى ثقافات وعادات وتقاليد تخالف القيم والدين الإسلامي، وتجعلنا دائمًا مختطفين أخلاقيًا.