أخبار عربية ودولية

تعزيز «التنسيق الأمني» درءاً للأسوأ: إسرائيل تترقب «سيناريوات قاتمة» في الضفة

رام الله | على مدار ساعات، استنفر جيش العدو عناصره وزجّ بالمئات منهم في مدينة قلقيلية في الضفة الغربية المحتلة، مساء السبت، للبحث عن مستوطنين اثنين «اختفت آثارهما» هناك، قبل أن تعثر شرطة الاحتلال عليهما بعد ساعات من اقتحام المدينة، من دون أن «يصابا بأي أذى»، فيما اندلعت ومواجهات عنيفة بين شبان وقوات الاحتلال، أدت إلى إصابة شاب بالرصاص. وكان قد تعاظَم استنفار شرطة العدو مع نشر وسائل إعلام إسرائيلية، ومنها قناة «كان» الرسمية، أنباء عن أن الجيش «لم يتمكن من العثور» على المستوطنَين اللذين «تعرّضا لهجوم من قبل السكان في قلقيلية، واختفت آثارهما». وتأتي هذه الحادثة فيما بات يشكّل اختفاء المستوطنين أو تعرضهم للقتل أو الخطف هاجساً لدى قادة الأمن، وخاصة على ضوء أحداث الشهرين الماضيين؛ حيث قُتل مستوطن في حزيران عقب استهدافه بإطلاق نار وسط مدينة قلقيلية، وأُحرقت مركبته التي تحمل لوحة تسجيل إسرائيلية. كما قُتِل، قبل أسبوع، جندي في مستوطنة «كدوميم» القريبة من قلقيلية، في عملية نفذها شاب بواسطة مطرقة (شاكوش)، بعد أن سيطر على سلاح الجندي، ثم استولى على مركبة مستوطن، وانسحب من المكان الواقع قرب قرية جيت، علماً أنه منذ ذلك الحين تشن قوات الاحتلال اقتحامات ومداهمات متكررة لمعظم مناطق المحافظة.وخلال عام واحد فقط، سجّلت محافظة قلقيلية علامة فارقة في مسار المقاومة المسلحة، وذلك على غرار جنين ونابلس وطولكرم وطوباس، حيث انتقلت من المقاومة الفردية، التي جسّدها الشهيد علاء نزال الذي اغتاله الاحتلال ورفيقه أنس داوود مطلع كانون الأول الماضي، إلى العمل المنظم، مع تشكيل «مجموعات ليوث المجد» التابعة لـ«كتائب شهداء الأقصى»، و«كتيبة قلقيلية – سرايا القدس» التابعة لـ«حركة الجهاد الإسلامي»، بالإضافة إلى «كتائب القسام»، والتي تبنّت جميعها عمليات عدة، سواء إطلاق نار على حافلات المستوطنين أو تفجير عبوات ناسفة. وتحاصر إسرائيل مدينة قلقيلية وقراها بأكثر من 25 مستوطنة وبؤرة استيطانية نصبتها فوق أراضيها منذ عام 1975، تستحوذ على أكثر من نصف مساحتها، ويقطنها غلاة المستوطنين، أمثال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، فيما يتساوى تعداد المستوطنين مع تعداد السكان الفلسطينيين للمحافظة. وقد دأب المستوطنون على اقتحام عدد من مناطق المحافظة، وحتى اقتحام بعض المحال التجارية، وخاصة «كراجات» السيارات لإصلاح مركباتهم (لتكلفة ذلك الزهيدة هناك)، في ما ينظر إليه من قبل جيش الاحتلال كتحدّ أمني قد يوقع عدداً من القتلى والجرحى.
وعلى خط موازٍ، شنّت قوات الاحتلال، فجر أمس، عمليات اقتحامات لمدن عدة في الضفة، تخللها اندلاع مواجهات مسلحة في عدد من المناطق، أبرزها مخيم بلاطة في نابلس، حيث أعلنت فصائل المقاومة استهداف القوات المقتحمة بوابل كثيف من الرصاص، إلى جانب تفجير عبوات ناسفة، أوقعت، بحسب بيانات الفصائل، قتلى وجرحى في صفوف العدو. وفي جنين، أطلق جنود الاحتلال النار على مركبة قرب حاجز الجلمة شمال جنين، وأصابوا سائقها بجروح قبل اعتقاله، بينما اعتقلوا في قلقيلية والدة وشقيق المتهَم بتنفيذ عملية «كدوميم» بعد اقتحام منزلهما في بلدة باقة الحطب شرق قلقيلية.

