عبد الباري عطوان
يخرج علينا الإعلام الإسرائيلي بين الحين والآخَر بمقالاتٍ وتقاريرٍ إخباريّة تتحدّث عن حالةِ اليأس الشّديد التي تعيشها دولة الاحتِلال ومُستوطنوها بسبب فشل جيشهم الذّريع في تحقيقِ أيٍّ من أهدافِه بعد ستّة أشهر من بدء الحرب في قطاع غزة ويُؤكّدون أنّ حركة المُقاومة الإسلاميّة “حماس” وكتائب المُقاومة الأُخرى لم تُهزَم، وأنّ قائِدها يحيى السنوار قد يخرج من نفقه قريبًا للاستِمتاع بالشّمس، في حين لا يرتاد أحد شواطئ “زكيم” القريبة من شِمال القِطاع خوفًا ورُعبًا.
أنْ يعترف هؤلاء بالهزيمة، والفشَل في تحقيق أهداف الغزو للقطاع أمْرٌ لا يحتاجُ إلى إثباتٍ، فالواقعُ على الأرض، وفي مُختلفِ الجبهات يُؤكّد ذلك، ولكنّنا لا نعرف من أين جاءوا بهذه الفرضيّة التي تقول بأنّ المُجاهد السنوار لا يستمتع بشمس القِطاع الدّافئة خاصَّةً في هذا الموسم الرّبيعيّ السّاحر المُعَمّد بأزهار اللوز والبرتقال وأشجار “الأسكادنيا” والمشمش.
دعونا نتوقّف عند حقيقةٍ ثابتة وهي أنّ الإسرائيليين حُكومة ومُستوطنين وعسكريين “مسكونون” بعُقدة اسمها “السنوار” تقضّ مضاجعهم، وتُنَغِصُّ منامهم بالكوابيس، حتى باتَ استمرار هذا الرّجل على قيد الحياة، وإدارة جبهة القتال ضدّهم، باتَ عُنوان هزيمتهم الكُبرى والتاريخيّة، ويُسيطر على حالةِ الهذيان التي يعيشونها.
أنْ يفشل الجيش الإسرائيلي وكُل الأجهزة الأمنيّة والاستخباريّة في الوصول إلى الرّجل ومُساعديه في قادة كتائب القسّام، أو إلى مصانع الصّواريخ ومنصّاتها، بعد أكثر من ستّة أشهر من اجتِياحِ 560 ألف جندي إسرائيلي من الاحتياط والجيش الرسمي، مدعومين بمِئات من الدبّابات والمُدرّعات في السّيطرة على القطاع، وإطلاق أسيرٍ واحد بالقُوّة، فهذا إنجازٌ للمقاومة وهزيمةٌ تاريخيّة قاضية للمشروع الصّهيوني على أرضِ فِلسطين الطّاهرة.
من قالَ إنّ المُجاهد السنوار لا يرى الشّمس ولا يستمتع بدفئها، أو ببحر غزة وشواطئه وأمواجه الهادرة، وهو ابن عسقلان التي أشادَ الرسول صلى الله عليه وسلم بشجاعةِ رِجالها وجبروتهم؟ نُطمِئنُكم أنه يرى الشّمس ويستمتع بدفئها، ويرى البحر وربّما يسبح فيه بالشّورت الشّرعي اليتيم الذي يملكه.
أنْ يستشيط بن غفير الوزير الإسرائيلي النّازي غضبًا لأنّه شاهد فيديوهات للآلاف من أهالي دير البلح ومُخيّمها يتزاحمون على شاطِئ المدينة، ويتوعّد بسَحقِ القطاع وكُل سُكّانه من شدّة ألمه وحقده، فهذه قمّة الوقاحة، وأبشع أنواع الهيستيريا، فممنوعٌ في نظره وأقرانه النّازيين أن يُمارس الشّعب الفِلسطيني الحدّ الأدنى من العيش، أو حتّى البقاء على قيد الحياة.
السنوار ورجاله وزُملاؤه في الدّاخل والخارج، أصحاب القرار الأوّل والأخير، في إطارِ ديمقراطيّة البنادق والصّواريخ والمُقاومة، ويتميّز عن كُل القادة الفِلسطينيين الذين سبقوه لكونه مُتَجَذِّرا في أرضه، ولا يُمكن طرده أو ترحيله، أو سحب إقامته، يعيش وسط شعبه، ولا يستطيع أي نظام عربي التّأثير في قراره المُستقل، وهذا مصدر قوّته، وكُل كتائب المُقاومة التي يتزعّمها، ولهذا فشل الوُسطاء في مهامهم بخديعته وانتِزاع تنازل واحد منه، وتمرير مِصيَدة “الهدن المُؤقّتة” والمسمومة.
ختامًا نقول إنّ كُل ما يتردّد هذه الأيّام من مشاريع مُقايضة، “عربيّة” و”تركيّة” عمودها الأساسي إلقاء حركة “حماس”، وكتائب المُقاومة الأُخرى لسِلاحها، مُقابل قيام دولة فِلسطينيّة مُستقلّة في الضفّة الغربيّة والقطاع بضماناتٍ أمريكيّة ودعمٍ من أنظمةٍ عربيّةٍ مُطبّعة ومُتواطئة مع الاحتِلال وعميلة لأمريكا، هذه كلّها أضغاث أحلام، ولا يُمكن أن تنطلي على القيادة في القطاع، لأنّها على درجةٍ عاليةٍ من الوعي والوطنيّة، وتعلّمت، بل حفظت عن ظهر قلب، تجربة منظّمة التّحرير وقيادتها البائسة التي تخلّت فيها عن الكفاح المُسلّح في خديعةِ أوسلو الكارثيّة، فإذا كانت أمريكا لا تقبل دولة فِلسطينيّة حتّى على الورق، وتستخدم حقّ “الفيتو” لمنع عُضويّتها في الأُمم المتحدة، فهل ستقبل بقيام دولة فِلسطينيّة على الأرض، وهي التي اعتمدت أمس مُساعدات ماليّة بـ 26 مِليار دولار لدولة الاحتِلال وصفقات أسلحة ضخمة لتعويض كُلّ خسائرها في الحرب؟ ومتى بعد كُل هذه الانتِصارات على الصُّعُدِ كافّة عسكريًّا وإعلاميًّا وإنسانيًّا؟
الشّعب الفِلسطيني سيعودُ قريبًا جدًّا، ليس للضفّة أو القطاع فقط، وإنّما إلى يافا وعسقلان والقدس والرّملة وبئر السبع وصفد بإذنِ الله، وسنستمتع جميعًا، ومعنا السنوار وكُل قادة المُقاومة، وكُل شُرفاء العالم، بالسّباحة على شاطئ حيفا الخلّاب، نراها قريبة جدًّا.. والأيّام بيننا.