Skip to content
عبد الباري عطوان
لم تكن زلّة لسان من الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما قال إن اتّفاق وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، بين المُقاومة في قطاع غزة ودولة الاحتلال، سيتم يوم غَدٍ الاثنين، لسببٍ بسيطٍ جدًّا وهو أن المعلومات المُتوفّرة لديه مُضلّلة، لأنّه لا يعرف قيادة المُقاومة وصلابتها في القطاع، والشّيء نفسه يُقال عن الوُسطاء العرب أيضًا، فقد تعوّد الجانبان الأمريكي والعربي على قيادةٍ “رخوة” ليس للشعب الفِلسطيني ومُقاومته فقط، وإنّما لمُعظم الحُكومات العربيّة، تركع لمُجرّد تلويح أمريكا بالعصا.
فإذا كان الرئيس بايدن في عجلةٍ من أمره للتوصّل إلى هذا الاتّفاق قبل حُلول شهر رمضان المُبارك، فإن هذه العُجالة ليس لوقف حرب الإبادة في قطاع غزة، بل حرصًا على تقليص أعداد الاحتلال من الانهِيار، واشتِعال الجبهة الأكثر خُطورةً، وهي الضفّة الغربيّة، والأهم من ذلك “ترميم” بايدن حملته الانتخابيّة التي تُواجه نكساتٍ ضخمةٍ بسبب انفِضاض النّاخبين من حوله، فإنّ قيادة المُقاومة في القطاع، صاحبة الكلمة الحسم في هذا المِلف ليست كذلك (أي ليست في عجلةٍ من أمْرها) وتملك أعصابًا حديديّةً، ونَفَسًا طويلًا، وتقديرًا ذكيًّا، مُتَعِمِّقًا للموقف، ولهذا لا نعتقد أن مُفاوضات القاهرة، التي انطلقت اليوم الأحد، بحُضور قادة أجهزة المُخابرات الإسرائيليّة والأمريكيّة والمِصريّة، سواءً بشَكلٍ مُباشر، أو غير مُباشر، في الغُرف المُغلقة، ستتوصّل إلى اتّفاقٍ سريعٍ، وقبل حُلول الشّهر الفضيل، شهرُ الفِداءِ والتّضحية.
المعلومات المُتوفّرة لدينا سواءً من أجواء وفد المُقاومة المُشارك في حِوار المُصالحة في موسكو، أو من مصادر قريبة من القيادة في غزة، وطريقة تعاطيها مع الأحداث، تؤكّد أنه كلّما اقترب موعد حُلول شهر رمضان المُبارك، كلّما ازداد موقف المُقاومة التّفاوضيّ تَشَدُّدًا وصلابةً، وأصبح أكثر تَمَسُّكًا بالشّروط الفِلسطينيّة، وعدم تقديم أيّ تنازلات.
نشرح أكثر ونؤكّد أن المُجاهد يحيى السنوار (أبو إبراهيم) أصدر تعليماته للوفد الذي يُمثّل كتائب القسّام ويتواجد حاليًّا في القاهرة، بضرورة التشدّد وعدم تقديم أيّ تنازلات، فطالما أنّ الإسرائيليين وبايدن “مرعوبون” من تصاعد المُقاومة في الشّهر الفضيل، فليكن موقف المُقاومة مُعاكسًا كُلّيًّا، واستِغلال هذا الرّعب للحُصولِ على تنازلاتٍ أكبر من الطّرف الآخَر.
الفقرة الأهم في تعليمات القائد السنوار للوفد الزائر للقاهرة، الذي يترأسه السيّد خليل الحية، أحد أبرز المُقرّبين منه، تُؤكّد على الجُهوزيّة العالية في المجالين الدفاعيّ والهُجوميّ للمُقاومة، ووضعها خططًا نوعيّةً مُبتكرة في مُختلف مناطق القطاع والضفّة في المرحلة المُقبلة، أبرزها الاستعداد الكامل والمدروس للتصدّي لأيّ هُجومٍ إسرائيليٍّ على مِنطقة رفح.
مصدر هذه الثّقة، وهذه الصّلابة يعود الى أمرين: الأوّل الانتصارات الميدانيّة الضّخمة التي حقّقتها وتُحقّقها قوّات المُقاومة سواءً في القطاع أو في الضفّة الغربيّة المُحتلّة، ووضع خطط تصعيديّة مُحكمة الإعداد للتّطبيق في شهر رمضان المُبارك، والثاني: عدم نجاح بعض الحُكومات العربيّة في إفسادها، أو الضّغط عليها بالمال، تجاوبًا مع الإملاءات العربيّة الرسميّة، الأمريكيّة والإسرائيليّة الأصل، ومثلما كان عليه الحال مع القِيادةِ السّابقة.
فعندما تفشل الولايات المتحدة وكُلّ أتباعها من المُطبّعين العرب في إجبار بنيامين نتنياهو على فتح معبر رفح لدُخول المُساعدات الإنسانيّة إلى القطاع، وتلجأ إلى “مسرحيّة” الإنزال الجوّي لبعض الفُتات، يسقط مُعظمها في البحر، فهذا يعكس أبرز عناوين الضّعف، والعجز، والتّواطُؤ أيضًا، فقد ثَبُتَ بالأدلّة العمليّة والميدانيّة، أن نتنياهو لا يُعبّر هؤلاء جميعًا، ولا يُعطيهم أيّ قيمة، ويسير قُدُمًا في مُخطّطاته الدمويّة دون تردّد، لأنّه يعلم جيّدًا أن أيّ اتّفاقٍ بوقف إطلاق النار وانسحاب قوّاته من القطاع بالتّالي، يعني هزيمته ودولة الاحتلال، وبداية النّهاية للمشروع الصهيوني، وانتصارًا كبيرًا للمُقاومة، وحركة “حماس” زعيمتها، وبقاء القطاع تحت حُكمها، والضفّة الغربيّة لاحقًا.
لسنا من القوم المُتفائلين بإمكانيّة وصول مُفاوضات القاهرة إلى اتّفاقٍ بوقف القتال في القطاع، وإذا حدث العكس، وتكلّلت اللّقاءات بالاتّفاق، وهذا احتمالٌ ضعيف، فإنّ هذا يعني اعترافًا إسرائيليًّا رسميًّا بالهزيمة، والرّضوخ لجميع شُروط المُقاومة، ورفع رايات الاستِسلام البيضاء، وتحوّل المُجاهد السنوار إلى زعيمٍ ليس للفِلسطينيين فقط، وإنّما للغالبيّة من العرب، واحتِلال القائمة التي يحتلّها زعيم المُقاومين عمر المختار وأمثاله.
قيادة المُقاومة ورِجالها الأسود، ما زالت تُقيم على أرضها، فوقها أو تحتها في أنفاقها، ووسط شعبها، وتمتلك مُعظم أسباب قُوّتها أو كُلّها، ولعلّ تراجع الحديث عن خُروجها، أو البحث عن بدائلٍ لها في القطاع، وتراجُع كُلّ الأكاذيب حول إغراق أنفاقها بماءِ البحر، هي كُلّها، مُجتمعة أو مُتفرّقة، أحد الأدلّة التي تُؤكّد ما ذكرناه آنفًا.. والأيّام بيننا.