3 جامعية تستحوذ على سبعة متعثّرة: مستشفيات توسّع «إمبراطورياتها»
لعبت الأزمة المالية دوراً كبيراً في انهيار قطاعاتٍ، كانت حتى ما قبل السقوط الكبير تبني إمبراطورياتها، من بينها القطاع الصحي، مع وصول بعض المستشفيات إلى شفير الإفلاس، ما فتح الباب أمام دمج المؤسسات المتعثّرة ضمن مؤسسات أخرى أكبر حجماً وقدرة على المواصلة. وقد نتج عن تلك الخطوة حتى الآن ضمّ 7 مستشفيات ومركز طبي تحت جناح 3 مؤسسات جامعية كبرى. فيما هناك 10 مؤسسات متعثّرة أخرى على لائحة الانتظار
تنبع أزمة القطاع الصحي، الاستشفائي خصوصاً، من ارتباطه في معظمه بالصناديق الضامنة. لذلك، عرّت الأزمة المالية وأزمة «كورونا» معظم المؤسسات الاستشفائية، خصوصاً في المناطق، بسبب غياب «الكاش» وانهيار الصناديق الضامنة ونقص الكادر الطبي. وأدّى ذلك إلى استسلام عدد من المراكز الطبية والمستشفيات التي طلبت من نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة إجراء مشاوراتٍ مع مراكز جامعية لإجراء عمليات دمج.في مقابل التعثّر الذي طاول ربع المستشفيات تقريباً، لم يكن هناك إلا 4 إلى 5 مستشفيات جامعية كبرى قادرة على القيام بعمليات دمج. وهذه الأخيرة، للمفارقة، استفادت من الأزمة المالية والكوفيد لتعزيز ميزانياتها على حساب المرضى، ما مكّنها من توسيع «إمبراطورياتها» بالاستحواذ على المراكز الأقل قدرة على الصمود. هكذا مثلاً، جرى دمج مستشفى «أوتيل ديو دو فرانس» مع 5 مراكز طبية ومستشفيات هي: سان شارل والقرطباوي وتل شيحا والسلام – القبيات والعائلة في زغرتا، فيما يحضّر المستشفى لبناء صرحٍ طبي ضخم في بغداد. وضمّ مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت تحت جناحه «كسروان مديكال سنتر»، فيما استحوذ مستشفى الروم على مستشفى البرجي في الكورة. وأمام نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة اليوم لائحة بـ10 مستشفيات أعلنت عدم قدرتها على الاستمرار. وبحسب النقيب سليمان هارون، «ليست هناك الآن عملية دمج جديدة»، مشيراً إلى أنه «إذا استمرّت الأزمة على تلك الحال، فستصل هذه المستشفيات إلى الإقفال. لذلك يبقى الدمج أسلم الخيارات».
رئيس «مركز ترشيد السياسات» في الجامعة الأميركية الدكتور فادي الجردلي يعتبر، كما هارون، خيار الدمج «صحياً»، ولكن شرط «أخذ المبدأ بحذافيره، لا أن يكون مجرّد خيار للإبقاء على تلك المؤسسات»، مشيراً إلى أن هناك أزمة كبرى في النظام الصحي الاستشفائي تتعلق خصوصاً بجانبين أساسيين منه: استثمارات السلطة الخاطئة في مجال الصحة وهشاشة النظام المرتبط بصناديق الدعم، إذ ينهار بانهيارها. ويوضح أن «الاستثمار الخاطئ في الصحة على مدى سنوات طويلة خلال الحرب وما بعدها كان على حساب الاستثمار الصائب في القطاع الاستشفائي الحكومي ومراكز الرعاية الصحية الأولية». فعلى مدى عقود عدة، خُصص جزء كبير من موازنات وزارة الصحة للاستشفاء في القطاع الخاص، بنسبة وصلت إلى 67% من الموازنة خلال السنوات العشرين الأخيرة، بحسب دراسة لـ«مركز ترشيد السياسات». أدّى ذلك إلى تفريخ مؤسسات استشفائية ومراكز طبية متشابهة في عملها «في المناطق نفسها وتقوم بالعمل نفسه». خلق هذا الواقع صورة هجينة للقطاع الصحي الاستشفائي الذي عانى تخمة في مناطق معينة ونقصاً فادحاً في مناطق أخرى، إضافة إلى غياب الجانب التخصصي الذي يراعي احتياجات كل منطقة و«زبائنها» من المرضى. وهذا أتى نتيجة «تراكمات كبيرة وقرارات خاطئة بالاستثمار في القطاع الخاص على حساب القطاع العام، إضافة إلى عدم وجود خريطة صحية تحكمها في المقام الأول الاحتياجات لا موازين الربح والخسارة». وهو ما يختلف عن السياسة القائمة في عددٍ من دول العالم التي تعتمد خريطة صحية أكثر مرونة ومراعاة احتياجات المرضى، «لذلك نرى في هذه الدول مستشفى عاماً مركزياً ومستشفيات متخصّصة في المناطق والمدن، سواء للعيون أو للحروق أو للسرطان…».
الدمج صحي إذا لم يكن هدفه الوحيد زيادة الربحية والإبقاء على المؤسسات المتعثّرة فقط
وبسبب هذا الواقع، عانى القطاع الاستشفائي وكاد أن يكون سقوطه مدوياً، وهو ما أدى إلى طرح خيار الدمج بين المستشفيات، بحيث يتولى مستشفى كبير إدارة مراكز ومستشفيات صغيرة متوسطة مع الحفاظ على استقلاليتها كوحدة قائمة بحد ذاتها. في المبدأ، يحمل هذا التوجه، بحسب هارون، وجهين إيجابيين: «تُحل المشكلة المالية في المؤسسة المتعثّرة وتتحسن جودة الخدمات الطبية»، ولذلك فهي «فرصة ممتازة». وهو ما يلفت إليه الجردلي أيضاً، إذ إن «المؤسسات الكبرى تنقل خبراتها في الإدارة والكادر الطبي إلى المؤسسة الأخرى، ما ينعكس توسّعاً وجودة في الخدمات»، لكن هذا يصب أيضاً في مصلحة المؤسسة الدامجة، لناحية «خفض الأكلاف وتحسين المداخيل». وهذا يشبه ما يحصل في الدول المتقدّمة، «فبدل أن يكون هناك مجلس إدارة لكل مستشفى، تصبح هناك إدارة واحدة لعدة مراكز، ما يخلق شبكات من التجمعات الطبية المتكاملة». ويلفت الجردلي إلى أن المستشفيات الدامجة أخذت ذلك في الاعتبار، إلا أنّه يفضّل عدم تقييم هذه الخطوة مسبقاً لأن من المبكر الحكم عليها إلا بعد نحو سنتين أو ثلاث. ولكن، انطلاقاً من الواقع الاستشفائي اللبناني، يبدي الجردلي قلقه من أن «غالبية القرارات في لبنان تؤخذ بناء على مصالح خاصة، أي أن الهدف الربحي يتخطى أي هدف آخر بالنسبة إلى كل المؤسسات وليس المؤسسات الاستشفائية حصراً». ويشير إلى أنه في أي عملية دمج أو حتى في ما يخص أي مؤسسة استشفائية، هناك ما يُسمى «management impact»، وهذا يعني «أنني مثلاً لا يمكن أن أقفل وحدة أو أفتتح وحدة أو أقفل قسماً من دون أن يكون لاحتياجات المنطقة والسكان الأولوية، وللأسف هذا ما لا يحدث في لبنان». والقلق الآخر من الخطوة، هو أنها أتت «من دون رؤية أو استراتيجية»، ذلك أن إحدى الركائز الأساسية لأي عملية دمج «يفترض أن تكون استناداً إلى رؤية دولة، وليس كما يجري حالياً بين مؤسسة وأخرى». أما الركائز الأخرى، بالنسبة إلى الجردلي، فهي أن «تنعكس عملية الدمج على التوجهات العامة بحيث يرتبط تقديم الخدمة مع احتياجات المنطقة والمرضى، ومراعاة استمرارية العلاج عبر ترتيب هويات المؤسسات من عامة إلى متخصصة على قاعدة بناء شبكة قائمة على التكامل بالمعلومات ومن دون أن تكون هناك ازدواجية في الخدمات، وأن نتأكد تالياً بألّا تتأثر جودة الخدمات بالكلفة التي تتكبّدها المؤسسة الدامجة، خصوصاً في المناطق، لكون كل منطقة لها زبائنها من المرضى». ولذلك، يجب أن تكون هذه الخطوة «فرصة»، بحسب الجردلي، لكي «يتحمل كل مستشفى مسؤوليته من خلال المواءمة بين أهدافه وما هو مطلوب من عملية الدمج».
راجانا حمية