عبد الباري عطوان
معادلة تل أبيب مقابل الضاحية الجنوبية التي تحدث عنها السيد حسن نصر الله في أحد خطاباته الأخيرة، جرى تطبيقها اليوم عندما أطلق الجناح العسكري لحزب الله صاروخا ثقيلا من نوع “قادر1” نحو مقر جهاز “الموساد” في قلب مدينة تل أبيب للمرة الأولى، مما أدى الى إطلاق صفارات الإنذار، ودفع مليوني مستوطن إسرائيلي فيها للجوء إلى الملاجئ طلبا للنجاة.
هذا الصاروخ الثقيل الاستراتيجي “قادر1” سجل بإطلاقه سابقة جديدة أخرى، بوصوله إلى العاصمة الإسرائيلية السياسية والاقتصادية (تل أبيب) تتمثل في التنفيذ العملي لتهديد آخر صدر عن السيد نصر الله أيضا، وهو ضرب حيفا وما بعد حيفا، والانتقال من مرحلة إطلاق صواريخ “الكاتيوشا” ذات القدرات المحدودة، الى المرحلة الثانية باستخدام صاروخ “فادي1” و”فادي2″، والأهم إطلاق الصواريخ الباليستية الثقيلة والدقيقة ذات التقديرات التدميرية العالية.
القصف الإسرائيلي بالطائرات المقاتلة من نوع الشبح “إف 35” أو القاذفات الأمريكية الصنع “إف 15” و”إف 16″، لن يحقق وعود نتنياهو بإعادة أكثر من 150 ألف مستوطن نازح الى مستوطناتهم التي هربوا منها رعبا من صواريخ الكاتيوشا اللبنانية، رغم الدمار الذي أحدثته في القرى والبلدات اللبنانية في الجنوب والبقاع والهرمل، وارتكاب مجازر أدت الى استشهاد 560 مدنيا وإصابة ما يقرب من الألفين، لأن القصف الجوي الإسرائيلي سيقابل بالقصف الأرضي اللبناني، وأحداث تغيير جذري في قواعد الاشتباك عنوانه الأبرز ضرب البنى التحتية الإسرائيلية، ورفع الحماية الأخلاقية عن قتل المدنيين الإسرائيليين في الوقت المناسب، مضافا إلى ذلك تكثيف وتصعيد حرب الاستنزاف من قبل المقاومة الإسلامية في الشمال الفلسطيني المحتل، وربما توسيع دائرتها جنوبا وغربا.
استدعاء الجيش الإسرائيلي اليوم لواءين من جيش الاحتياط يأتي تمهيدا للزج بهم في الحرب في لبنان، وتعزيزا للهجوم البري الوشيك، في إطار الضغوط على قيادة حزب الله للقبول بصفقة تؤدي الى وقف إطلاق النار، والسماح بعودة النازحين، وفك الارتباط بين الجبهة الشمالية ونظيرتها في قطاع غزة.
المقولة التي انتشرت مثل النار في الهشيم، وبعد أيام معدودة من اشتعال فتيل الحرب في لبنان، التي تقول بأن ايران تخلّت عن حزب الله، وباقي أذرع محور المقاومة، استنادا إلى تصريحات للرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان جاءت متسرعة، وساذجة، وسابقة لاوانها، فإيران موجودة في كل حروب محور المقاومة، سواء في غزة أو الضفة أو جنوب لبنان، أو اليمن أو العراق، او سورية، موجودة بخبرائها، وصواريخها وترسانتها العسكرية، وخبراتها التكنولوجية الحربية، ولا يمكن أن تتخلى عن “حزب الله” وأذرع محور المقاومة الأخرى في فلسطين واليمن والعراق، التي استثمرت فيها كثيرا سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وكانت هذه الأذرع وما زالت، إلى جانب الصواريخ المسيّرات أعظم “اختراع” إيراني في التاريخ الحديث.
ربما يفيد بالنسبة إلينا أن نُذكّر الذين روجوا لهذه المقولة ان صاحب القرار الأول والأخير في ايران هو المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، اما رئيس الجمهورية، اي بزشكيان، فدوره تنفيذي بروتوكولي بحت، ومرحلي، مثله مثل جميع الرؤساء الذين سبقوه، ولذلك سارع الأول، أي المرشد الأعلى، الى تصحيح أقوال رئيس جمهوريته بإصدار بيان اكد فيه أن قتل قيادات كبيرة في حزب الله لن يركّع الحزب، وأن القوة التنظيمية، والموارد البشرية فيه قوية للغاية، ولن تتضرّر بسبب هذه الاغتيالات، وختم بيانه بالقول “سيكون النصر حليف المقاومة الفلسطينية واللبنانية في النهاية”.
نضم صوتنا إلى صوت السيد نصر الله ونؤكد أن الغزو البري الذي تستعد إسرائيل للجوء إليه في لبنان، سيكون هدية دسمة للمقاومة الإسلامية الممثلة في حزب الله، ومثلما انتهى الغزوان البريان السابقان بالهزيمة (الأولى عام 1982 الثاني عام 2006) انتهيا بالهزيمة المذلة، فإن الثالث الوشيك لن يكون أفضل حظا، فليس من صفات قادة المقاومة الحاليين في لبنان وفلسطين واليمن والعراق وسورية الاستسلام ورفع الرايات البيضاء.
نتنياهو المأزوم يهرب من هزائمه وفشله في تحقيق أي من أهدافه في قطاع غزة، بدءا من التهجير، ومرورا بالإفراج عن الرهائن، وانتهاء بالقضاء على فصائل المقاومة بقيادة حركة “حماس”، بنقل الحرب إلى لبنان، وحاله مثل حاله من يستجير بالرمضاء من النار، ولهذا ستكون هزيمته أكبر، وخسائره أعظم.. ونهايته وكيانه أقرب.. والأيام بيننا.