توالت التحذيرات الأمنية من مغبة اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية


في هذا الوقت، دفع تصاعد المقاومة في الضفة، وخاصة بعد عملية تل أبيب الاستشهادية، ليل الأحد – الإثنين الماضي، وتهديد حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» بعودة هذا النوع من العمليات، أجهزة الاحتلال الأمنية إلى تعزيز «التنسيق» مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، بهدف «إحباط عمليات محتملة»، على غرار الانفجار الذي وقع في تل أبيب الأسبوع الماضي، حسبما أوردت قناة «كان 11». وبحسب تقرير القناة، فإنه «بعد الانفجار المذكور، تبادلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية رسالة استثنائية أكدت أهمية التنسيق الأمني بين الطرفين». ونقلت القناة، عن مصادر إسرائيلية وفلسطينية مطلعة، «(أننا) نحن نعمل بتنسيق كامل»، وزعمت أنه «خلال الأسبوع الماضي، اكتشفت الأجهزة الفلسطينية ودمرت عشرات العبوات الناسفة في معامل أُنشئت من قبل مسلحين في الضفة الغربية، من بينها 15 عبوة في جنين و20 عبوة في قرى شمال الضفة». وذكرت القناة أن العبوات المُصادرة تزن كل منها «عشرة كيلوغرامات من المواد المتفجرة»، وهي «مشابهة إلى حد كبير للعبوة التي انفجرت في تل أبيب»، لافتة إلى أن «هذه الأنشطة العملياتية المكثفة لأجهزة الأمن الفلسطينية تأتي لأسباب عدة، من بينها مواجهة التهديد الذي يحدق بسيطرتها على مناطقها في الضفة والضغط الإسرائيلي المتصاعد». وقالت إنه «رغم الوضع الأمني، يجتمع رئيس الإدارة المدنية الإسرائيلية، هشام إبراهيم، بشكل منتظم، مع كبار المسؤولين الأمنيين الفلسطينيين لمتابعة قضية العبوات»، موضحة أن «الإستراتيجية الأمنية الإسرائيلية» تتمثل في «منع التصعيد في الضفة الغربية للسماح للجيش بالتركيز على غزة ولبنان».
في غضون ذلك، توالت التحذيرات الأمنية من مغبة اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة، فيما نقلت مصادر أمنية وعسكرية تلك التحذيرات إلى المستويات الكبيرة في قادة الجيش والحكومة. وبدوره، تحدث الباحث الإسرائيلي في «جامعة تل أبيب»، مايكل ميلشتاين، في مقال نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، عن 3 عوامل متشابكة تجعل الضفة تغلي، على حد وصفه، مشيراً إلى أنّ «هذه العوامل بدأت قبل الـ7 من تشرين الأول 2023، وتسارعت في أعقابه»، مضيفاً أن دور السلطة الفلسطينية وجهود الاحتلال الإسرائيلي «حالت حتى الآن» دون سيناريوهات مرعبة مثل انتفاضة ثالثة ستؤدي قريباً إلى «تحدّ إستراتيجي حاد». وتتمثل تلك العوامل، بحسب ميلشتاين، في «الجهود المتنامية التي تبذلها حركة حماس لإشعال المنطقة وتعزيز مكانة الحركة في الضفة الغربية، والتي يدعمها رئيس حماس الجديد (يحيى السنوار)». والسبب الثاني، وفقاً له، هو إيران «التي كانت تعمل قبل 7 تشرين الأول على إشعال المنطقة عبر تمويل وتشجيع البنية التحتية المحلية وإغراق الضفة الغربية بالأسلحة»، توازياً مع قيادة «فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني لجهود مكثفة لتهريب الأسلحة من سوريا عبر الأراضي الأردنية إلى الضفة الغربية، ومن ذلك القنابل القوية والألغام وقاذفات آر بي جي». أما السبب الثالث للتصعيد، بحسب ميلشتاين، فهو «ضعف» السلطة الفلسطينية، والذي قال إنه يعود إلى سببين هما: الصورة السلبية في الداخل كجسم فاسد ومهتز بعكس سلطة «حماس» في غزة، والتضييق الذي تفرضه إسرائيل على موازنة عائدات الضرائب وتقييد حركة العمال، والذي يسهم في خلق «أزمة اقتصادية» تؤدي إلى فقدان تدريجي للسيطرة على الأرض، وخاصة في نابلس، على حدّ قوله.

أحمد العبد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *