Skip to content
عبد الباري عطوان
صفقة الأسلحة المُتطوّرة التي قرّرت إدارة الرئيس بايدن إرسالها لدولة الاحتلال الإسرائيلي، التي تشمل طائرات شبح “إف 35” وقنابل عملاقة وزنها 2000 رطل، وتزيد قيمتها عن 2.5 مِليار دولار، والتي تمّ فضحها اليوم جاءت ضُوءًا أخضر لنتنياهو للمُضيّ قدمًا في خططه لاجتياح مدينة رفح، وتأكيد مُشاركتها المُباشرة في حرب الإبادة والتّجويع في قطاع غزة، ولهذا نُطالب المُقاومة وكتائبها بالانسِحابِ فورًا من مُفاوضات الدوحة والقاهرة للتوصّل إلى اتّفاقٍ لوقفِ إطلاق النّار، فأمريكا لم تكن ولن تكون وسيطًا بل شريكًا، ويجب التّعاطي معها على هذا الأساس.
أمريكا بمُضيّها قُدُمًا في هذه الصّفقة العسكريّة في الوقت الذي تدّعي كذبًا وجود خِلافات مع حُكومة بنيامين نتنياهو، تُجسّد أبشَع أنواع النّفاق، والازدواجيّة، وانعِدام الأخلاق والتوغّل في سفكِ الدّماء بإطالة أمد الحرب، وفق المُخطّطات الإسرائيليّة لإفناء السكّان، وتدمير القطاع، وجعله غير قابل للعيش، وإلّا لماذا هذه القنابل العِملاقة ذات القُدرة التدميريّة العالية جدًّا للبِنايات من أساساتها، وتُحدث حُفَرًا بعُمُق 50 مِترًا على الأقل، وهل بقي بنايات لتدميرها أصلًا في القطاع؟
إدارة الرئيس بايدن تُرسل ساندويشات ومُعلّبات قاتلة إلى أهالي القطاع، والمُقاتلات والذّخائر والقنابل المُتطوُرة جدًّا لدولة الاحتِلال في المُقابل، فهل هُناك نفاق، وكذب، وعقليّة تدميريّة إجراميّة، أكثر من ذلك؟ حتّى النازيّة وفي ذروةِ جبروتها لم تصل إلى هذه الدّرجة من الإجرام والنّفاق والازدواجيّة والعُنصريّة، فالنازيّة كانت واضحةً في نواياها وعقيدتها، ولم تَقُل مُطلقًا إنّها زعيمة الليبراليّة، وتُقاتل من أجل فرض احتِرام حُقوق الإنسان مثلما تدّعي الولايات المتحدة الأمريكيّة، وتخوض الحُروب تحت هذه الشّعارات الخادعة.
لا نعرف ماذا فعل أبناء القطاع للشّعب الأمريكي حتى تُقدِم حُكومته على هذا الدّعم للعُنصريّة الصهيونيّة لقتلهم، وإبادتهم، وتجويعهم، وإرسال أسلحة الدّمار الشّامل هذه لإفناء ما تبقّى منهم على قيد الحياة وتدمير أكثر من 90 بالمِئة من بُيوتهم، وتُؤيّد نُزوح أكثر من مِليونين منهم، وقطع المُساعدات عن وكالة الغوث التي تُقدّم لهُم الحدّ الأدنى من أسبابِ البقاء.
هل الدّفاع عن النّفس وفق المفهوم الأمريكي بقتل أكثر من 33 ألفًا من أبناء القطاع، مُعظمهم من الأطفال والنساء، وإصابة مئة ألف آخرين على الأقل، وهل تعني القيم الإنسانيّة الأمريكيّة قصف وتدمير مُعظم مُستشفيات القطاع وقتل الطّواقم الطبيّة، وقطع الكهرباء، وانتِزاع الأطفال “الخُدّج” من حاضناتهم، ومنْع وُصول المواد الطبيّة، يا رُسُل الحضارة والعدالة في العالم الغربيّ؟
العار ليس الولايات المتحدة وإدارتها النازيّة هذه فقط، وإنّما العار أيضًا على الحُكومات العربيّة التي تصمت على هذه المجازر، بل وتدعمها بشَكلٍ مُباشر، أو غير مُباشر، بالتّواطُؤ مع دولة الاحتلال، وإدارة الظُهر والوجْه لجرائمها في قطاع غزة طِوال الأشهُر الستّة الماضية، وهي الجرائم التي بلغت ذروتها في هذا الشّهر الفضيل.
نكتبُ بمرارةٍ عن هذا الخُذلان العربيّ والإسلاميّ لأهلنا في قطاع غزة ومُقاومتهم الشّريفة، وتركهم يُواجهون الموت جُوعًا أو بالرّصاص لوحدهم، ولكنّنا في الوقتِ نفسه نُدرك جيّدًا أنّ الله معهم، والشّرفاء معهم، وأنّ النُصر سيكون حليفهم في نهاية المطاف، فلم يُسجّل التّاريخ انهزام شعب يُقاتل دِفاعًا عن أرضِه وكرامَته وعِرضه، ومُقدّساته، والشّعب الفِلسطيني، ومُقاومته العقائديّة، المُؤمنة، لن تكون استِثناء.
أمريكا ستُهزَم في قطاع غزة مثلما انهزمت في أفغانستان والعِراق، وستُهزَم أيضًا في اليمن، وصفقاتها العسكريّة لرأسِ حِربتها المسمومة في تل أبيب، لن تُنقذ المشروع الصّهيوني العُنصري، بل ستُعجّل بفنائه، إنّها حربٌ مُستَمرّةٌ، ومارد المُقاومة خرج من قُمْقُمِهِ، ولن يعود إليه مُطلقًا.
الدّولة الأمريكيّة الفاشيّة، وبهذا الانحِياز المكشوف لجرائم الاحتلال أثبتت أنّها العدو الحقيقي والأصلي، والشّيء نفسه يُقال عن جميع المُتواطئين معها وحليفها الإسرائيلي في العالمين العربي والإسلامي، سواءً الذين يُزوّدونها بالطّعام، أو النفط والغاز، أو التّعاطي مع الجرائم في قطاع غزة كأنّهم سويسرا، ولا ننْسى في هذه العُجالة أولئك الذين يلعبون دور الوسيط لتبييض وجهها القبيح.. خِتامًا نقول تذكّروا كلامنا هذا جيّدًا.. والأيّام بيننا.