أخبار عربية ودولية

هلوسات غربية على هامش الحرب: لـ «دولة مسيحية» بجانب إسرائيل

في مثل هذه اللحظات المفصلية التي تعيشها منطقتنا، لم يكن من المستغرب أن «يطلّ» علينا صناع السياسة والباحثين والمحللين الأميركيين، ويؤدوا دور الوصي على المنطقة عموماً، ولبنان خصوصاً، ويمنحوا أنفسهم حقّ طرح «حلول» على قياسهم وقياس «أمن» إسرائيل في المرحلة القادمة، حدّ اقتراح بعضهم «طرد» جزء من المواطنين اللبنانيين من لبنان، وفرض «خريطة» جديدة للشرق الأوسط، تكون أكثر إحداثاً للانقسام حتى من اتفاقية «سايكس بيكو»، وبطبيعة الحال، أكثر مواءمة للعدو الإسرائيلي، انطلاقاً، على الأغلب، من جهل عميق بالواقع اللبناني، ومن وهم بأنّه بات بالإمكان «إخراج» حزب الله من المعادلات الداخلية اللبنانية. وفي مقال أوردته مجلة «نيوزيوك» الأميركية، يطلب الكاتب دان بيري، وهو محرر شؤون الشرق الأوسط السابق في وكالة «أسوشييتد برس»، من القارئ أن يتخيل دبلوماسيَين في غرفة ينبعث منها الدخان في زمن الحرب في لندن وباريس، يتفحصان خريطة الإمبراطورية العثمانية، في إشارة إلى مارك سايكس، الذي كان يمثل آنذاك بريطانيا، وفرنسوا جورج بيكو. وعلى الرغم من أنّ الرجلين لم يكونا، على حدّ تعبيره، رسامي خرائط مشهورَين أو من الخبراء الكبار في شؤون الشرق الأوسط، فقد نتجت من اجتماعها خريطة سرية وقعاها في عام 1916، وأفضت، جنباً إلى جنب بعض الاتفاقيات اللاحقة، إلى خريطة «غير مُساعدة» للشرق الأوسط الذي نعرفه اليوم.

ويرى بيري أن جذور الاضطرابات الداخلية المستمرة – والتي يرى أنّ لبنان يعاني منها – تعود إلى الحدود المصطنعة التي رسمتها اتفاقيات غربية مثل «سايكس بيكو» للشرق الأوسط، والتي «لم تراعِ» الفروقات الدينية أو الإثنية في المنطقة، مستشهداً بالحروب في العراق وسوريا وغيرها من البلدان. ويردف التقرير أنّه أتيح للموارنة، «وهم مجموعة عرقية دينية مسيحية قديمة، لها جذور في المجتمعات الفينيقية والهيلينية في بلاد الشام»، الفرصة لوضع الأساس لدولة صغيرة يمكن التحكم فيها في منطقة جبل لبنان. على أنّ «قيادتهم»، مدفوعة برؤية حول «لبنان الكبير»، سعت إلى توسيع حدود «تلك الدولة»، لتشمل سهل البقاع وطرابلس والمناطق الساحلية الجنوبية، ما أجبرهم على «استيعاب» المناطق ذات الغالبية المسلمة في الدولة الجديدة، بـ»جشع وغباء». وبعدما كان «الأمل» يكمن في أنّ ثروة الموارنة وتعليمهم وعلاقاتهم بأوروبا ستسمح لهم بالحفاظ على سيطرتهم على بلد أكبر وأكثر تنوعاً، فقد ساهموا، بدلاً من ذلك، في زرع بذور انهيار لبنان وتحوله إلى «دولة فاشلة» بشكل خطير. ويردف التقرير أنّه حالياً، قد تكون أمام اللبنانيين فرصة لـ»استعادة البلاد»، بعد «إضعاف حزب الله»، والمضي قدماً في مطالبة «الغرب والعالم العربي بتقديم المساعدة المطلوبة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي». ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى حدّ القول إنّه في حال فشلت المساعي الدبلوماسية، فإنّ الوقت قد حان، على الأرجح، لإجراء «إعادة تفكير شاملة»، وإنّ على المسيحيين في لبنان أن يأخذوا في الاعتبار أنّ تجربة «البلد متعدد الأعراق»، والذي أصبح حالياً ذا غالبية مسلمة، قد تكون «قابلة للعكس». ويردف الكاتب: «لو كنت لبنانياً مسيحياً، كنت لأفكر في تصحيح خطأ القرن الماضي، ومحاولة إنشاء دولة مسيحية حول بيروت، بما في ذلك أجزاء من جبل لبنان ومدن ساحلية مثل جونية وجبيل». وقد تعمل «الدولة» المشار إليها، في البداية، كجزء من كونفدرالية، قبل أن تتطلّع، لاحقاً، إلى «الاستقلال»، فيما ستندمج المناطق غير المسيحية، في نهاية المطاف، مع «سوريا ما بعد الحرب»، أو دولة مستقبلية متعددة الأعراق في المنطقة. وعليه، ستصبح بيروت، طبقاً لطموحات هؤلاء، مركزاً لـ»لبنان المسالم الأصغر»، ذات تجانس عرقي أكبر، ولا تكون مضطرة لقتال إسرائيل، وتستعيد ثقافتها شبه الأوروبية، «وتتحرر من الهراء الجهادي».

«نيوزويك»: تجربة «لبنان متعدد الأعراق» قد تكون «قابلة للعكس»


وفي حين أنّ ما تقدم هو من وجهات النظر والخطط «الأكثر تطرفاً»، التي تراود أذهان بعض المراقبين، وربما بعض صناع السياسة الغربيين، فإنّ الرغبة الغربية، والأميركية على وجه التحديد، في الاستثمار سياسياً في الحرب الدائرة في لبنان أصبحت تتكشف، أخيراً، أكثر فأكثر. على سبيل المثال، أوردت صحيفة «بوليتيكو» الأميركية تقريراً جاء فيه أنّه بعد عمليات التخريب والاغتيالات التي أطاحت بالعديد من كبار قادة حزب الله، أصبح البعض في واشنطن وأماكن أخرى يعتقدون أنه باتت هناك «نافذة لكسر الجمود السياسي في لبنان»، ووضع حد لتصاعد الحرب، مشيرةً إلى أنّ وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، تحدث أخيراً عبر الهاتف مع رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب، نبيه بري، لتلك الغاية. كما تحدث بلينكن في وقت سابق مع نظرائه السعوديين والقطريين والفرنسيين حول كيف يمكن لقرار ما – لا سيما انتخاب رئيس لبناني جديد – أن يقلل التوترات في الشرق الأوسط، من خلال «إجبار حزب الله على نقل قواته بعيداً عن الحدود الشمالية لإسرائيل طبقًا للقرار 1701». وفي حين أنّه «ما من إجماع كامل» حول وجهة النظر تلك في واشنطن؛ إذ يجادل بعض المسؤولين بأن حزب الله «راسخ جداً في الساحة السياسية اللبنانية والجيش والخدمات المدنية والاجتماعية» بشكل يجعل من غير الممكن القضاء على نفوذه، فحتى المشككون في الفكرة هم «على استعداد لخوض التجربة»، بحسب الصحيفة. ونقلت الأخيرة عن مسؤولين أميركيين أيضاً أنّه المتوقع أن يحضر بلينكن المؤتمر الدولي حول لبنان، والذي ستستضيفه فرنسا في وقت لاحق من هذا الشهر.
ومن جهتهم، قال مسؤولون أميركيون، لموقع «أكسيوس»، إن البيت الأبيض يريد الاستفادة من «الضربة الإسرائيلية الكبيرة» لقيادة حزب الله وبنيته التحتية، للضغط من أجل انتخاب رئيس لبناني جديد في الأيام القادمة. ونقل الموقع عن مسؤولين أميركيين قولهما إنه «مع قتل نصر الله ووصول حزب الله إلى أضعف حالاته منذ سنوات، تعتقد إدارة بايدن أن هناك الآن فرصة لتقليل تأثير الحزب بشكل كبير على النظام السياسي اللبناني، وانتخاب رئيس جديد لا يكون حليفاً للميليشيا الشيعية»، على حدّ تعبيرها، علماً أنّ «انتخاب رئيس للبنان أصبح بمثابة أولوية أكثر إلحاحاً حتى، بالنسبة لواشنطن، من التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل». وتنسحب وجهة النظر هذه على الخبير في شؤون الشرق الأوسط، دينيس روس، الذي يعتبر، في حديث إلى صحيفة «واشنطن بوست»، أنّه «مع رحيل نصر الله وقيادة حزب الله، حان الوقت للحكومة اللبنانية والجيش اللبناني لاستعادة الدولة»، فيما عبر الرئيس الأميركي، جو بايدن، عن «المشاعر نفسها». وعلى الضفة عينها، يدعو تقرير أورده «معهد الشرق الأوسط»، أخيراً، واشنطن إلى التوقف عن التعامل مع حزب الله أو الحكومة «الفاسدة التي تتفاوض نيابة عنه»، على أنّهما شريكان رئيسان في المفاوضات، معتبراً أنّه لا يوجد سوى «سيناريو واحد قابل للتطبيق»، وأنّ واشنطن «أمضت عقوداً في الاستثمار في الجيش اللبناني تحضيراً لمثل هذا السيناريو بالذات».

ريم هاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *