مقالات

النهوض العربي أردني

ناصر قنديل

– دون سائر الدول العربية يشكل الأردن نقطة قوة فلسطين ونقطة ضعف كيان الاحتلال في وقت واحد، إلى حد أنه يمكن القول إن النهوض العربي يكون أردنياً أو لا يكون. وخلال أسبوع متواصل ليلياً يحتشد الشباب الأردني أمام سفارة كيان الاحتلال، ويتزايد العدد كل ليلة عن سابقاتها، حتى سُجّل رقمٌ يزيد عن عشرة آلاف مشارك ليلة أمس، ويتوقع أن يتزايد العدد تباعاً حتى ليلة يوم القدس الجمعة المقبلة، فيبلغ الذروة، حيث يقدّر المنظمون بلوغ رقم المئة ألف مشارك. ويوم الجمعة سوف يكون يوماً مشهوداً في عواصم ومدن العالم للتضامن مع فلسطين وغزة والمقاومة في إحياءات تعم العالم بمناسبة يوم القدس العالمي.
– في الأردن يتلاقى التيار الوطني القومي واليساري مع التيار الإسلامي على عنوان نصرة فلسطين، بصورة نجح المغرب بتحقيقها جزئياً، ولم تنجح مصر ببلوغها بعد. والتيار الإسلامي في الأردن تيار فاعل وحاضر في الشارع، لكنه يمتاز عن سائر متفرّعات تنظيم الأخوان المسلمين أنه لصيق بحركة حماس، وقد كانا حركة واحدة في ما مضى، وبوصلته الفلسطينية تتقدّم على بوصلته السلطوية، بعكس سائر المكونات السياسية المتفرعة من الأخوان في البلدان العربية الأخرى، خصوصاً في مصر. وقد كان الانقسام الذي أصاب الحركة الشعبية في الأردن خلال الحرب على سورية، وموقف الحركة الإسلامية منها، عامل تعطيل لوحدة هذه الحركة، إلا أن أول المتأثرين بالمصالحة بين حركة حماس وسورية كانت العلاقة بين التيارين الوطني القومي والإسلامي في الأردن، ولم يكد طوفان الأقصى يرسم إطار مستقبل المنطقة حتى كان التياران يلتقيان ويؤسسان حراكاً شبابياً موحداً، هو الذي يرسم اليوم إيقاع التظاهرات.
– في الأردن غالبية من أصول فلسطينية وغالبية فلسطينية مقيمة، وبيئة أردنية أصلية ذات جذور قومية عربية أصيلة، بحيث يمكن لعنوان بحجم أهمية القضية الفلسطينية أن يشكل عنصر جمع بين مكوّنات الشعب الأردني، ودفعها الى ميادين الحراك. وفي الأردن نخب وقيادات وشخصيات اعتبارية ذات تاريخ وطني وقومي ومكانة معنوية، وذخيرة خبرة في الحركة النقابية والسياسية، تملك ثقة الشارع وتستطيع قيادة هذا الحراك. ويكفي أن تكون فلسطين في الميزان حتى تنهض هذه النخب بمسؤولياتها. وفي الأردن عقلانية سياسية تستطيع التمييز بين كيفية إدارة التضامن مع فلسطين، وعدم تعريض الوحدة الداخلية والاستقرار السياسي والأمني للبلد لخطر، ولذلك فإن العناوين المطلبية تحلّ مكان الأحكام السياسية الجاهزة، ويدير الأردنيون حراكهم تحت شعارات تحاكي هذه القواعد.
– الأردن بنظر واشنطن وتل أبيب صمام أمن ومركز إنذار متقدّم، والعين الأميركية الإسرائيلية على الأردن دائماً، ومعادلة الحرب الفاشلة على غزة، التي يخوضها الثنائي الأميركي الإسرائيلي ويواصلان خوضها، سوف يتم إخضاعها للفحص والتدقيق عندما تبدأ تداعياتها تؤثر على الوضع في الأردن، فلا تبقى بلا خسائر طالما هي بلا أرباح. والخسارة في الأردن غير قابلة للتعويض. فالأردن بلد فقير لا يملك مقدرات اقتصادية لتعويض الاهتزاز السياسي بالاستقرار الاقتصادي، وللأردن حدود مع فلسطين المحتلة تزيد عن 360 كلم، لا يمكن ضمان أمنها من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث لا مستوطنات ولا سكان في غور الأردن بما يكفي، وحيث الضمان الجدّي يستدعي أن يبقى الأردن بمنأى عن حركات المقاومة. وهذا الامتداد الحدوديّ ملاصق للضفة الغربية التي تغلي وتصل حد الانفجار، وتتطلع نحو الأردن كخلفيّة وظهر وسند، ولا ينقصها الا بعض السلاح لتنجح بفرض وقائع جديدة في وجه توحش المستوطنين وجيش الاحتلال.
– ما يجري في الأردن كبير وكبير جداً، كبير بعيون محبي فلسطين والمقاومة، وكبير بعيون الأميركيين والإسرائيليين. وأهل المقاومة في المنطقة لا يريدون إلا الخير للأردن، ولا يرغبون بهزّ استقراره، وهم يصطفون وراء قادة الحراك هناك وشعاراتهم، وحركتهم المطلبية غير الانقلابية، آملين أن يكون اقتلاع السفارة الإسرائيلية من الأردن، وأن يكون انسحاب الأردن من الاتفاقيات التي تكبّل حريته وتقيّده بشروط حماية كيان الاحتلال والتخلي عن القدس والمسؤولية تجاه أقصاها، أول الغيث في سقوط جدار التطبيع الذي أرهق كاهل المنطقة، وقدّم للمحتل جوائز مجانية بلا مقابل، بينما الاستيطان ينهش الضفة الغربية والتهويد يؤلم القدس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *