مقالات

هل يعكس خطاب خامنئي التاريخي الأخطر بإحياء المقاومة السورية وتعزيز العربية تغييرا في الاستراتيجية الايرانية وقلقا من عدوان ثلاثي لتغيير النظام على الطريقة السورية؟ وهل نتوقع تسريع الردع النووي؟ وجهة نظر مختلفة

عبد الباري عطوان

الخطاب التاريخي الذي القاه اليوم الأربعاء السيد علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية يرسم بدقة احتمالات رد إيراني قوي على الزلزال الثلاثي الأمريكي الإسرائيلي التركي الذي ضرب حلف المقاومة في مقتل، أي اسقاط احد أبرز قواعده، وهو النظام القومي البعثي برئاسة بشار الأسد في سورية، ودون اطلاق رصاصة واحدة.

قبل تحليل هذا الخطاب، وتسليط الأضواء على أهم فقراته، والأسباب التي أدت الى هذه الضربة الصاعقة لمحور المقاومة وزعيمته ايران، وكيفية التعاطي مع نتائجها، وطبخات السموم الامريكية الإسرائيلية التي يتم اعدادها للمنطقة وشعوبها، لا بد من التوقف رصدا وشرحا عند النقاط التالية:

  • أولا: أكد السيد خامنئي أن ما حدث في سورية جرى التخطيط له في غرف القيادة الامريكية والإسرائيلية، وأشار الى ان هناك دولة جارة لعبت دورا مكشوفا فيما يحدث وما زالت تؤدي هذا الدور دون ان يحدد إسمها، أي تركيا، ولا نعرف لماذا لم يقل ذلك صراحة.
  • ثانيا: المرشد الأعلى كشف انه جرى إبلاغ القيادة السورية (الأسد) قبل أشهر بتفاصيل هذا المخطط، والسؤال الذي يطرح نفسه هو عن أسباب عدم الاستعداد لمواجهته وإحباطه من قبل محور المقاومة وأذرعه بقيادة الدولة الإيرانية من خلال ضربة إستباقية؟
  • ثالثا: اعترافه بأن من أبرز الدروس المستخلصة من عملية اجتياح سورية، وإسقاط النظام في دمشق هو الغفلة، والخداع، وتجاهل ابتسامات العدو التي تخفي انيابا، مضافا الى ذلك تحركه سريعا وبشكل مفاجئ لتحقيق أهدافه، وهذا الاعتراف يعكس شجاعة ونقدا ذاتيا غير متعارف عليه في عالمنا الإسلامي، ويعكس في رأينا نوايا للمراجعة والتعاطي مع الأخطاء بنوايا جدية.
  • رابعا: سورية تعرضت لهذا العدوان لأن رئيسها بشار الأسد، ووفق أكثر من مصدر سياسي وإعلامي امريكي رفض عرضا أمريكيا مغريا بالتخلي عن ايران وفك الارتباط معها ومحور المقاومة مقابل رفع فوري للحصار عن سورية، وبدء عملية إعادة الاعمار فورا، ونتمنى ان نسمع وجهة نظر القيادة الإيرانية في هذا المجال.

كان لافتا في هذا الخطاب تركيز السيد خامنئي على ان قوة المقاومة ستتسع اكثر من السابق في المستقبل المنظور، وان هدفها الأكبر هو التصدي لأمريكا ومخططاتها في المنطقة التي ترفض شعوبها ان يستعبدها الامريكان، وتوعد في الوقت نفسه بأن أمريكا لن تجد موطئ قدم في المنطقة، مؤكدا ان ايران ما زالت قوية ومتينة، ومشيرا الى ان القبضة الحديدية لحزب الله باتت اقوى من الماضي رغم كل الضربات غير المسبوقة في التاريخ، وكرر الشيء نفسه بالإشادة بالصمود الإعجازي للفصائل الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي) مختتما هذه الفقرة بالتأكيد على “ان المقاومة هي المقاومة وستتوسع لتشمل المنطقة بأسرها، وان الشباب السوري الغيور سيحرر جميع الأراضي التي احتلها العدو وسيواجه هذه الاعتداءات وسينتصر على اعدائه”، وهذا يعني من الوهلة الأولى ان هناك “صحوة إيرانية” واستعدادا للانتقال الى مرحلة تأسيس ودعم مقاومة سورية جديدة ربما في الأسابيع والاشهر المقبلة، وزعزعة استقرار النظام السوري الجديد.

السيد الخامنئي هو صاحب القرار الأول والأخير في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وخطابه هذا هو الأخطر، ومن غير المستبعد ان الخطاب الذي جرى الترويج له مبكرا، يعكس وجود خطة إيرانية محكمة للرد على هذه الانتكاسة الكبيرة لمحور المقاومة في سورية ولبنان الامر الذي يتطلب من أنصار هذا المحور اجراء مراجعات جذرية للمرحلة السابقة استنادا الى المحاور التالية:

  • أولا: ايران ستكون الهدف التالي للعدوان الثلاثي الأمريكي الإسرائيلي التركي الذي أطاح بالنظام السوري، ونتنياهو قال ذلك صراحة بأن قرار وقف اطلاق النار في لبنان “ليس نهاية للحرب، وانما “اتفاق عمره قصير” الهدف منه التفرغ لمواجهة ايران وحركة حماس في قطاع غزة”.
  • ثانيا: تدمير القدرات العسكرية السورية الاستراتيجية بعد يومين من سقوط النظام السوري، واحتلال جبل الشيخ، يعكس عدم ثقة نتنياهو بصمود النظام الجديد، وتحسبا لعودة مقاومة سورية مختلفة ومقاتلة وسريعة الرد، وإلغاء عبارة الرد في المكان والزمان المناسبين من قاموسها.
  • ثالثا: ايران مطالبة بمراجعة ترددها في انتاج أسلحة نووية لردع أي عدوان إسرائيلي امريكي مستقبلي، فالعدوان الثلاثي على سورية بات يشّرع هذا التوجه، وتعديل الفتوى التي صدرت عن المرشد الأعلى بتحريم انتاج أسلحة نووية.
  • رابعا: ايران الإسلامية تحلت دائما بضبط النفس، ورفعت شعار التمسك بالصبر الاستراتيجي، ولكن بعد العدوان على سورية وإسقاط نظامها وفي تحرك عسكري سريع التنفيذ، واخذ محور المقاومة بعنصر المفاجأة، باتت هذه الاستراتيجية بحاجة الى تحديث لإعطائها نتائج عكسية، ولا بد من الرد بسلاح المفاجأة أيضا، وبضربات استباقية اذا لزم الامر، لان الذين يقفون خلف هذا العدوان الثلاثي، وخططوا له في الغرف المغلقة، اعتقدوا ان عدم الرد واخذ زمام المبادرة بسرعة هو دليل ضعف والخوف من الحرب، وغياب الارادة العسكرية.

ختاما نقول ان حملات التضليل الإعلامي الشرسة التي أخفت الأهداف الحقيقية للعدوان على سورية من خلال التركيز على سجن صيدنايا، وقصص التعذيب فيه عمرها قصير، فالنار ما زالت تحت رماد هزيمة محور المقاومة في سورية، فالاستفزازات الإسرائيلية المهينة للعرب والمسلمين مستمرة، وعملية قضم الأراضي السورية إسرائيليا وتركيا مستمرة ايضا، وتزداد قوة الامر الذي سيحتم ردة فعل مقاومة قوية جدا واكثر نضجا وتبصرا ربما تتجسد في الأيام والاسابيع والشهور المقبلة، فالشعب المصري رد فورا على هزيمة 1967 بقوة وشجاعة بإشعال فتيل حرب الاستنزاف، والمقاومة الفلسطينية لاحتلال إسرائيل غزة بدأت بعد أسابيع محدودة، واسلحة بدائية، وإرادة قوية، والشيء نفسه تكرر في لبنان بعد اجتياح عام 1982 ونجحت المقاومة في تحرير جنوبه واجبار العدو الإسرائيلي بالهروب ووقف الحرب تقليصا لخسائره البشرية، ودون أي اتفاق.

مواجهة مشروع الشرق الأوسط الإسرائيلي الجديد، لا يمكن إفشاله وهزيمته الا بالمقاومة وتصعيدها وتوسيعها في ظل التواطؤ الرسمي العربي والتركي، والتبني الأمريكي الفاضح له، وربما يفيد التذكير بأن العدوان الثلاثي على سورية جاء بعد أسبوعين من رفض قيادتها الرضوخ للتهديدات الإسرائيلية بمنع وصول أسلحة إيرانية الى حزب الله في لبنان عبر أراضيها.

الغالبية الساحقة من حركات المقاومة في العالم انتصرت على القوى المحتلة لأراضي بلادها، والمقاومة العربية الإسلامية القديمة والجديدة، ستنتصر حتما.. والأيام بيننا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *