إيران تواصل «ماراثونها» الديبلوماسي: حذارِ الاستهانة بالحرب
طهران | استكمل وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، جولته الإقليمية الهادفة إلى احتواء التصعيد المنفلش في المنطقة، حيث توجّه، أمس، إلی العراق ومنه إلى سلطنة عمان. وفي بغداد، التقى عراقجي کبار المسؤولين العراقیین، بمن فیهم رئیس الوزراء محمد شیاع السوداني، ووزیر الخارجیة فؤاد حسین، الذي عقد وإيّاه مؤتمراً صحافياً مشتركاً، قال خلاله الأول، إن «منطقتنا تواجه الآن تحدّيات خطيرة للغاية، ولذلك كان من الضروري بالنسبة إلينا أن نجري مشاورات وثيقة مع أصدقائنا في المنطقة، وخاصة في العراق». وعبّر عراقجي عن تقديره لموقف العراق الرافض لاستخدام أجوائه في أيّ هجوم ضد إيران، مبيّناً أيضاً أن المباحثات مع المسؤولين العراقيين «تناولت قضايا أمنية خطيرة تتعلّق بالمنطقة»، و»(أنّنا) على استعداد تام للحرب ولسنا خائفين منها، ولكننا لا نريدها وسنعمل من أجل السلام العادل في غزة ولبنان». ومن جهته، قال حسين إن حكومة بلاده حذّرت من اتّساع رقعة الحرب، مضيفاً: «نرفض استخدام الأراضي العراقية لاستهداف دول الجوار»، ومشيراً إلى أن «وقوع الحرب في المنطقة يهدّد السلم الأهلي الدولي، ونسعى إلى إبقاء العراق خارج إطار أيّ حرب في المنطقة».
وقبيل توجّهه إلى بغداد ومسقط، أجرى عراقجي، على مدى الأسبوعَين الأخيرَين، مشاورات مكثّفة خلال لقاء مشترك جمعه إلى ممثّلي الدول الست الأعضاء في «مجلس التعاون الخليجي» في الدوحة، وكذلك خلال زياراته إلى كلّ من لبنان وسوريا والسعودية وقطر. واشتمل جدول أعمال جولة الوزير الإيراني، شرح أثمان الحرب المحتملة التي تشعلها إسرائيل، وهو ما نقله إلى الأطراف المعنيين بهذه الحرب عبر القنوات الديبلوماسية من جهة، ومتابعة مشروع الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة ولبنان من جهة أخرى. وثمّة ما يشاع عن أن عراقجي، واستمراراً لجولته الإقليمية، سيتوجّه إلى القاهرة، بعد بغداد ومسقط، على أن يلتقي في العاصمة المصرية، نظيره بدر عبد العاطي، ورئيس جهاز المخابرات العامة عباس كامل، وأيضاً الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ علماً أن طهران والقاهرة، وعلى رغم غياب العلاقات الديبلوماسية الرسمية بينهما، تتبادلان وجهات النظر حول التطورات المهمّة في المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية المصري زار طهران للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في أواخر تموز الماضي.
وتعليقاً على الزيارة المحتملة، اعتبرت صحيفة «إيران» الحكومية، أن «التواصل بين المسؤولين الإيرانيين والمصريين ليس بمعزل عن الدور الذي يمكن الطرفين الاضطلاع به كخطوة أولى نحو خفض التصعيد الجاري، والمتمثّل في حربَي غزة ولبنان، لاسيما وأن موقع القاهرة في المنطقة والعلاقات التي تقيمها مع أميركا وإسرائيل، في ما يخص ملف وقف إطلاق النار في غزة، يجعل التشاور معها ذا أهمية؛ ذلك أن مصر كانت، خلال الأشهر الأخيرة، بصدد لعب دور لخفض التوترات بين إيران وإسرائيل. وفي ظل هكذا ظروف، فإن المضيّ قدماً في الديبلوماسية الإقليمية الإيرانية مع بلد مهمّ في حلقة اللاعبين القريبين من أحد أطراف الحرب، يساهم بشكل كبير في الإسراع في إدارة التصعيد السائد في الشرق الأوسط، الأمر الذي يبدو أن المسؤولين الإيرانيين لا يهدرون الفرصة السانحة لاستثماره».
