سوليفان في بكين: تهدئة كلامية… لا تنسحب أرضاً
وصل جيك سوليفان، كبير مستشاري الرئيس الأميركي، جو بايدن، للأمن القومي، إلى بكين، أمس، في زيارة تستمر حتى الخميس، وهي الأولى لمستشار أمن قومي أميركي إلى الصين منذ عام 2016. وسيجري سوليفان والمسؤولون الذين معه محادثات مع وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، ومسؤولين صينيين آخرين. على أنّ الزيارة التي تهدف إلى الاستمرار في «احتواء الصراع» بين بكين وواشنطن، والحفاظ على قنوات التواصل التي تمّ بناؤها خلال الأشهر الماضية، بدأت تواجه، منذ وقت باكر، العديد من «العراقيل». إذ قبل أن تحطّ طائرة سوليفان على الأراضي الصينية، وصفت بكين، أمس، العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على كيانات تابعة لها، بذريعة دعم روسيا في الحرب الدائرة في أوكرانيا، بـ«غير القانونية وأحادية الجانب»، والتي «لا تستند إلى أي حقائق»، بعدما فرضت الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، عقوبات على أكثر من 400 كيان وشخص على خلفية الاتهامات المشار إليها. ومن بين الجهات التي شملتها العقوبات، شركات صينية يقول مسؤولون أميركيون إنها تساعد موسكو «في تجنب العقوبات الغربية وبناء جيشها». وقبل ساعات من وصول سوليفان أيضاً، صدرت مواقف «حادة» عن بعض حلفاء واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إذ دانت اليابان، أمس، ما زعمت أنه «انتهاك خطير» لسيادتها، «بعد اختراق طائرة عسكرية صينية مجالها الجوي الإثنين»، بينما اعتبر وزير الدفاع الفيليبيني، غيلبرتو تيودورو، أن الصين هي «أكبر مزعزع» للسلام في المنطقة. وفيما يزور المسؤول الأميركي الصين بدعوة من السلطات هناك، فقد أكدت وسائل الإعلام الصينية، قبيل الزيارة أيضاً، أنّ التبادلات الديبلوماسية والتعبير عن «نوايا» الاستقرار في العلاقات ليسا كافيَين، نظراً إلى أنّ هناك «فجوة» كبيرة بين أقوال واشنطن وأفعالها. وعليه، أعلنت وزارة الخارجية الصينية أنّ المسؤولين الصينيين سيطرحون على نظرائهم الأميركيين القضايا المتعلقة بتايوان، والإجراءات الأميركية التي تستهدف بكين، بما في ذلك الرسوم الجمركية وضوابط التصدير والعقوبات. كما ستشكل التوترات مع حلفاء واشنطن في المنطقة نقطة مباحثات بين الطرفين، في وقت يهدف فيه اللقاء، على الأرجح، إلى التمهيد لقمة محتملة بين الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ونظيره الأميركي، جو بايدن، قبل نهاية ولاية الأخير.
لا تزال واشنطن تعزز وجودها العسكري في منطقة «الهندي – الهادئ» بأساليب «ملتوية»
وإذ لا تزال التصريحات الأميركية الرسمية توحي بأنّ واشنطن ملتزمة بـ«إدارة التنافس مع الصين بمسؤولية، والحؤول دون أن يتحول إلى نزاع»، على الرغم من «العلاقة التنافسية الشديدة» مع بكين، والمتطلبات التي تفرضها «ضرورة حماية الأمن القومي» لواشنطن، فإنّ جملة من التحركات الأميركية الأخيرة في المنطقة تُنذر بأنّ خيار ارتفاع التوتر بين الطرفين لا يزال قائماً. وفي الواقع، وإذ أُرغمت واشنطن على إعادة «ثقلها» العسكري إلى الشرق الأوسط دعماً لإسرائيل، ما جعل منطقة «الهندي – الهادئ» خالية، لأول مرة، من أي حاملة طائرات أميركية، إلا أنّ الولايات المتحدة لا تزال تعزز وجودها العسكري في المنطقة بأساليب «ملتوية» أخرى. وفي السياق، أفادت صحيفة «واشنطن بوست» في تقرير، الأسبوع الماضي، بأنّه في «عمق المناطق النائية، تقوم أستراليا والولايات المتحدة بورشة بناء»، تهدف إلى تحويل منشأة عسكرية هادئة إلى منصة انطلاق محتملة، في حالة نشوب صراع مع الصين». وطبقاً للصحيفة، يتم توسيع المدارج وتعزيزها لاستيعاب أكبر الطائرات التي لدى حلفاء أستراليا، بما في ذلك قاذفات «B-52» الأميركية، كما ترتفع مستودعات الوقود الضخمة واحد تلو الآخر لتزويد الطائرات المقاتلة الأميركية والأسترالية بالوقود، فيما تم بناء مخبأين تحت الأرض لحفظ الذخائر الأميركية. على أنّ الحركة المشار إليها في قاعدة «RAAF Tindal»، ليست فريدة من نوعها؛ إذ يتم، طبقاً للتقرير، نفض الغبار عن منشآت في جميع أنحاء أستراليا، يعود تاريخها إلى عقود، بنتها الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، وسط مخاوف متزايدة من نشوب «صراع عالمي». وقد دفع ذلك ببعض الخبراء الأستراليين إلى المجادلة بأنّ «البصمة العسكرية الأميركية المتزايدة لا تردع الصراع مع الصين، بقدر ما تضمن مشاركة أستراليا فيه». وفي السياق، تنقل «واشنطن بوست» عن سام روغيفين، محلل استخبارات أسترالي سابق قوله: «لديّ مخاوف عميقة بشأن المشروع بأكمله»، في إشارة إلى زيادة النشاط العسكري الأميركي في أستراليا. واعتبر أنّ هذا النشاط «يخلط» بين الأهداف الاستراتيجية لأميركا في آسيا وأهداف أستراليا، «ويجعل تلك القواعد هدفاً» للهجمات، حتى إنّ بعض المراقبين باتوا «يسخرون» من أنّ التعاون العسكري بين الطرفين أصبح واسعاً إلى درجة أنّ أستراليا باتت «الولاية الحادية والخمسين للولايات المتحدة»، بحسب الصحيفة الأميركية.
الأخبار