استكمال «حرب المستشفيات»: العدو يتوحش بوجه حاضنة المقاومة
غزة | أظهر مشهد الهجوم على مستشفى «كمال عدوان» في شمال قطاع غزة، أمس، أعلى مستويات الضغط الذي تمارسه قوة عسكرية مدجّجة بكل آلات القتل والخراب، تجاه مؤسسة طبية مدنية محاصرة منذ عشرين يوماً، ومزدحمة بأكثر من 160 مريضاً من الحالات البالغة الخطورة. الهجوم الإسرائيلي المفاجئ، والذي تم تحت غطاء من القصف المدفعي والجوي المركّز الذي طاول قسم العناية المركزة في المستشفى، جرى في الوقت الذي كانت فيه الطواقم الطبية تنتظر وصول قافلة من الأمم المتحدة و«منظمة الصحة العالمية»، محمّلة بكميات من وقود السولار والمستهلكات الطبية ووحدات الدم. أراد جيش العدو تنفيذ استعراض ناري على مرأى الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية، في رسالة حملت أعلى مستويات التبجّح والإصرار على تنفيذ مخطّط التهجير والإخلاء.
ومن وجهة نظر عسكرية، فإن جيش العدو «أسقط مخيم جباليا»، وفقاً لما يراه رئيس أركانه، هيرتسي هاليفي، الذي اعتبر أن «الهجوم الموسّع على شمال القطاع شلّ حماس جسدياً وأفقدها القدرة على التركيز»، علماً أن كل الأهداف التي يهاجمها الاحتلال حتى بعد مضي 20 يوماً على العملية، ليست سوى مراكز إيواء ومستشفيات مدنية ومنازل للأهالي. أما المهجرون، فهم أولئك الذين رفضوا الانصياع لأوامر الإخلاء، وكان من المفترض، وفقاً لتقديرات الجيش، أن يحثّوا الخطى سريعاً إلى جنوب القطاع. هذه الوقائع علّق عليها مسؤول كبير في جيش الاحتلال، في تصريح أدلى به إلى «القناة الـ14» العبرية، بقوله «إن حصار جباليا هو أكبر الخدع، حيث لا يُخلي السكان جنوباً في اتجاه حاجز نتساريم، بل بشكل أساسي إلى مناطق التفاح والدرج والشجاعية. وبمجرد أن نغادر جباليا، سيعودون إلى هناك ويعود الإرهاب معهم».
ولم تتوقف حفلة الاستعراض بالنار على مشهدية «كمال عدوان»؛ إذ لاحقت طائرات الـ«كواد كابتر» طواقم الإسعاف والدفاع المدني، ليلة أول من أمس، وطلبت من أفرادها ترك سياراتهم والتوجّه إلى جنوب القطاع، بعد المرور بحاجز التفتيش بالقرب من مستشفى «الإندونيسي». ولما رفض هؤلاء أوامر الإخلاء، أطلقت قوات الاحتلال في اتجاههم صواريخ عدة من طائرات الاستطلاع، ما تسبّب في إصابة ثلاثة منهم، وتوقّف عمل كل الطواقم الخدماتية. وصباح أمس، قصفت وسائط المدفعية الطابق العلوي من مستشفى «العودة» في حي تل الزعتر، فيما شنّت دبابات العدو هجوماً واسعاً على أربعة مراكز إيواء يحتمي فيها الآلاف من النازحين، وأجبرتهم على إخلاء المنطقة. وعليه، أضحت المناطق المحاصرة محرومة من الخدمة الطبية. وتبدّت الكارثة حينما ارتكبت الطائرات الحربية مجزرة بشعة، بنسف مربع سكني في شارع الهوجا، ما تسبب في استشهاد وإصابة 150 مواطناً في عشرة منازل دُمّرت على رؤوس ساكنيها الذين تُركوا ينزفون حتى الموت، من دون أن يستطيع أحد نقلهم إلى المستشفى.
أراد العدو تنفيذ استعراض على مرأى الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية لتأكيد إصراره على التهجير
وفي الطريق إلى مدينة غزة، مارس جنود العدو سادية تجاه العائلات النازحة. ووفقاً لشهادة ناجين وصلوا إلى المدينة، فقد حفر جيش الاحتلال حفرة كبيرة، وجمع فيها النساء والأطفال في فترة الظهيرة، وتعمّد إبقاءهم ثلاث ساعات بينما كان جنوده يطلقون النار والقنابل في محيطهم، قبل السماح لهم بالمرور إلى المدينة. كما تعمّد جنود العدو إطلاق الرصاص على أقدام عدد من النازحين. أما الرجال، فقد اعتدوا على بعضهم، وألبسوا آخرين أكفاناً بيضاء وزجّ بهم في حفرة، وتعمّد إرعابهم بمرور الجرافات والدبابات في محاذاتهم وإطلاق القذائف في محيطهم.
يريد العدو من كل ما تقدّم، تحقيق صورة إذلال حاضنة المقاومة التي كسرت طوال عام كامل أوامر النزوح والإخلاء، وتمترست في شمال القطاع، وأيضاً تعزيز مشاعر الإنجاز لدى الجنود. لكن الواقع يقول إن هؤلاء الذين يسعى العدو إلى كسر أنفتهم، هم المدنيون الذين من المفترض أنهم خارج نطاق القتال والاستخدام لتحقيق الأهداف. أما المقاومون، فإن المسألة معهم مغايرة تماماً، لأن هؤلاء لم يسلّموا ولم يرفعوا الراية البيضاء.
يوسف فارس