أخبار عربية ودولية

هل سيُسرّع تبنّي نتنياهو شخصيًّا لـ”كردستان الكُبرى” اللّقاء المُنتظر بين الأسد وأردوغان؟ وهل سيرد الأخير بقطع كُل العلاقات مع تل أبيب وإغلاق سفارتها انتقامًا؟

عبد الباري عطوان

أكّدت مصادر مقرّبة من صُنّاع القرار في روسيا أنّ الرئيس فلاديمير بوتين يُريد أن يلعب دورًا مُزدوجًا في مِنطقة الشّرق الأوسط: الأوّل ورد في كلمته التي ألقاها في قمّة البريكس التي اختتمت أعمالها في قازان عاصمة التّتار، وأكّد فيها “على ضرورة تصحيح الظّلم التّاريخي في فِلسطين لاستعادة السّلام وتجنّب حربٍ عالميّة ثالثة”، أمّا الثاني: فسيكون بإحياء الجُهود السياسيّة والدبلوماسيّة لترتيبِ لقاءٍ سريع بين الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره التركي رجب طيّب أردوغان في موسكو لتخفيف التوتّر بين الدّولتين الجارتين، وإعادة العلاقات إلى صُورتها السّابقة بينهما.

لقاء القمّة بين الرئيسين السوري والتركي المُنتظر يحظى الآن بالأولويّة القُصوى بالنّسبة إلى الرئيس بوتين، لأنّ هُناك تطوّرات مُلحّة باتت تُهدّد الأمن القومي التركي بشَكلٍ مُباشر، وتُحتّم على الرئيس أردوغان “تليين” موقفه تُجاه سورية، والتّجاوب إيجابيًّا مع المطلب السّوري الأهم، أي انسحاب القوّات التركيّة من الأراضي التي تحتلّها شمال غرب سورية.

الرئيس أردوغان ربّما أفاقَ “مُتأخّرًا” على اتّصالات سريّة أجرتها حُكومة بنيامين نتنياهو مع قيادات كرديّة داخل تركيا وفي شِمال العراق، بهدف إحياء مشروع “كُردستان العُظمى” على أراضٍ في شِمال العِراق وسورية وإيران، ودعم قِوى انفصاليّة مُسلّحة نكايةً بالرئيس أردوغان ومواقفه الانتقاديّة لإسرائيل ومجازرها في قطاع غزة ولبنان، واتّهامه لبنيامين نتنياهو بأنّه هتلر الجديد، علاوةً على ذلك اختراق جهاز “الموساد” الإسرائيلي لتركيا، وتجنيد جماعات “إرهابيّة” أو تمويلها لضربِ الأمن التركيّ، وزعزعة استِقرار البلاد، ومُحاولة القيام بعمليّات اغتيال لقيادات حماس المُتواجدة على أرضها.

نتنياهو، وحسب مصادر تركيّة عالية المُستوى، بات يتبنّى شخصيًّا مشروع تقسيم تركيا، وقيام “دولة كردستان المُوحّدة الكُبرى”، وتخريب التّقارب المُتزايد بين السّلطات التركيّة وقيادة حزب العمّال الكردستاني، للتوصّل إلى تسويةٍ سياسيّةٍ تُنهي الحرب الدمويّة بين الطّرفين، وهو التّقارب الذي انعكس في الأيّام القليلة الماضية بقيام عمر أوجلان النائب في البرلمان التركي عن حزب الشّعوب الديمقراطي الكردي بزيارة عمّه عبد الله أوجلان زعيم حزب العمّال والمسجون انفراديًّا حاليًّا، ولأوّل مرّة مُنذ عام 1998، وأعلن النائب أوجلان أنّ عمّه مُستَعِدٌّ للتّسوية وإلقاء حزبه السّلاح في إطارِ تسويةٍ سلميّةٍ شاملة.

الرئيس أردوغان، وحسب مُقرّبين منه، باتَ مُتأكّدًا أنّ إسرائيل تقف خلف العمليّة “الإرهابيّة” التي استهدفت مُنشآت شركة الصّناعات الجويّة والفضائيّة التركيّة الحُكوميّة في أطرافِ العاصمة أنقرة، في مُحاولةٍ لإجهاض هذا التّقارب الذي يُؤيّده شخصيًّا ويقف خلفه، وأدّى إلى سُقوط خمسة قتلى وإصابة 22 آخرين، ولهذا بادر (أردوغان) إلى طلب عقد جلسة سريّة للبرلمان التركيّ لمُناقشة مِلف أمني وتطوّرات خطيرة جدًّا تحدث خلف الكواليس، في إشارةٍ إلى التحرّكات الإسرائيليّة لتقويض الأمن في تركيا، وإقامة دولة كردستان الكُبرى على جُزءٍ من أراضيها.

الرئيس بوتين أدرك أن هذه التطوّرات في تركيا يُمكن أن “تُليّن” مواقف الرئيس أردوغان تُجاه سورية وبما يُعزّز فُرص اللّقاء مع الرئيس السوري، لأنّ سورية ستكون علاوةً عن كُل من إيران والعِراق من أبرز المُتضرّرين من قيام “كردستان الكُبرى”.

الرئيس بشار الأسد، الذي التقيته شخصيًّا في منزله في دِمشق في أيّار (مايو) عام 2023، كانَ مُسْتَعِدًّا للقاءٍ “جدّيّ” مع نظيره أردوغان يُؤدّي إلى عودة العلاقات شريطة أن ينسحب الجيش التركي من الأراضي السوريّة وجعل هذا الانسحاب شرطًا أساسيًّا للقاء مع أردوغان، ولكنّ الأخير كانَ يُماطل ويُراوغ، ويرفض التّجاوب مع هذا المطلب الذي يُؤيّده أيضًا الرئيس الروسي.

السُّؤال الذي يطرح نفسه بقوّةٍ الآن هو حول مدى استجابة الرئيس أردوغان لمطالب الرئيس السوري المشروعة، ويُعطي بالتّالي الضّوء الأخضر لمُبادرة الرئيس بوتين بعقد لقاء قمّة مع الرئيس السوري وفتح صفحة جديدة في العلاقات تقوم على أساس “مُعاهدة أضنة” بين البلدين التي جرى التوصّل إليها عام 1999 لتعزيز وحِفظ الأمن الحُدوديّ المُشترك.

أمّا السُّؤال الآخر فيتعلّق بهذا التدخّل الإسرائيليّ المُباشر لتفتيت تركيا، وقيام دولة “كردستان الكُبرى” على رُبع أراضيها الشرقيّة والجنوبيّة تحديدًا، فهل يتّخذ الرئيس أردوغان قرارات استراتيجيّة بقطع العلاقات كُلّيًّا مع العدو الإسرائيلي، ودبلوماسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا بعد أنْ أفاقَ مُتأخّرًا على مُؤامراته واختِراقاته للأمن التركيّ ومُحاولات تفتيته للتّراب الوطنيّ التركيّ؟

لا نُريد استِباق الأحداث، والإجابة عن هذين السُّؤالين المُفتَرضين المُهمّين، وكُل ما نستطيع قوله الآن استنادًا إلى مصادر مُقرّبة من روسيا، أنّ الأيّام القليلة القادمة ستشهد مُتغيّرات استراتيجيّة في الملفّين المذكورين آنفًا.. واللُه أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *