مقالات

سهل الخيام «مش سهل»

ناصر قنديل

– بالرغم من كل الضجيج السياسي والحديث عن مبادرات وأوراق يجري إعدادها للمفاوضات، فإن الحدث الرئيسي لا يزال هو ما يجري في الميدان، حيث لم يتلق الاحتلال ما يكفي من الضربات لجعله يسلّم بالفشل في الحملة البرية والاستعداد لدفع ثمن وقف إطلاق النار، وقد تلقى من الضربات ما جعله يسلم بعدم واقعية التمسك بشروطه السابقة حول الحصول على امتيازات أمنية على حساب السيادة اللبنانية، من نوع حرية انتهاك الأجواء والمياه اللبنانية، وحرية تسيير دوريات في عمق كيلومترات من الأراضي اللبنانية، وطي صفحة الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة، واستبدالها بالدعوة لمقايضة وقف عملية برية فاشلة بآليات حصار بري وبحري وجوي تحت شعار التحقق من عدم تزوّد المقاومة بالأسلحة.
– ما يؤكد أن الاحتلال لم ينضج بعد للسياسة، هو من جهة طروحاته غير القابلة للبحث شكلاً ومضموناً، والناتجة عن أوهام قوة، يعتقد أن المفاوض اللبناني لا ينتبه الى ما أصابها من وهن، ومن جهة مقابلة إقدام الاحتلال على حملة برية جديدة بوهم القدرة على إنجاز، تمثلت بما شهدته منطقة الخيام من محاولات تقدم واسعة النطاق ومتعددة الاتجاهات. وفي المجالين الأمني والسياسي، لا ينتبه الاحتلال أنه يواجه في المفاوضات رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو المفاوض نفسه الذي واجهه في حرب تموز 2006، والذي كان خير قارئ للميدان وعلاقته بالأطروحات التفاوضية، وليس من باب الصدفة أن هذا المشهد الميداني وهذا المشهد التفاوضي يستعيدان ما جرى في حرب تموز 2006 والمفاوضات التي كانت دائرة على هامشها.
– بالعودة إلى ما جرى تدوينه من يوميات حرب تموز 2006، نستعيد يوميات اليوم الثلاثين، وفيها فقرات جديرة بالاستعادة، أبرزها، حيث ورد في اليوميات، “اليوم الثلاثون للحرب كان «يوم الميركافا»، فقد تمكّنت المقاومة الإسلامية من قتل 18 ضابطاً وجندياً إسرائيلياً، وتدمير خمس عشرة دبابة من نوع «ميركافا» في المواجهات التي خاضتها مع القوات الإسرائيلية في مختلف المحاور في القرى الجنوبية الأمامية، ولا سيما في سهل الخيام ـ مرجعيون. وشهدت الأطراف الشرقية لبلدة مركبا أعنف المواجهات مع قوات الاحتلال. واندلعت اشتباكات عنيفة سقط للعدو فيها عشرة جنود قتلى بينهم أربعة سقطوا داخل دبابة ميركافا استهدفها المقاومون”. ومن جهة مقابلة ورد في اليوميات، “لم يتوصّل مجلس الأمن إلى اتفاق بشأن المشروع الأميركي ـ الفرنسي بصيغته الأخيرة، ورفض لبنان الاقتراحات التي تضمّنها المشروع والمتعلقة بالانسحاب المتزامن للقوات الإسرائيلية والبند السابع المتعلق بالقوات الدولية، وتمسّك الأميركيون بمزارع شبعا وفرض رقابة دولية على المرافئ البحرية والجوية والنقاط الحدودية البرية وإهمال قضية تبادل الأسرى”.
– نحن عملياً، في اليوم الثلاثين من حرب تموز التي توقفت في يومها الثالث والثلاثين، عندما وصل الكيان إلى اليقين بالفشل المحتوم والعجز عن تحمل كلفة الاستمرار بدفع ضريبة المزيد من الفشل. وقد نحتاج هذه المرة إلى أكثر من الأيام الثلاثة التي أعقبت اليوم الثلاثين للحرب عام 2006، لكننا على الطريق إلى ذلك، في ضوء السقوف التي بلغها الكيان في خوض الحرب والأوهام التي سكنت عقول قادته في ضوء الضربات التي وجهها للمقاومة، خصوصاً أن التسليم بالهزيمة هذه المرّة هو تسليم أخير لا أعذار بعدها تشبه أعذار الفشل في حرب تموز والوعد بخطط لتفاديها في حرب مقبلة، فقد وضعت الخطط وطبقت، والأميركي نزل بكل قوته في الحرب، والفشل هو تحول استراتيجي كبير وتاريخي في توازنات المنطقة والعالم، ولهذا زج الكيان بكل جيشه واستخباراته في هذه الحرب، ورمت أميركا بثقلها للفوز بها.
– الخط البياني الصاعد لجيش الاحتلال انتهى، وخط الانحدار يتواصل، وما جرى على جبهة عيتا الشعب كمركز ثقل لمحاور عمل الفرقة 36 التي تمثل فرقة النخبة في جيش الاحتلال، وتضمّ ألوية مثل لواء جولاني واللواء المدرع السابع، يجري الآن مع الفرقة 98 التي تمثل ثقل قوات النخبة الموازي للفرقة 36، وفيها وحدات كوماندوز وألوية مظليين ولواء ميركافا، بينما سائر الفرق هي فرق الاحتياط، وإصابة الفرقة 98 بما أصاب الفرقة 36 يشكل نقطة التحول المطلوبة في الحرب ليبدأ الاحتلال بالتسليم بالوقائع الجديدة. وها هو سهل الخيام يقول كلمته كما قالها في 2006، مؤكداً بكلمة واحدة، أن سهل الخيام “مش سهل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *