مخططات الاحتلال في تهويد القدس
ضمن مخطط إستراتيجي طويل الأمد، استخدمت دولة الاحتلال جميع الأدوات والوسائل والآليات، ورصدت الموازنات شبه المفتوحة لتهويد القدس والاعتداء على المسجد الأقصى المبارك، مستخدمة السلطات الثلاث: السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، مع توظيف البروبوغندا الإعلامية أيضاً في ذلك، حيث وصل التهويد إلى ذروته في العام 2023م، فكان الأسخن والأخطر على القدس والمقدسات الإسلامية وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك.
كما طال المخطط الصهيوني الإنسان المقدسي طمعًا بالتهجير القسري عبر استمرار مجزرة هــدم المنازل الممنهجة ومصادرة الأراضي، والاعتقالات الجماعية والعقوبات التعسفية، والضرائب الباهظة، والهدف الأكبر من ذلك هو الحسم الديمغرافي في مدينة القدس.
إجراءات التهويد في القدس و«الأقصى» وأدواته
يحرص الاحتلال على تجديد وتغيير أدواته المستخدمة في التهويد بشكل دوري منذ عشرات السنين، لكنه يحرص على تثبيت ركائز تهويدية خطيرة ومؤثرة، وهي:
أولاً: الأعياد اليهودية:
وتقسم لقسمين: الأعياد التي ذكرت في التوراة، من بينها أعياد الحج الثلاثة (الفصح، والأسابيع، والمظال)، ويوم الغفران (كيبور)، والأعياد التي أضيفت بعد العودة من بابل، من بينها عيد «البوريم»، وذكرى خراب «المعبد».
وأفعال اليهود في الأعياد اليهودية تتضمن 3 عناصر أساسية، وهي: المرح، الذي يأخذ شكل المأدبات الاحتفالية، وإضافة أدعية وابتهالات إلى الصلاة «عاميدا»، وطقوس احتفالية خاصة.
وقد ظهر واضحاً للجميع بأن الأعياد اليهودية في شهري سبتمبر وأكتوبر 2023م من أطول فترات الأعياد التي كانت تنتهي في 8 أكتوبر، وقد أجهزت عليها «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر الماضي.
إذ بدأت الأعياد من 16 سبتمبر إلى 8 أكتوبر 2023م مع رأس السنة العبرية، وفي 26 – 27 سبتمبر 2023م استطاع مقتحمو المسجد الصهاينة النفخ في البوق «الشوفار» عدة مرات في محاولة لسرقة السلطة والإشراف على المسجد الأقصى لصالح الكيان المغتصب.
ثانياً: اقتحامات المسجد الأقصى من المستوطنين والمتطرفين:
بلغ عدد المقتحمين في عام 2022م نحو 54201 مقتحم، منهم 17509 مقتحمين، في 11 عيداً يهودياً، وباقي المقتحمين موزعين في الباقي من أيام السنة وعددهم 35692 مستوطناً.
وارتفعت الاقتحامات بزيادة قدرها 42% عن عام 2021م الذي بلغ 38150 مستوطناً، كما سجل في عام 2021 ارتفاعاً بنسبة 106% عن عام 2020م الذي اقتحم «الأقصى» خلاله 18526 من المتطرفين، حسب إحصاءات مركز معلومات وادي الحلوة.
ثالثاً: الطقوس التوراتية:
أفعال تعبدية صهيونية مستحدثة في المسجد الأقصى المبارك يمارسها الصهاينة المتطرفون عند الاقتحامات، ومنها:
– طقوس «الغفران» حيث يقومون بالتلويح بالدجاج فوق رؤوسهم للتطهر من الذنوب.
– الدخول وهم يحملون القرابين النباتية تمهيدًا للقرابين الحيوانية وذبح البقرة الحمراء.
– نصب شمعدان عيد «الأنوار» في ساحة حائط البراق.
– الاقتحام لـ«الأقصى» وهم مرتدون «لباس التوبة» في ذكرى «خراب المعبد».
– السجود الملحمي في كل الأعياد.
رابعاً وخامسًا: التقسيم الزماني المكاني:
قدمت في 1 يناير 2023م رسالة من عدد من المتطرفين إلى الوزير المتطرف إيتمار بن جفير، وجاءت أهم المطالب:
1- زيادة ساعات الاقتحام.
2- إتاحة الاقتحام من جميع الأبواب.
3- رفع عدد المقتحمين في الفوج الواحد.
4- السماح للمقتحمين بالمكوث الطويل من دون مرافقة شرطة الاحتلال.
5- تأسيس مدرسة دينية داخل «الأقصى».
6- تخصيص مساحة من المسجد لليهود على مدار العام مقدمة للتقسيم المكاني.
7- تغيير قواعد تعامل شرطة الاحتلال مع الصلوات اليهودية.
8- إدخال جميع الأدوات الدينية إلى المسجد الأقصى.
سادساً: التأسيس المعنوي للمعبد خلال عام 2023م:
وذلك عبر مسارين:
أ- نقل كل الطقوس التوراتية التي تتم في مختلف كنس العالم إلى المسجد الأقصى المبارك بوصفه «المعبد» المزعوم.
ب- إحياء الطقوس التوراتية المختصة بالمعبد والعبادة القربانية فيه كما سبق وصفه.
سابعاً: المحاكم الاحتلالية أداة من أدوات التهويد:
ومن أهم وسائلها:
1- تعطي شرعية لأعمال التهويد، والاقتحامات، وأقدمت محكمة الصلح مثلاً على إلغاء أمر إبعاد مستوطنين عن «الأقصى» بعد توجههم للقضاء بعد قرار الشرطة بالإبعاد.
2- فرض نظام العقوبات على المقدسيين، والغرامات المالية، وتعطيل تراخيص البناء، وقرارات الإبعاد أو الاعتقالات والحبس المنزلي.
3- وفي سابقة خطيرة، أعلنت وزارة القضاء الاحتلاليـة عـن بـدء عملية تسجيل ملكية الأراضي الملاصقة لسور المسجد الأقصى وبالتحديد في منطقة القصور الأموية جنوباً في السجل العقاري (الطابو) «الإسرائيلي»، وتصنّف منطقة القصور الأموية كأراض تابعة للوقف الإسلامي، وتقع في مكان حساس جداً.
4- الاعتداء على مقبرة باب الرحمة الإسلامية، حيث تعمدوا اقتحامها، بعد صدور قرار محكمة الصلح الاحتلالية بالسماح بممارسة النفخ بالبوق فيها، وبمجرد صدور هذا القرار تدفق عشرات المتطرفين إلى المقبرة ونفخوا البوق وقدموا القرابين النباتية الخاصة بعيد المظلة «العُرش» بداخلها.
5- صدور قرارات المحكمة بمصادرة أراضي المقبرة ومنع الدفن فيها: وتأتي هذه الانتهاكات امتداداً لأخرى نفذت سابقاً من بينها مصادرة جزء من أراضي المقبرة، ومنع الدفن فيها تمهيداً لإقامة حديقة توراتية.
6- الاعتقالات الإدارية: أصدرت محاكم الاحتلال خلال العام 2022م نحو 85 أمر اعتقال إداري مقارنة بـ36 أمراً صدرت عام 2021م بزيادة بنسبة 136.
7- الإبعاد عن المسجد الأقصى: (في تقرير عين على الأقصى الصادر من مؤسسة القدس الدولية)، وهذه الإحصائية من 1 يناير 2022 إلى 1 يناير 2023م؛ فقد بلغ عدد المبعدين عن المسجد الأقصى نحو 696 مبعداً، وشملت قرارات الإبعاد مصلين وموظفين في دائرة الأوقاف وشخصيات مقدسية.
8- تعيين حراس من شرطة الاحتلال على أبواب المسجد: بمتوسط 6 أفراد، يتمركزون على مدار الساعة، مهمتهم إيقاف معظم الداخلين من المصلين، يمنعون بعضهم، ويحتجزون هويات بعضهم الآخر.
9- إنشاء جسر معلق في وادي الربابة: شرعت بلدية الاحتلال في القدس بالعمل فعلياً على بناء جسر معلق في نوفمبر 2022م للربط بين الجهة الجنوبية لوادي الربابة، والجهة الشمالية لجبل صهيون جنوب غرب سور القدس، وتبلغ تكلفة الجسر 20 مليون شيكل (نحو 5.6 ملايين دولار)، أعلنت سلطات الاحتلال افتتاح الجسر رسمياً، في أواخر يوليو 2023م ليشكل أطول جسر معلق في القدس.
حيث يعتبر الجسر جزءاً من مشروع الحوض المقدس، وتسهيل وصول المستوطنين من غرب القدس إلى جبل النبي داود الملاصق لباب المغاربة، ومحاصرة منطقة سلوان ومنع التوسع فيها.