وفي الوقت ذاته، حازت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني إلى العربية السعودية وقطر، الكثير من الاهتمام؛ إذ قيل إن عراقجي كان، خلال هذه الجولة، بصدد البعث برسائل مفادها بأنه في حال هاجمت إسرائيل، إيران، فإن الأخيرة ستردّ، وإنه يتعيّن على دول المنطقة عدم مسايرة إسرائيل في هجومها المحتمل ضد الجمهورية الإسلامية من طريق وضع مجالها الجوي في تصرّف تل أبيب. وفي هذا الإطار، اعتبر المختصّ في شؤون الشرق الأوسط، أمير موسوي، في حديث إلى صحيفة «اعتماد» الإيرانية، أن جولة عراقجي كانت ناجحة، إذ قال: «نظراً إلى أن هناك علاقات جيدة للغاية بين طهران والرياض، فإن الجمهورية الإسلامية قادرة على إعادة الاستقرار إلى المنطقة من طريق الحوار. وأرجّح أنا طبعاً أن رسالة ما تم نقلها إلى الطرفَين السعودي والقطري مفادها بأنه إنْ اتّسعت رقعة التصعيد أحياناً، واستهدفت المصالح الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية، فإن ظروفاً عصيبة ستنشأ، ليس بالنسبة إلى إيران ومحور المقاومة فحسب، بل لجميع اللاعبين في المنطقة. والمهم بالنسبة إلى ممالك الخليج بطبيعة الحال، أن تعرف مدى قوة إيران وقدراتها العسكرية وقوة ردعها. لا يجب أن تتخيّل بعض الدول أنها إنْ تجاوزت الخطوط الحمر في الظروف المحتقنة الحالية، فإنها ستبقى في أمن وأمان. ويبدو أن السيد عراقجي تلقّى إجابة جيّدة، على الأقل في ما يخصّ عدم التعاون مع الكيان الصهيوني».
وعلى مدى الأيام الأخيرة، سرى الحديث عن أن أحد أهداف المشاورات التي تجريها إيران مع الدول العربية، على خلفية العلاقات الوثيقة التي تقيمها هذه الأخيرة مع الولايات المتحدة، هو أن تسير طهران وواشنطن، من خلال تبادل الرسائل، في مسار موحّد لخفض التصعيد. لكن، في المقابل، يذهب البعض إلى أن إيران وأميركا لا يمكنهما التعامل معاً بسبب تعارض الأهداف في ما بينهما. ووفقاً للباحث في مؤسسة الشؤون الدولية والأمن في برلين، حميد رضا عزيزي، في حديث إلى صحيفة «هم ميهن»، فإنه «من الجانب الإيراني، ومع الأخذ في الاعتبار الموقع الذي يشغله حلفاء إيران، لاسيما حزب الله، فإن إبداء الحرص على اعتماد الديبلوماسية، يُفسر على أنه ضعف. ولهذا السبب، فإن إيران تبعث برسائلها إلى الطرف الغربي، على شكل تحذير، لا الجهوزية للتعاون. وتقول إيران علناً إنه في حال اتّسع نطاق الحرب لتطالها، فإنها سترد عليها بشكل واسع النطاق». وأضاف: «بتقديري، فإن إيران وأميركا تعملان جاهدتَين حالياً لتغيير الخطوط الحمر، ورسم خطوط حمر جديدة. ولذلك، طالما تعمل التطورات الميدانية على تغيير الخطوط السياسية، لا أظن أن هناك آفاقاً حقيقية لخفض التصعيد. والسياسة التي تعتمدها واشنطن هي ألا تتحوّل الحرب إلى حرب مباشرة بين إيران وإسرائيل، وبغير ذلك فإن عمليات الخطوة خطوة التي تواصلها إسرائيل ضدّ حلفاء إيران، تحظى بالدعم الأميركي، بيد أن الخلاف يدور حول أنه إذا أبدت إسرائيل ردة فعل عنيفة تجاه العملية العسكرية الإيرانية الأخيرة، وتخطّت قواعد الاشتباك المعمول بها، فحينها قد تتعرّض المكاسب التي حقّقتها إلى الآن للخطر. والأهم من ذلك بالنسبة إلى واشنطن، هو أن المصالح الأميركية في المنطقة قد تتعرّض للخطر هي الأخرى».
محمد خواجوئي