«معسكر المؤمنين» يبدأ تحرّكاً مضاداً: إضراب «الهستدروت» يشلّ إسرائيل
غضب الائتلاف الإسرائيلي الحاكم من قرار رئيس «الهستدروت»، أرنون بار ديفيد، إعلان الإضراب العام وتعطيل الاقتصاد لساعات، كإجراء ضاغط بوجه الحكومة لدفعها إلى القبول بصفقة تبادل أسرى. وتُرجم هذا الغضب، وفقاً لصحيفة «معاريف»، بإجراءات سياسية؛ إذ توجّه ستّة أعضاء في «الليكود» الذي يتزعمه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إلى رئيس الائتلاف، أوفير كاتس، مطالبين إياه بدفع سلسلة خطوات من شأنها أن تقلّص قوّة النقابات العماليّة وتمنع استخدام الخدمات الحيوية كأداة مساومة.وفي رسالة وجّهها أعضاء الكنيست دان إيلوز، أفيخاي بوارون، غاليت ديستل، عميت هليفي، موشه سعده، وموشيه بيسل، إلى كاتس، طالب هؤلاء بتقديم مشروعي قانون ضد النقابات العمالية، بشكل طارئ، حتّى خلال العطلة الحالية للكنيست. وبحسبهم، فإن «القرار المعيب لرئيس الهستدروت بتعطيل الاقتصاد في لحظة حاسمة كهذه، هو تصرّف عديم المسؤولية ويعرّض أمن إسرائيل للخطر؛ ففي الوقت الذي تحتفل فيه حماس بقتل المختطفين، يقدّم بار ديفيد انتصاراً إضافياً، وهو يظهر أنه بالإمكان تدمير إسرائيل من الداخل». وأضافوا «(أننا) لن نتمكن من المضي قدماً هكذا. وعلينا أن نكبح فوراً القوّة غير المحدودة التي تتمتع بها الهستدروت ومنظّمات عماليّة أخرى، مثل اتحاد نقابة المعلّمين، الذين يضرون الاقتصاد، ويمتنعون عن إبداء المرونة، ويعرقلون الإصلاحات»، وبحسبهم فإن «قوّة كهذه، تسمح للأقلية بتطويق إرادة الأغلبية، وتحديد الجدول اليومي، هي خطر على اقتصاد إسرائيل وأمنها». واقترح الأعضاء المذكورون إجراء تعديلات على تشريعات قائمة بينها اقتراح قانون «يضمن استمرار الخدمات الضرورية في أي وضع، حتّى لو تمّ إعلان الأضراب».
وسبق أعضاء «الليكود»، في موقفهم، محكمةَ العمل اللوائية في مستعمرة «بات يام»، والتي أصدرت قراراً أنهى الإضراب الشامل في إسرائيل قبل 14 ساعة من موعد انتهائه، الذي كان مقرّراً عند السادسة من صباح اليوم، إذ كان قدّم نتنياهو ووزير الماليّة، بتسلئيل سموتريتش، إلى المحكمة، طلباً بإصدار أمر يمنع الإضراب الشامل، بدعوى أن «الإضراب الذي أعلنه بار دافيد، ليس إضراباً يتعلق بنزاع عمل، ولذلك فإنه إضراب سياسي»، زاعمَيْن في طلبهما أنه «ليس من شأن ذلك أن يقلل من الأهمية العليا للجهود المبذولة من أجل إعادة جميع المختطفين، أو الاستهانة بالنوايا الصادقة للمشاركين في الإضراب، وموضوع هذا الطلب يتعلق بعلاقات العمل والخطوات التي بالإمكان تنفيذها بموجب القانون».
رافقت الإضراب، وحتّى قبل بدئه، تظاهرات واحتجاجات ضخمة وغير مسبوقة منذ اندلاع الحرب
وسبق أن خطّط اتحاد النقابات العماليّة لأن يطيل أمد الإضراب، وفقاً لما كشفه رئيس الدائرة الإعلامية لـ«الهستدروت»، يانيف ليفي، في مقابلة مع إذاعة «103 أف أم»، معلناً أنه «من المحتمل أن يستمر الإضراب غداً (اليوم)، وقد تشارك فيه قطاعات أخرى»، ولكن «إذا قررت المحكمة وقف الإضراب، فسنوقفه. وهذه لن تكون الطلقة الأخيرة»، وهو ما فعلته المحكمة عملياً بقرارها. ومن جهته، هاجم نتنياهو، خلال اجتماع حكومته، رئيس «الهستدروت»، معتبراً أن «قراره مُخْزٍ. نحن في حرب. وهذا (الإضراب) يعزّز السنوار. وهو أشبه بالقول له: قتلت ستة (أسرى)، نحن معك». أمّا وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، فدعا المتظاهرين من «منتدى البطولة»، الذي يمثل عائلات قتلى إسرائيليين من تيار الصهيونية الدينية، تعارض اتفاق تبادل الأسرى، إلى مواصلة التظاهر وأن يتوجّهوا إلى مكتب نتنياهو في القدس ضد الإضراب، مشيراً إلى أنه «توجد لدينا قوّة في الحكومة اليوم، وأنا لا أخجل من القول إننا نستغلها كي لا تكون هناك صفقة انهزامية، ومن أجل ألا تكون هناك مفاوضات أبداً». وأضاف مخاطباً المتظاهرين من جمهوره: «أنتم تمنحوننا القوة، فاستمروا في الصراخ ونحن ننفّذ عملنا كي لا يتراجع نتنياهو».
على المقلب الآخر، عمّ الإضراب الشامل كلّ مناحي الحياة في إسرائيل، استجابةً لقرار «الهستدروت» الذي بدا، لأول مرّة، أن موقفه قد يكون ورقة ضاغطة على الحكومة لدفعها إلى إعادة حساباتها بشأن المفاوضات، خصوصاً بعدما اعتبر بار ديفيد أنه «حانت اللحظة المناسبة للتدخل»، وذلك على إثر إعلان الجيش عثوره على جثث ستّة أسرى كانوا في الأيام الأخيرة لا يزالون على قيد الحياة، قبل أن يُقتلوا في نفق في رفح جنوبي القطاع. ومع بدء الإضراب، أغلقت المدارس الابتدائية والإعدادية أبوابها حتى الظُّهر، فيما أقفلت الحضانات والثانويات أبوابها كلياً، وأعلنت نقابة المعلّمين الاستمرار في تعطيل الدراسة في الثانويات بعدما فشلت المحادثات مع وزير التربية والتعليم ووزارة المالية. كما توقفت الرحلات في مطار «بن غوريون» الذي شهد ازدحامات خانقة، وانسحب الأمر على المستشفيات والمكاتب الحكومية، والقطاع الخاص كالبنوك والبورصة، وجزء من قطاع «الهايتيك»، إضافة إلى المجمعات التجارية الكبرى. أيضاً، تعطّلت حركة القطارات بشكل جزئي، بينما التزمت البلديات الكبرى كالقدس، وحيفا، وتل أبيب بالإضراب العام.
ورافقت الإضراب، وحتّى قبل بدئه، تظاهرات واحتجاجات ضخمة وغير مسبوقة منذ اندلاع الحرب، في تل أبيب والقدس وحيفا وبئر السبع وعشرات النقاط الأخرى في أرجاء إسرائيل، تخللتها عمليات إغلاق للطرق باستخدام الإطارات المشتعلة، والحواجز البشرية، بمشاركة من قادة المعارضة الصهيونية، وعائلات أسرى إسرائيليين لدى «حماس». وردّت الشرطة بتفريق هؤلاء باستخدام وسائل فضّ التظاهرات، وبينها رش المياه، وإطلاق قنابل الصوت، فضلاً عن ملاحقة المحتجين بالخيالة، إلى جانب اعتقال العشرات منهم.
لكنّ التظاهرات تجددت أمس، حيث أغلق المحتجون شوارع رئيسية، كما عرقلوا حركة القطارات في تل أبيب وهرتسيليا، بوقوفهم عند أبواب القطارات بعد توقفها في المحطات، وإمساكهم أبوابها ومنعهم تحرّكها. وطالب المحتجون بالتوصل إلى اتفاق تبادل أسرى، وهتفوا بشعارات بينها: «الحكومة تدفنهم أحياء»، و«أنت الرأس – أنت المتهم»، في إشارة إلى مسؤولية نتنياهو عن إخفاق السابع من أكتوبر، ومن بعده مقتل الأسرى. كما تظاهر آلاف المحتجين بالقرب من منزل نتنياهو في شارع غزة بالقدس، حيث وضعوا ستّة نعوش لُفّت بالعلم الإسرائيلي، في إشارة إلى مقتل الأسرى الستة. أيضاً، تظاهر الآلاف، مساء أمس، في شارع «كابلان» مقابل جسر «بيغين»، مطالبين بتحرير الأسرى، فيما قالت هداس كالدرون، نجلة الأسير يلديّا عوفر، خلال التظاهرة، إنه «بالأمس أُحضرت ست جثث، واليوم جنازات، فيما قلوب كثيرة منكسرة. إن قيمة قدسية الحياة قد ماتت، بسبب كابينت الدم»، مشيرة إلى أن «الأسرى يعيشون في عتمة الأنفاق بينما قلوبنا نحن معتمة. عائلاتنا ملقاة كالكلاب في الأنفاق، وأنت يا رئيس الحكومة تخون شعبك».
بيروت حمود