10- الهــدم مجزرة تهويد مستمرة: في عام 2022م استهدفت جرافات الاحتلال ممتلكات المقدسيين بالهدم طيلة العام؛ حيث سجلت 176 حالة هدم، بينها 69 حالة هدم ذاتي قسري.
ثامناً: أسطورة البقرة الحمراء:
منذ 37 سنة، وتحديداً منذ عام 1987م، بدأ البحث عن فكرة البقرة الحمراء بطلب من التيارات الدينية المتطرفة الذين يمثلون 16% من عدد اليهود، واستمر تطورها إلى الآن حتى حدد موعد لذبحها في عيد الفطر القادم.
وقد بدأ معهد الهيكل في العام 2015م برنامج استيلاد البقرة الحمراء عبر الصناعة الوراثية وتغيير الخريطة الجينية لأجنة مجمدة مستوردة من أمريكا، ويتم ذلك بالتعاون مع الإنجيليين الأمريكيين لمساعدتهم عل استيلادها من خلال مزرعة أبقار اسمها «ثلاثية الصلبان»، وتم استخدام الهندسة الوراثية لتحديد اللون والمواصفات وبالفعل تم استيلاد 5 بقرات، ثم تم شحنها إلى مطار اللد ثم إلى شمال فلسطين ثم إلى العزل التام في منطقة بيسان، والبقرات ليست في عمر واحد (لذلك «الأقصى» في خطر الآن أكثر مما سبق لدخول هذه الشريحة على المشهد الاعتقادي الديني التوراتي المتطرف).
تشترط الشريعة التي تتبناها الحاخامية الكبرى طهارة الشعب قبل السماح له بدخول المسجد الأقصى المبارك، الذي يعبرون عنه بقولهم: «الصعود إلى جبل المعبد»، وعليه فلا بد من ذبح إحدى هذه البقرات واستخدام رمادها في عملية تطهير الشعب، ومن ثم السماح ليهود العالم كافة بدخول المسجد الأقصى، ويجب أن يكون الحاخامات الذين يذبحون البقرة من نسل هارون.
وفكرة البقرة الحمراء ترجع فعلياً إلى نصوص المشناة (شروح التوراة)، وهي جزء من كتاب التلمود، وتتلخص في ضرورة ظهور بقرة حمراء خالصة ليس فيها شعرتان من لون آخر، ولم تستخدم لأي أعمال خدمة مطلقاً، ولم يوضع في رقبتها حبل، وربيت في «أرض إسرائيل»، وعندما تبلغ العامين يمكن استخدام رمادها في عملية «تطهير الشعب اليهودي».
عندها فقط يصبح الشعب قادراً على الصعود إلى بيت الرب (أي المسجد الأقصى المبارك) بعد أن أصبح طاهراً، وهذا ما يفسر وضع هذه البقرات في مزرعة سرية، فبمجرد أن يأتي شخص مثلاً ويركب فوق ظهرها أو يضع في رقبتها حبلاً ويجرها ولو متراً واحداً تصبح البقرة غير صالحة لإتمام هذه الطقوس.
وفي الأسطورة أنه منذ ألفي سنة لم تولد بقرة حمراء بهذه المواصفات مطلقاً، ولهذا فإن ظهور هذه البقرات تعتبر في رؤية هذه الجماعات الدينية إشارة إلهية إلى قرب بناء المعبد الثالث وظهور المسيح المنتظر لديها.
تاسعاً: الخطة الخمسية الأولى برقم (3790):
وهي منهجية خبيثة ناعمة لـ«أسرلة» مدينة القدس والمقدسيين، وذلك في 13 مايو 2018م، وفي مناسبة احتفال «إسرائيل» بمرور 51 عاماً على احتلالها شرق المدينة، أو ما تُسمّيه «يوم القدس»، أُعلِن عن القرار الحكوميّ «الإسرائيليّ» رقم (3790)، يصادق القرار على خطّة بعنوان «الخطّة الخمسية: تقليص الفجوات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والتطوير الاقتصاديّ لشرقيّ القدس، 2018-2023»، وقد حددّت الخطّةُ ستّة قطاعات ستعمل فيها: التعليم والتعليم العالي، الاقتصاد والتجارة، التشغيل والرفاه، المواصلات، تحسين جودة الحياة والخدمات المُقدّمة للسكان، وتخطيط وتسجيل الأراضي.
