مقالات

ثلاثيّة العراق والضفة وسورية تلاقي اليمن ولبنان وغزة

ناصر قنديل

– ثمانية أيام فقط هي التي مرّت على الردّ الإيراني على استهداف القنصلية الايرانية في دمشق بغارة لجيش الاحتلال، وثلاثة أيام على ردّ جيش الاحتلال الذي وصفه وزير الأمن في حكومة الاحتلال ايتمار بن غفير بـ”المسخرة”. تبدو استقالة رئيس المخابرات العسكرية في جيش الاحتلال الجنرال أهارون هليفا أقلّ التداعيات أهمية، حيث الموجات الارتدادية للردع الإيراني على ضفتي الكيان ومحور المقاومة لا تتوقف. في الكيان مزيد من الوهن والارتباك والذعر رغم الصراخ المرتفع، بينما في محور المقاومة انتقال إلى مرحلة جديدة لا يمكن إخفاء معالمها أو تجاهلها.
– الثلاثية التي تمثلها جبهات غزة وجنوب لبنان واليمن، والتي كانت تتولّى المواجهة خلال الشهور الماضية، مع دور نسبيّ لمقاومة الضفة الغربية والمقاومة العراقية وركود في الملفات المرتبطة بالوضع في سورية، تسجّل تحوّلات نوعيّة في حيوية الأداء ودرجة الهجوميّة وشجاعة القرارات الميدانيّة، بينما الثلاثية التي تتشكل من العراق والضفة وسورية تبدو على موعد مع تحوّلات لا تقل أهميّة، يفترض أن يشكل اكتمالها مدخلاً لرسم المشهد الجديد الذي أراد الردع الإيراني التبشير ببدايته.
– منذ طوفان الأقصى وبدء الحرب على غزة، كان واضحاً أن خصوصيات تتصل بأوضاع كل من الضفة الغربية والعراق وسورية تمنع لعب كل منها دوراً بارزاً وحاسماً في جبهات المواجهة المباشرة، ذلك أن الضفة الغربية تحت الاحتلال وبلداتها ومخيماتها مطوّقة بالاستيطان المتوحش بينما السلطة الفلسطينيّة منخرطة بتنسيق أمني مع مخابرات الاحتلال لملاحقة أي عمل مقاوم، لكن الضفة الغربية رغم ضعف إمكانات المقاومة فيها ودرجة الحصار المطبق على أنفاسها، واعتقال خمسمئة من شبابها واستشهاد العشرات، ورغم هذه التعقيدات التي تحكم العمل المقاوم فيها لم تتأخر عن واجب الدخول على خط المواجهة لاستنزاف جيش الاحتلال وتجميد جزء هام وحيوي من قواته فيها. والضفة تدرك أنها الأقدر على ربح الحرب لأنها قلب الجغرافيا التي يقوم عليها الكيان، وثقل الديمغرافيا التي تربكه. وقد أسست عبر مواجهات المقاومة في جنين ونابلس وطولكرم والخليل للنقلة النوعية التي نشهدها هذه الأيام، على إيقاع محاكاة الملحمة الأسطوريّة التي تكتبها غزة، حيث تبدو انتفاضة مخيم نور شمس وعمليات استهداف جيش الاحتلال خلالها، ثم عملية المقاومة في قلقيلية والدهس في القدس، وكلها خلال يومين، ومعها المواجهات الضارية مع قطعان الاستيطان، علامات على أن المرحلة الجديدة قد بدأت للتوّ.
– العراق الذي بادرت مقاومته من الأيام الأولى لتحمل مسؤولياتها، ونظمت مئات العمليات ضد قوات الاحتلال الأميركي، طلباً لسحب قواته، وإعلان عقاب على مسؤوليته عن العدوان على غزة، بسبب دعمه المطلق لكيان الاحتلال، وقدمت المقاومة خيرة قادتها شهداء في هذه المواجهات، وتعرّضت مواقعها للاستهداف مرات عديدة، لكنها بقيت مثابرة على خياراتها. وعندما بدأت المفاوضات بين الحكومة العراقية وقوات الاحتلال على الانسحاب اضطرت المقاومة لتعليق عملياتها، لأن العراق تحت وطأة انقسام سياسيّ حاد، وعرضة لتجاذبات تلعب فيها الرياح الإقليمية دوراً حاسماً، لكنها استعاضت عن هذا السبيل في إسناد غزة ومقاومتها بالذهاب الى استهداف منشآت الكيان مباشرة من المطارات الى محطات الكهرباء وصولاً إلى الموانئ، خصوصاً في أم الرشراش (ايلات)، لكن هذه المقاومة قرّرت الآن أن لا حاجة لمنح المزيد من الوقت أمام المماطلة والخداع للاحتلال، طالما أن المفاوضات لم تنتج بعد جدولاً زمنياً معقولاً وواضحاً لانسحاب قوات الاحتلال، فقررت مواصلة عملياتها، وبدأت بالتنفيذ.
– سورية قلعة المقاومة وقلب محورها، لم تبخل بوضع جغرافيّتها وشرعية دولتها لفتح الطريق أمام عمليات المقاومة العراقية والفلسطينية، على القواعد الأميركية، وعلى جبهة الجولان، وتحمّلت التبعات والتداعيات باستهداف مؤسساتها السيادية، وهي المثخنة بالجراح عسكرياً وعمرانياً واقتصادياً، وشعبها يئن تحت وطأة حصار ظالم. ولا تزال جبهات الشمال التي يحرّك نصفها الشرقي الأميركي مباشرة أو عبر وكلائه من الميليشيات الكرديّة وتنظيم داعش، والتي يحرّك نصفها الغربي التركي مباشرة أو عبر وكلائه في جبهة النصرة وسائر مسمّيات الجيوش التي شكلها ويرعاها، جبهات استنزاف للجيش السوري، يتم تحريكها على إيقاع حرب غزة وجبهات إسنادها لإشغال سورية وقوى المقاومة وإرباكها واستنزافها، لكن سورية التي قد تتأخر نسبياً عن الضفة الغربية والعراق في التموضع الجديد، على موعد مع التحولات الكبرى، حيث الهامش يضيق أمام بقاء قوات الاحتلال الأميركي في أراضيها، كما يضيق هامش المناورة والخداع أمام حكومة رجب أردوغان في تركيا تجاه الموقف من حرب غزة، أمام المشهد الإيراني المشرّف، ومشهد ذل بقاء سفارة الكيان في أنقرة، وقد قال الأتراك رأيهم في صناديق الاقتراع، وتسبّبوا بهزيمة قاسية لأردوغان وحزبه، حيث خشبة خلاصه الوحيدة هي الاقتراب من محور المقاومة والابتعاد عن محور واشنطن، والبوابة هي سورية، والتموضع على خط تلبية شروط الدولة السورية بالالتزام بسحب قواته المحتلة لجزء من أراضيها وإغلاق الباب أمام تشكيلات الارهاب التي تتغذى على الدعم التركي. وعندما تحدث تحولات في هذين الملفين سوف تكون سورية على موعد مع نقلة نوعيّة كبرى سوف تغيّر مشهد المنطقة، وليس فقط مشهد الحرب في غزة.
– الردع الإيرانيّ بداية معادلات وتداعيات، والموجات الارتداديّة لهذا الزلزال بالكاد قد بدأت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *