Skip to content
عبد الباري عطوان
عندما يُهَدِّد السيّد علي خامنئي المُرشد الأعلى للثّورة الايرانيّة بالرّد القاسِي على العُدوان الإسرائيلي الذي استهدف القنصليّة الإيرانيّة في دِمشق وأدّى إلى استِشهاد سبعة من كِبار القادة العسكريين في فيلق القدس التّابع للحرس الثوري الإيراني على رأسِهم العميد محمد رضا زاهدي قائد الفيلق في سورية ولبنان وفِلسطين المُحتلّة، ويُؤكّد السيّد خامنئي، وهو قليلُ الكلام، أنّ دولة الاحتِلال ستندم ندمًا شديدًا، فإنّ هذا يعني حرفيًّا أنّ الثّأر لدِماء الشّهداء بات وشيكًا جدًّا، والسُّؤال هو: هل سنصحو صباح الغد الجمعة على قصفِ الصّواريخ والمُسيّرات للعُمُق الفِلسطيني المُحتل والمُدُن والبُنى التحتيّة الإسرائيليّة احتِفالًا بيوم القدس العالمي، وتزامنًا مع ليلة القدر المُباركة، وتَيَمُّنًا بانتِصار معركة بدر العظيمة، أم أنّ الرّد العسكري سيتأجّل بضعة أيّام؟ وهُناك سُؤالٌ آخَر لا يقلّ أهميّةً وهو عمّا إذا جاء الرّد الانتِقامي مُباشِرًا من قِبَل الحرس الثوري الإيراني أم عبر الأذرع العربيّة الحليفة في جنوب لبنان والعِراق واليمن، أم من الاثنين معًا؟
الحرب القادمة إذا ما بدأت فلا حاجة لعُنصر المُفاجأة، وربّما ليس من الحكمة العسكريّة، والسياسيّة، التّأجيل، فالقرار بإطلاق المِئات، وربّما الآلاف، من الصّواريخ والمُسيّرات لضرب العُمُق الإسرائيلي، أو حتّى باستِهداف أحد السّفارات الإسرائيليّة سواءً في مِنطقة الخليج أو مناطق أُخرى في العالم، جرى اتّخاذه من قِبَل المجلس القومي الإيراني الأعلى الذي عقد اجتماعًا طارئًا فور وصول أنباء الهُجوم على القنصليّة الإيرانيّة في دِمشق، واغتيال جنرالات الحرس الثوري السّبعة، بحُضور القيادتين العسكريّة والسياسيّة، ومُباركة السيّد خامنئي، حسب ما ذكر مصدر مُقرّب من المجلس.
خُروج الآلاف من الإيرانيين في مُظاهراتٍ فوريّة غاضبة في قلبِ العاصمة طِهران للتّنديد بالعُدوان الإسرائيلي على قُنصليّة بلادهم لم يكن مِثل سابقاته، لأنّ المُتظاهرين، وللمرّة الأولى، انتقدوا قيادتهم السياسيّة لعدم ردّها المُباشر الحازم والمُوجِع على اغتيالات و”عُدوانات” سابقة، وطالبوا بردٍّ قويٍّ ثأرًا وانتقامًا للضّحايا الشّهداء، ولا نعتقد أن القيادة الإيرانيّة لن تضع في اعتِبارها هذه السّابقة، وتتجاوب مع المُتظاهرين الذين طفح كيْلُهُم، ولم يعودوا يتحمّلون المزيد من الصّبر الاستراتيجي.
لا نستبعد دورًا كبيرًا لأذرع المُقاومة الحليفة في هذا الانتِقام، فالسيّد حسن نصر الله أمين عام حزب الله أكّد أنّ الرّد على العُدوان قادمٌ حتمًا، أمّا أبو علي العسكري أحد أبرز قادة كتائب حزب الله العِراق، فقد كشف وللمرّة الأولى، وبكُلّ وضوح، أنّ هُناك 12 ألف مُقاتل على الحدود العراقيّة الأردنيّة مُجهّزون بأسلحةٍ خفيفة مُستَعدّون لاقتِحام حُدود الأردن مع فِلسطين المُحتلّة للقتال إلى جانب نُظرائهم في حماس والجهاد الإسلامي وباقي فصائل المُقاومة ضدّ العُدوان الإسرائيلي، أمّا السيّد عبد الملك الحوثي فإنّه لا يحتاج والشّعب اليمني إلى دعوةٍ للقتال فمعركته ضدّ أمريكا وأساطيلها بدأت مُنذ أشهر، وقلبت كُلّ المُعادلات السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة في العالم.
