أخبار عربية ودولية

ميزانية خاصة لتعزيز اقتحامات «الأقصى»: نتنياهو يساوق بن غفير وزمرته

لم يكتفِ وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، بالكشف عن نيّته بناء كنيس في المسجد الأقصى «لو كان في الإمكان فعل ذلك»، طبقاً لما أدلى به خلال مقابلة مع «إذاعة الجيش الإسرائيلي»؛ ولا حتّى بـ«عاصفة» الإدانات التي أثارها داخل إسرائيل وخارجها بتصريحه ذاك، بل اجتذب خلفه وزير التراث، عميحاي إلياهو، زميله في الحزب ذاته، وصاحب الدعوة إلى قصف قطاع غزة بقنبلة نووية، والذي انضم إلى المعركة التي تستهدف واحداً من أهم رموز التراث والحضارة الإسلامية – العربية في القدس المحتلة. وبينما كان إلياهو يقيم، ليل الإثنين – الثلاثاء، حفلاً في «مكفايه يسرائيل»، برعاية وزارته، اضطر إلى إنهاء خطابه عقب صراخ الحاضرين عليه بنداءات «العار»، ليرد قبل أن ينسحب بأنه يشعر بالخجل منهم لأنهم «لا يحفظون تراث أبينا إبراهيم». ومن أجل حفظ هذا «التراث»، تكشّف أن الوزير ذاته يعتزم تخصيص ميزانية بقيمة مليوني شيكل لدعم وتعزيز اقتحامات المستوطنين للأقصى، والجولات الاستيطانية التي يجريها اليهود وسيّاح أجانب في الحرم القدسي، وذلك في خضم مدة تشهد محاولة فعلية لتغيير الوضع القائم أو ما يُعرف بـ«الستاتوس كو» في الأقصى.وفي هذا الإطار، كشفت «هيئة البث العام الإسرائيلية» (كان 11) أن وزارة التراث اليهودي ستستغل الميزانية المشار إليها في مخطط يهدف إلى ترسيخ الرواية الإسرائيلية والسردية التوراتية، وذلك عبر «الجولات الإرشادية» (الاقتحامات للأقصى) التي من المزمع أن تشهد مشاركة عشرات آلاف اليهود والسيّاح الأجانب، وتبدأ في المدة المقبلة، استعداداً للأعياد اليهودية. وبحسب ما نقلته «كان 11» عن الوزارة، فإن «هدف هذه الجولات هو تدعيم البلدة القديمة وتعزيزها»، بمعنى تهويدها؛ إذ سيتخلّلها تمرير مضامين تستعرض «التراث اليهودي في جبل الهيكل، عبر طرح تاريخي بنسخة دقيقة، خالية من الحقائق البديلة والسرديات الكاذبة التي كُتبت بهدف تعزيز أجندة معادية للسامية». ولأن هذه الاقتحامات لا تتم إلا بمرافقة قوّات من الشرطة و«حرس الحدود»، فقد تلقى المدير العام لوزارة التراث، إيتي غرينك، موافقة من نائب قائد منطقة القدس لتنظيم الاقتحامات، بعدما كان قد توجّه إلى مكتب بن غفير للحصول على مصادقة الشرطة. كما أفيد، مساء أمس، عن مصادقة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، و«مجلس الأمن القومي» على تلك الخطة، بحسب «الإذاعة الإسرائيلية العامة» (كان).
وفي المقابل، يلاقي ما يُعرف إسرائيلياً باسم «الصعود إلى جبل الهيكل» (اقتحام الأقصى)، رفضاً من كبار حاخامات «الحريديم»، والذين يحرّمون دخول اليهود إلى الحرم القدسي لاعتبارات عدة، منها «تخوّفهم من تدنيس الهيكل الذي لا يعرفون موقعه الدقيق، فيما السير على أنقاضه يوجب شروطاً صارمة تتعلق بالطهارة، لا يلتزم بها معظم المقتحمين»، بحسب زعمهم. وعلى هذه الخلفية، اضطرت صحيفة «ييتد نئمان» الأوسع انتشاراً من بين الصحف «الحريدية» في إسرائيل، إلى نشر غلافها باللغة العربية لأول مرة في تاريخها، قائلةً إنه «يمنع منعاً باتاً صعود اليهود لجبل الهيكل (باحة الأقصى). هذا هو رأي كل رجال الفقه والإفتاء اليهود على مر العصور، وهذا الرأي لا يزال ساري المفعول حتّى الآن».

يلاقي اقتحام المسجد الأقصى رفضاً من كبار حاخامات «الحريديم»


على أن إصرار بن غفير على صبغ الحرب بطابع ديني إلى جانب طابعها القومي، دفع أخيراً زعيم المعارضة الإسرائيلية، رئيس حزب «هناك مستقبل» يائير لبيد، ورئيس حزب «شاس» الحريدي، أرييه درعي، إلى عقد مباحثات هي الأولى من نوعها منذ عقد، تتمحور حول الدفع بمشروع قانون يستند إلى فتوى الحاخام السفاردي الأكبر لإسرائيل، والأب الروحي لـ«شاس» عوفاديا يوسف، والتي تحظر على اليهود اقتحام أو زيارة المسجد الأقصى. وبحسب ما كشفته «القناة 12» بشأن هذه المباحثات، فإن «هناك مستقبل» يخطط لطرح مشروع القانون المذكور بعد عودة «الكنيست» من عطلته الصيفية، في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
وعلى أي حال، فإن ما يتضح من تصرفات بن غفير، وفقاً للمقدم في «قناة الكنيست»، ومراسل الشؤون الحزبية في «يديعوت أحرونوت»، يوفال كارني، أنها «تشكل خطراً على إسرائيل»، ومن يقول ذلك ليس خصومه السياسيين أو «اليساريون المحبطون» ولا حتّى المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف-ميارا فحسب، بل وزراء يجلسون بجانبه حول طاولة الحكومة. والسبب في ذلك أن كل إنجاز تحققه إسرائيل على المستوى الدولي «بالدماء والعرق والدموع، يمحوه بن غفير بأفعاله الاستفزازية»، وبينما «تخوض تل أبيب حرباً وجودية، يخوض بن غفير حربه الداخلية ضد وزير الأمن، ورئيس الشاباك، ورئيس الأركان، والمستشارة القضائية…». ومع هذا، فإن بن غفير «لا يلقي نظرة إلى الوراء، ويتابع مطلقاً النار من مدفعه الرشاش»، وهو ما يعزى، وفقاً لكارني، إلى «خوف (رئيس الوزراء، بنيامين) نتنياهو وقلقه من (خسارة) كل شريك في الائتلاف». ويشير المراسل إلى أنه رغم أن نتنياهو أصدر بياناً عقب تصريحات بن غفير حول الكنيس مفادها بأنه «لا تغيير في الوضع الراهن»، غير أن عدم إقدامه على وضع حدٍ لوزيره يعني عملياً «تطبيعاً لأفعال الأخير».
أمّا الكاتبة والمُحاضرة الإسرائيلية، ليلاخ سيغن، فعلّقت في مقالة لها في صحيفة «معاريف» على مقابلة ظهر فيها عضو الكنيست، زميل بن غفير في الحزب ذاته، تسفيكا فوغل، مع الصحافي رون بنياميني، الذي سأله: «ما النجاحات التي حققها حزبه منذ الانتخابات الأخيرة؟»، فرد فوغل بعد الكثير من التهرب بالقول إن «الحرب مستمرة، فقط بفضل وجودنا في الحكومة». وبحسبها، فإن هذا «الإنجاز الوحيد بالفعل لهم»، فمن الصحيح أن «الكثير من الضجيج يتعالى في هذه المدة ومن الصعب بسبب ذلك فهم واستيضاح المجريات»، ولكن يبدو أنه بالفعل بسبب «حزب متطرف تُخضع الحكومة»؛ حيث تخوض إسرائيل «حرب توحّل لم تعد تملك فيها قدرات حقيقية على تحقيق النصر، ويدفع ثمنها الجنود أرواحهم يومياً، فيما لا يعود المختطفون، ويستمر التصعيد والتوتر في اتجاه حربٍ إقليمية».
وبناء على ما تقدم، رأت ليلاخ أن تجربة دمج المتطرفين الذين يأتون من أقصى الخارطة «فشلت في كل اختبار ممكن. فهناك وزير مركزي يحتقر القانون وكل يوم يفتح المزيد من الساحات، سواء على المستوى الشخصي أو القومي». وبحسبها، فإن معظم أعضاء «الليكود» و«شاس» و«يهودية التوراة» يعرفون هذا ويفهمونه، وقد بدأ بعضهم يتحدثون عن ذلك بالفعل، مثل الوزراء، غالانت وكيش وغافني وأربيل، ولكنّ زملاءهم الآخرين «لن يتمكنوا من الادعاء أنهم لا يعرفون ذلك أيضاً. فإذا كانت إسرائيل دولة ترغب في الحياة، فليس عليها الانتظار. يجب إقالة بن غفير فوراً».

بيروت حمود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *