Skip to content
عبد الباري عطوان
عندما يُوجّه “حزب الله” أمْرًا (وليس تحذيرًا) بإخلاء المُستوطنين الإسرائيليين في 25 مُستوطنة في شمال فلسطين المحتلّة فورًا ودُونَ إبطاء، لأنّها أصبحت أهدافًا عسكريّةً مشروعةً للقوّة الجويّة والصّاروخيّة للمُقاومة الإسلاميّة التي يتزعّمها، فهذا موقفٌ “غير مسبوق” في تاريخ الصّراع العربيّ الصهيونيّ، يأتي ردًّا قويًّا على مُحاولات العدو نقل حرب الإبادة إلى لبنان على غِرار ما يحدث في قطاع غزة مُنذ شن هُجوم “طُوفان الأقصى” قبل ما يقرب من العام، وسيكون مُقدّمة لكتائب الرضوان لاجتياح الجليل وتحريره.
بيان الحزب كانَ دقيقًا، وسرد أسماء المُستوطنات الـ25 المُستهدفة، وجاءت هذه “الأوامر” في تزامنِ مع التّصعيد الكبير، والنّوعي، لهجماتِ الجناح العسكريّ للمُقاومة في جنوب لبنان، وفي العُمُق الفِلسطيني المُحتـل في المُدُن الرئيسيّة مِثل حيفا وتل أبيب وصفد وعكا وطبريا، وكُل أصبع الجليل المُحتـل.
هذه “الأوامر” تأتي مُـحاكـاةً، وردًّا مُـضـادًّا على نظيراتها التي يُصدرها الجيش الإسرائيلي للمُواطنين في لبنان، وقطاع غزة، لإخلاء قُراهم ومُدنهم ومُخيّماتهم قبل قصفها، وقتل وإصابة المِئات، بل والآلاف من سكّانها المدنيين العُزّل، والتذرّع بأنّه يُحرّض على أرواحِ المدنيين مُدّعيًا الالتزام بالقوانين الدوليّة، مع فارقٍ أساسيٍّ وهو أنّ جميع المُستوطنين جُنود احتياط، ونسبة كبيرة منهم من المُسلّحين.
المُقاومة الإسلاميّة في لبنان تتّبع الأُسلوب نفسه، تنفيذًا للمقولة الشّهيرة “بضاعتكم رُدّت إليكُم” ممّا يعني أنّ المرحلة الثانية والحاليّة التي أعلنت المُقاومة بدءها قبل بضعة أيّام في مُواجهة الاحتلال في لبنان، ستشمل قصف هذه المُستوطنات جميعًا، وقتل مُعظم من فيها في حالِ رفضهم الرّضوخ للأوامر في النّزوح إلى الوسط والجنوب، بعد أنْ تحوّلت مُستوطناتهم إلى ملاذاتٍ للقوّات الإسرائيليّة وقواعد عسكريّة لها لقصف المُدُن والقُرى اللبنانيّة.
نُزوج الآلاف من المُستوطنين خوفًا ورُعبًا من احتمالات التّنفيذ الوشيك جدًّا لهذه الأوامر بدأ فعليًّا، وأكّدته تقارير نشرتها بعض الصّحف، ومحطّات التّلفزة الإسرائيليّة، ومِن المُتوقّع أن يتجاوز عدد النّازحين من مُستوطنات ومُدُن وقُرى الشّمال المُحتل حاجز المائتيّ ألف في غُضونِ أيّامٍ قليلة، ممّا يعني أنّ حرب نتنياهو التي شنّها قبل بضعة أسابيع على لبنان لم تُحقّق أي من أهدافها، وخاصَّةً خلق مِنطقة حُدوديّة عازلة على طُول الحُدود اللبنانيّة، ونزْع سِلاح حزب الله، والأخطر من ذلك أنّها أعطت نتائج عكسيّة في المِلف الأهم، فبدلًا من عودة النّازحين إلى مُستوطناتهم في شمال الجليل المُحتل أدّت إلى تهجير، وربّما قتل من تبقّى منهم.
من غرائب الصّدف أنّ هذا التّصعيد النوعيّ المدروس للمُقاومة الإسلاميّة في لبنان وعمليّاتها الشُّجاعة والمُتقنة التّنفيذ، لم يأتِ فقط بعد تعاظُم الخسائر الإسرائيليّة البشريّة والماديّة في الجبهة اللبنانيّة، وإنّما أيضًا في تزامنٍ مع تطوّرين مُهمّين:
- الأوّل: عمليّة الدّهس الاستشهاديّة التي نفّذها اليوم المُجاهد العربي الفِلسطيني رامي ناطور من أبناء بلدة قلنسوة في فلسطين المحتلة عام 1948، وأدّت إلى مقتل مُستوطن وإصابة 36 آخرين، ووقعت العمليّة في قلبِ تل أبيب، وبالقُرب من قاعدة غليلوت مقر “الموساد” والوحدة الاستخباريّة 8200، ممّا يعني أنّ أهلنا في هذه المناطق كثّفوا مُسانداتهم لأهلهم في غزة ولبنان.
- الثاني: هزالة الرّد العُدواني الإسرائيلي المسرحي على إيران فجر يوم السبت، وتصدّي الدّفاعات الجويّة والأرضيّة الإيرانيّة له بكفاءةٍ عاليةٍ جدًّا، وفشله بالتّالي في تحقيق أي من أهدافه، ولم يُؤد إلّا لاستِشهاد أربعة جُنود إيرانيين فقط، وفوق هذا وذاك بثّ الرّعب في نُفوس الإسرائيليين عسكرًا ومدنيين من احتمالات الرّد الإيراني المشروع على هذا العُدوان، ولعلّ إصدار الجيش الإسرائيلي تعليمات بعدم تجمّع الجُنود بكثرةٍ في قواعدهم العسكريّة خوفًا من هذا الرّد، وتجنّبًا لما حدث عندما قصفت صواريخ ومُسيّرات حزب الله لقاعدة وحدة غولاني الخاصّة في أطراف مِنطقة حيفا حيث قُتل وأُصيب العشَرات من جُنود هذه الوحدة، هو أحد الأدلّة التي تُؤكّد ما ذكرناه آنفًا.
لم نُبالغ مُطلقًا عندما قُلنا في مقالاتٍ سابقة إنّ نتنياهو وتابعيه غالانت (وزير الحرب)، وهاليفي (قائد الجيش) سيندمون ندمًا شديدًا، وسيبكون دمًا على قرارهم باغتيال سيّد شُهداء المُقاومة حسن نصر الله وأركان النّخبة العسكريّة والسياسيّة للمُقاومة الإسلاميّة، وها هي الأيّام القليلة الماضية والخسائر الكبيرة والمُتواصلة التي وقعت في صُفوف قوّات الاحتلال على أيدي رجال حزب الله تحت راية قيادته الجديدة، تدفع الجنرال هاليفي بالتّصريح بأنّ الحرب في لبنان قد تنتهي في غُضون أُسبوع أو أُسبوعين، إنّه موسم الهُروب الإسرائيلي الكبير، والوشيك، من لبنان وغزة، واعترافًا بالهزيمة.. والأيّام بيننا.