عاشراً: الخطة الخمسية الثانية 2024 – 2028م قرار رقم (550):
استمراراً لمشاريع «الأسرلة» ودمج المقدسيين قسراً في منظومة المؤسسات «الإسرائيلية»، صادقت حكومة الاحتلال في 20 أغسطس 2023م على الخطة الخمسية الثانية لتقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية والتنمية الاقتصادية لشرقي القدس 2028 – 2024م، بميزانية تقدر بـ3.2 مليار شيكل (نحو 844 مليون دولار)؛ أي أنها ارتفعت بقيمة مليار شيكل عن الخطة السابقة، وستشمل القطاعات الآتية:
– التعليم والتدريب: (800 مليون شيكل للمدارس الابتدائية)، (300 مليون شيكل لتمويل المؤسسات التعليمية في القدس).
– التوظيف والتنمية الاقتصادية: (506.5) مليون شيكل.
– البنية التحتية: (833) مليون شيكل.
– التخطيط القانوني وتصميم المباني العامة: 132 مليون شيكل.
– خدمات «المقيمين»: 900.5 مليون شيكل.
والهدف غير المعلن هو المزيد من التغلغل الناعم بالمقدسيين، وربطهم بالمنظومة الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، وما يتمخض عن ذلك من محاولة ضبط الفلسطينيين وردعهم عن العمل الوطني، من خلال تكبيلهم بالمزيد من الارتباط بالمؤسسات «الإسرائيلية» المختلفة.
حادي عشر: تأسيس «اتحاد منظمات المعبد»:
بدأ التأسيس في عام 2012م بعضوية 24 منظمة، ولينشق منها ائتلاف جديد باسم «ائتلاف المعبد الثالث»، وذلك لتوحيد تلك المنظمات في ائتلاف تنسيقي يعمل على تهويد المسجد الأقصى المبارك وتغيير واقعه، وفي يوم الخميس 21/ 9/ 2023م ارتفع عدد المؤسسات المتطرفة إلى 47 مؤسسة تنضوي تحته.
ثاني عشر: خطة التهجير لأهل الضفة الغربية:
أعلن بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب الصهيونية الدينية، عن خطة «أرض إسرائيل الكاملة»، في عام 2017م، وهي خطة لحل الصراع مع الفلسطينيين، أطلق عليها مسمى خطة «الحسم».
يصرح سموتريتش بشكل مباشر بأنّ «المنطقة بين البحر والأردن مساحة جغرافية وطوبوغرافية واحدة، ولا يمكن تقسيمها بشكل مستدام»، مشدداً على فكرة «أرض إسرائيل الكاملة» بقوله: «نحن هنا لنبقى، إن تحقيق طموحنا القومي بدولة يهودية من البحر إلى الأردن حقيقة مطلقة غير قابلة للنقاش وغير قابلة للتفاوض».
ثالث عشر: المحاولات المتكررة لنزع السيادة من الأوقاف الأردنية عن «الأقصى»:
ما يقوم الاحتلال به من السيطرة على أبواب المسجد الأقصى المبارك، والتدخل الدائم في شؤون المسجد، وعدم السماح للتوظيف أو الترميم، وعدم السماح للحراس بالقيام بأعمالهم، ومحاولة إصدار الأوامر للحراس بإغلاق المسجد الأقصى كل يوم بعد العشاء؛ محاولات لنزع السيادة عن المسجد ونقلها إلى الاحتلال بكل مكوناته.
ماذا فعل المقدسيون خلال هذه الأعوام في التصدي للاحتلال؟
– حماية المسجد الأقصى المبارك.
– خوض معركة الصمود والثبات والدفاع عن القدس والمقدسات.
– معركة الاعتكاف في رمضان.
– فرضوا على الاحتلال التراجع في كثير من المواضع.
– إحياء مبادرة «الفجر العظيم».
– إطلاق مبادرة «قناديل الرحمة» لعمارة مصلى باب الرحمة بالمصلين وحمايته من مخططات الاحتلال التي تستهدفه.
– مواصل مشروع شد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك.
– خاضوا المواجهات مع جنود الاحتلال في شتى المواقع والمداخل والحواجز الصهيونية.
– نجح حراس المسجد الأقصى في إفشال تحقيق أهداف المقتحمين بضبطهم بعض المقتنيات التوراتية داخل المسجد.
– استحداث حالة الصمود في حماية بيوت القدس والبلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك.
باحث في شؤون القدس.
د.سمير سعيد