الإشارة إلى الأردن وحُدوده لم يكن عشوائيًّا، وإنّما مُتعمّدًا، بالنّظر إلى اعتِصام عشَرات الآلاف من عناصر الحشد الشعبي لعدّة أيّام على الحُدود العِراقيّة الأردنيّة قبل بضعة أسابيع، وترديد هتافات تُهَدّد باقتِحامها للوصول إلى فِلسطين المُحتلّة، تضامنًا ودعمًا لفصائل المُقاومة في الضفّة والقطاع.
لا نستبعد أن تكون السّفارات والقواعد الأمريكيّة في العِراق وسورية والأردن ومِنطقة الخليج أهدافًا في الحرب المُوسّعة المُقبلة، فأمريكا التي توصّلت إلى تفاهماتٍ سريّة مع إيران لعدم توسيع حرب غزة، لم تلتزم بها، ولم تَلجِم حليفها الإسرائيلي الذي تحدّاها، وقزّمها، وفضح ضعفها أمامه بمِثل هذه الهجمات الاستفزازيّة، وضاعف من حرب الإبادة التي يشنّها على المدنيين في قطاع غزة مُنذ ستّة أشهر، وأكّد نتنياهو إنّه هو حاكم البيت الأبيض وليس بايدن، وإنّ كلمة إسرائيل هي العُليا.
إذا دخلت الدّولة الإيرانيّة مُباشرةً الحرب القادمة، والوشيكة، جنبًا إلى جنب مع أذرعها الحليفة في لبنان والعِراق واليمن، فإنّنا نُرجّح دُخول الجيش السّوري للميدان، وما يجعلنا نتنبّأ بذلك، ما ذكرته لنا مصادر سوريّة على أعلى المُستويات، بأنّ الدكتور حسين أمير عبد اللهيان وزير الخارجيّة الإيراني، عندما زارَ دِمشق بعد أيّامٍ قليلة من بدء معركة “طُوفان الأقصى”، فاتح الرئيس السوري بضرورة دُخول هذه الحرب دعمًا للمُقاومة، وتأكيدًا لتنفيذ مبدأ وحدة السّاحات، فرَدّ الرئيس الأسد على هذا الطّلب “سورية دولة وليست ساحة، فإذا دخلت الدّولة الإيرانيّة هذه الحرب سنكون إلى جانبها دُونَ أيّ تردّد”.
إيران قوّة إقليميّة عُظمى، وتملك ترسانة هائلة من الصّواريخ الدّقيقة، والمُسيّرات، والغوّاصات، وباتت دولة حافّة نوويّة مُنذ ثلاثة أعوام، ولا نستبعد تطويرها أسلحة نوويّة بعد طردها لفرق التّفتيش الدولي، وتفكيك كاميرات مُراقبتها المُثبّتة في مُنشآت التّخصيب العلنيّة، أمّا السِّريّة فلا يعلمها إلّا الله، وإذا دخلت هذه الحرب التي فرضتها إسرائيل عليها، بالعُدوان على قُنصليّتها الذي يُعتبر انتهاكًا صريحًا لسِيادتها، فإنّها ستكون آخِر الحُروب في المِنطقة ونهاية وجود دولة الاحتِلال بصُورتها الحاليّة.
إنّنا أمام حربٍ مُتدحرجةٍ على الأغلب، قد تبدأ بهُجومٍ ثأريٍّ محدود، وتتطوّر إلى حربٍ شاملة، ولعلّ أبرز المُؤشّرات في هذا المِضمار فتح دولة الاحتِلال للملاجئ، وهرولة المُستوطنين إلى المتاجر لتخزين المُعلّبات والأغذية، وإعلان حالة الطّوارئ في كُل الألوية العسكريّة الإسرائيليّة، وإلغاء الإجازات واستدعاء الاحتِياط، خاصَّةً في صُفوف القوّات الجويّة تَحَسُّبًا، ومِثل هذه الخطوات الهَلِعَة لا تَحدُث جزافًا.
محور المُقاومة “سيُؤدِّب” دولة الاحتِلال، وربّما أمريكا أيضًا، التي تُوفّر لها الحِماية، فإذا كانت هذه “الإسرائيل” لم تنجح، وبعد أكثر من 6 أشهر في هزيمة كتائب القسّام وسرايا القدس في قطاع غزة، الشّريط السّاحلي الذي لا تُوجد فيه غابات ولا جبال عِملاقة، ولا تزيد مِساحته عن 150 مِيلًا مُربّعًا، فهل ستنجح في الصّمود في حربٍ ضدّ محور المُقاومة بقيادة إيران؟
الإجابةُ مكتوبةٌ على الحائط، والأيّام القادمة حافلة بالمُفاجآت غير السّارّة، بل المُرعبة لدولة الاحتِلال ومُستوطنيها وداعِميها.. والأيّام بيننا.