أخبار لبنانية

بورتريه | السيّد الشهيد

لم ينتج عن الأحزمة النارية التي نفذتها طائرات الـ(F35) الإسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت عصر الجمعة الفائت، اغتيال الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله فحسب، بل رُسمت بالنار معالم جديدة للصراع بين المقاومة وإسرائيل، تتجاوز تداعياته لبنان نحو الشرق الأوسط بمجمله.ورغم أن إسرائيل سارعت، بُعيد نعي حزب الله أمينه العام إلى الإعلان على لسان المتحدث باسم جيشها دانيال هاغاري أنها لا تسعى إلى تصعيد أوسع، إلا أنها بتنفيذها عملية اغتيال السيد نصر الله بوصفه «من أشد أعداء إسرائيل على الإطلاق»، بحسب هاغاري، تكون قد سعّرت المواجهة القائمة منذ نحو عام في سياق معركة «طوفان الأقصى»، إلى أعلى درجة ممكنة.
فالتحدي الذي كان الشهيد قد أعلنه، والقائم على رفض فصل جبهة الإسناد في جنوب لبنان عن قطاع غزة، إضافة إلى منع عودة مئات آلاف من المستوطنين الفارّين من المستوطنات الشمالية لفلسطين، سيبقى العنوان الأبرز للمرحلة الجديدة، خصوصاً أن هذا التحدي كان قائماً بشكل واضح منذ اللحظة الأولى التي أعلن السيد نصر الله انخراط حزب الله في معركة «طوفان الأقصى» إسناداً لقطاع غزة ومقاومته في الثامن من تشرين الأول من العام الماضي.

الأمين العام الثالث
والشهيد السيّد حسن نصر الله (1960) هو الأمين العام الثالث لحزب الله. تولى منصبه يوم 16 شباط 1992 خلفاً للأمين العام السابق السيّد عباس موسوي، الذي اغتالته إسرائيل بإطلاق صواريخ حرارية حارقة على سيارته على طريق بلدة تفاحتا الجنوبية.
وقد شكّلت معركة «طوفان الأقصى» محطة أساسية في «إعادة تنقية» الوعي الجماعي لشرائح واسعة من الجماهير العربية، حيال دور حزب الله كفصيل أساسي من فصائل المقاومة العربية والإسلامية الناشطة ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، خصوصاً في لبنان وفلسطين. وذلك بعد سنوات من عمليات «التوجيه والتضليل» التي استُخدمت لتشويه صورة حزب الله وأمينه العام بشكل خاص. فقد كان الأمين العام الشهيد السيد حسن نصر الله، أول من أعلن عن فتح جبهة في جنوب لبنان لدعم وإسناد المقاومة الفلسطينية، في اليوم التالي لعملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول 2023، وشدّد في جميع خطاباته المتعلقة بالمعركة على أن جبهة الإسناذ هذه لن تهدأ إلا بعد إنهاء الحرب على غزة.
منذ انتخابه أميناً عاماً للحزب، بإجماع مجلس الشورى، رغم أنه لم يكن نائباً للأمين العام، وكان أصغر أعضاء مجلس الشورى سناً، ظلّ الشهيد نصر الله يُقلق إسرائيل التي راح الحزب في عهده ينفذ عمليات عسكرية نوعية ضدها، أدّت إلى اندحارها عن جنوب لبنان عام 2000 بعد احتلال استمر 22 عاماً. وما بين التحرير والانتصار في تموز 2006 الذي أكسب الشهيد نصر الله شعبية عارمة في العالمين العربي والإسلامي.
وكان لقرار الشهيد نصر الله المشاركة في القتال الى جانب الجيش السوري في مواجهة الحركات التكفيرية المدعومة عربياً وغربياً، أثر كبير في صمود سوريا أمام الحرب الكونية التي تعرضتّ بدءًا من العام 2011 على صهوة «الربيع العربي». ولخّص الشهيد نصر الله هدف مشاركة الحزب في سوريا، في خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى السنوية الثامنة لاستشهاد القائد مصطفى بدر الدين، إذ قال «كان المطلوب كأحد الأهداف للحرب السورية أن تكون سوريا بيد الأميركيين (…) سوريا تجاوزت الحرب الكونية وما زالت في موقعها، فلو كانت سوريا اليوم تحت الرعاية الأميركية والإسرائيلية، تخيلوا ماذا سيكون حال لبنان وغزة اليوم؟»، وأضاف «أحد أهداف وجودنا في سوريا هو الدفاع عنها لتبقى تشكل حركة دعم وإسناد للمقاومة (…) من جملة أهداف المقاومة، إعادة إحياء القضية الفلسطينية وإعادة التذكير بفلسطين المنسية بمقدساتها الإسلامية والمسيحية، وبضفتها وغزتها، فلسطين التي كانت ستنسى مع توقيع دول عربية للاتفاقيات التطبيع مع الإسرائيلي».

لا نوفّر أبناءنا للغد
في 12 أيلول 1997 استشهد هادي، للسيّد نصرالله، خلال مواجهة للمقاومة في جبل الرفيع بمنطقة إقليم التفاح جنوب لبنان. وشكّلت المناسبة نقطة تحوّل أساسية في شعبية حزب الله وأمينه العام الذي قال في حفل تأبين نجله «أقول لهذا العدو عليه أن يفهم رسالة شهادة السيّد هادي وإخوانه الشهداء على وجهها الحقيقي، إننا في حزب الله، في كل المواقع، رجالاً ونساء وأطفالاً، مصممون على مواصلة درب الجهاد مهما كانت التحديات والأخطار والتضحيات، هذا عهد وهذا قسم وهذه بيعة لا عودة عنها على الإطلاق». وأضاف «إني أشكر الله على عظيم نعمه أن تطلع ونظر نظرة كريمة إلى عائلتي فاختار منها شهيداً وقبلني وعائلتي أعضاء في الجمع المبارك المقدّس لعوائل الشهداء».
وُلد السيّد حسن نصرالله في 31 آب 1960 في بلدة البازورية القريبة من مدينة صور جنوب لبنان. والده عبد الكريم نصرالله ووالدته نهدية صفي الدين، وهو الابن البكر من بين ثلاثة أشقاء وخمس شقيقات.
تزوّج من السيّدة فاطمة ياسين، وله منها خمسة أبناء هم هادي وزينب ومحمد جواد ومحمد مهدي ومحمد علي. وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة «الكفاح» الخاصة في حي الكرنتينا، أحد أفقر أحياء الضاحية الشرقية لبيروت، وتابع دراسته المتوسطة في مدرسة «الثانوية التربوية» في منطقة سن الفيل.
بعد عودة عائلته إلى مسقط رأسه في بلدة البازورية عند اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، التحق الشهيد بالحوزة العلمية في مدينة النجف الأشرف في العراق عام 1976، وكان يبلغ من العمر 16 عاماً حين بدأ مرحلة الدراسة الدينية، وفيها تعرف على السيّد عباس الموسوي الذي أشرف على تعليمه وتكوينه. لكنه ما لبث أن عاد إلى لبنان عام 1978 بعد المضايقات التي تعرضت لها الحوزات الدينية في العراق من نظام صدام حسين. والتحق الشهيد السيد حسن نصر الله، بعد عودته، بحوزة الإمام المنتظر التي أسّسها السيّد عباس الموسوي في بعلبك. وسافر في نهاية الثمانينات إلى إيران لمواصلة تعليمه الديني في مدينة قم، قبل أن يعود مجدداً إلى لبنان بعد نحو عام واحد.

الأخبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *