تحسّبٌ لانفتاح جبهةٍ سورية: العدو يهندس «شريطاً أمنياً» جنوباً
في وقت تتابع فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي عمليات التحصين التي تجريها منذ نحو شهرين على طول شريط فض الاشتباك داخل الجزء المحتل، وعلى طول خط وقف إطلاق النار والمقابل لبلدات الأصبح والرفيد في ريف القنيطرة الجنوبي، ارتفعت حدة التصعيد في الشمال السوري، على خلفية محاولة الفصائل المتشددة استغلال الظروف الإقليمية، بما فيها حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، والعدوان الكبير على لبنان، وسلسلة الاعتداءات على سوريا، من أجل تعديل الكفة لصالحها. وشملت التحركات الإسرائيلية، والتي ازدادت بشكل واضح خلال الأسبوعين الماضيين، وفق مصادر ميدانية، عمليات تفجير ألغام وشق طرق في الجزء المحتل، في حين ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن هدف هذه الأعمال بناء «سياج أمني متطور»، تحسّباً لفتح أي جبهة قتال جديدة لا تريدها إسرائيل في الوقت الحالي.
وفي الجنوب السوري أيضاً، وعلى مسافة ليست بعيدة، تشهد درعا استمراراً للتحركات المريبة التي تهدف، وفق مصادر ميدانية، إلى خلق حالة من الفوضى تقف وراءها جماعات متشددة متمركزة شمالي البلاد. وتقوم المجموعات الموجودة في المحافظة التي سيطرت عليها الحكومة السورية بموجب تسوية خرج بمقتضاها من يرغب من المسلحين نحو الشمال فيما بقيت بعض «الخلايا النائمة» هناك، بتكثيف عمليات زرع الألغام واستهداف الآليات الحكومية. وأودت آخر تلك العمليات بحياة شخص، وأدت إلى إصابة 5 آخرين بعد أن انفجرت عبوة ناسفة عند المدخل الشرقي لبلدة إنخل في ريف درعا الشمالي، وذلك أثناء مرور سيارة تابعة لـ»لجنة التسويات» كانت متجهة إلى مدينة جاسم لإتمام عملية التسوية التي بدأت بتاريخ 14 تشرين الأول الحالي.
وإذ تؤكد المصادر الميدانية أن هذه المجموعات مرتبطة بـ»هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة – فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا) التي تسيطر على إدلب، فهي تربط بين ارتفاع وتيرة تلك الهجمات والظروف التي تعيشها المنطقة بشكل عام، والتي تحاول «النصرة» استثمارها أيضاً في الشمال الغربي من البلاد، عبر شن هجمات على مواقع الجيش السوري، والتسويق لـ «معركة كبيرة» حملت اسم «معركة حلب». وكانت الجماعة التي يقودها أبو محمد الجولاني، سوّقت للمعركة المشار إليها، قبل أن يخفت بريقها إثر استقدام الجيش السوري تعزيزات عسكرية إلى خطوط التماس، وبدئه بالتعاون مع سلاح الجو الروسي تنفيذ استهدافات ضد مواقع يتحصن فيها المسلحون، ومخازن أسلحة وورشات تصنيع، في وقت أعلن فيه الجيش السوري إسقاط تسع مُسيّرات قامت المجموعات المسلحة بإطلاقها نحو أرياف حماة وإدلب واللاذقية.
أعلن بوغدانوف أن الاجتماع الجديد الـ 22 ضمن صيغة «أستانا» حول سوريا، سيُعقد قبل نهاية العام الجاري
وتأتي حملة التصعيد التي يشهدها الشمال السوري، بعد تسريبات إعلامية تؤكد تورط الاستخبارات الأوكرانية في تقديم الدعم للجماعة المتشددة في شمال غربي البلاد، ضمن مساع لتوسيع دائرة الصراع وإخراجها من الميدان الأوكراني، عبر ضرب المصالح الروسية في مناطق مختلفة من العالم، من بينها دول الساحل الأفريقي وسوريا. وشكّل هذا الأمر فرصة لـ»الهيئة» التي يقودها أبو محمد الجولاني للحصول على مُسيّرات حديثة، والتحضير لشن هجمات على مواقع الجيش السوري لاستباق أي خطوات فعلية على طريق تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، ضمن مبادرة روسية مدعومة من إيران والعراق. وفي المقابل، يؤكد نائب رئيس «المركز الروسي للمصالحة»، أوليغ إغناسيوك، مشاركة القوات الروسية في تنفيذ ضربات في إدلب، موضحاً أن الطائرات الروسية «نفّذت ضربات دقيقة في منطقة خفض التصعيد ، ودمّرت ثلاثة مراكز تدريب ومستودعاً وورش عمل لتصنيع الطائرات المُسيّرة». ويشير إلى أن هذه الغارات تستهدف «منع الفصائل في إدلب من مهاجمة مواقع الجيش السوري باستخدام الطائرات المُسيّرة وراجمات الصواريخ».
وفي غضون ذلك، ذكرت مصادر معارضة أن الجيش التركي استقدم تعزيزات كبيرة إلى مواقعه في ريفي حلب وإدلب، تضمنت أسلحة ومعدات إضافية، بالإضافة إلى أجهزة مراقبة ورصد، وراجمات صواريخ وغيرها، تم نقلها عبر شاحنات دخلت من معبر باب الهوى في ريف إدلب، والذي تسيطر عليه «الهيئة»، من دون أي توضيحات تركية حول سبب هذه التعزيزات والهدف منها.
أما سياسياً، فأعلن الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وبلدان أفريقيا ونائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، أن الاجتماع الجديد الـ22 ضمن صيغة «أستانا» حول سوريا، سيُعقد قبل نهاية العام الجاري. ونقلت وكالة «تاس» عن بوغدانوف قوله إن «اللقاء سيُعقد حتماً»، وإنه «كانت هناك اتفاقات مبدئية بصدد المواعيد النهائية لعقده، ولكننا أرجأنا ذلك إلى بعض الوقت نظراً إلى التغييرات في جداول الأعمال الرسمية، ومع هذا، أعتقد بأن اللقاء سيُعقد حتماً قبل نهاية هذه السنة». وكانت أعمال الاجتماع الدولي الـ21 حول سوريا بموجب صيغة أستانا، عُقدت في العاصمة الكازاخستانية في الـ24 من كانون الثاني الماضي.
علاء حلبي