مقالات

اتفاق في غزة بعد لبنان والحرب الوجودية

ناصر قنديل

– يحتاج بنيامين نتنياهو إلى الاستعراض الإعلاميّ في المشهد السوريّ إضافة للوظائف التي تؤدّيها الاعتداءات، سواء بنيّات توسعيّة أو في تدمير أيّ قدرات قتالية للجيش السوري تلغي مبرّر بقائه كجيش محترف وتسهّل مهمة بنائه كتجمّع فصائل مسلحة من جهة، وتعيد تنظيم الجيش وتسليحه ضمن المنظومة الغربية وتقطع كل صلة له بالمنظومة الشرقية من جهة أخرى، وتجعله كما كل جيوش المنطقة التي يرعى الغرب تشكيلها معدّة فقط لمواجهة الداخل وليس لردّ خطر عدوان إسرائيلي، والحاجة للاستعراض تنبع من الحاجة إلى إقفال ملف الحرب على غزة بعد الحرب على لبنان، وما يتيحه المشهد السوريّ من فرصة لخطف الأضواء تخفض التركيز على حقيقة أن إيقاف الحرب يتمّ دون القضاء على المقاومة.

– القضية المحوريّة في العقل الاستراتيجيّ لكيان الاحتلال ونخبه هي التهديد الوجودي الذي مثلته المقاومة في غزة ولبنان، ومصدر التهديد ليس وجود مشروع عمليّ لإزالة كيان الاحتلال، والمقاومة في غزة ولبنان لم تمتلك يوماً مثل هذا المشروع، ولا ادعت ذلك يوماً، لكن الكيان الذي أجبرته المقاومة على الانسحاب من لبنان وتالياً من غزة، بنى نظرية للأمن سوّقها بين مستوطنيه قوامها أن هذه الانسحابات هي تخلّص من مخاطر الاحتكاك الذي كان مصدراً للاستنزاف، وأنه بالإمكان إدارة العلاقة مع وجود قوى مقاومة مسلحة على الحدود الشمالية والجنوبية من خلال قوة الردع.

– عندما انتهت حرب تموز 2006 بالفشل في القضاء على المقاومة في لبنان، ومثلها حروب غزة المتكرّرة، كان الطلب على نظرية الردع وقواعد الاشتباك ضرورة توازن الوعي في الكيان، نفياً لوجود خطر تهديد وجودي، وكتب كثير من المقالات والدراسات التي تتحدث عن القدرة على احتواء هذه المقدرات العسكرية الموجودة على الحدود، مرة عبر الحديث عن إغراقها بغنائم السلطة في غزة، وتطويقها بنزاعات الطوائف في لبنان، وكان أهم ما فعله طوفان الأقصى ومثله جبهة الإسناد من لبنان، هو القول للعقل الجمعيّ الاستراتيجيّ في الكيان، أن على الكيان أن يختار بين حرب يستطيع عبرها القضاء على هذه القوى، أو أن يستسلم لفكرة «التساكن والتعايش مع قوى مقاومة مسلّحة على الحدود شمالاً وجنوباً، يمكنها في أي وقت تراه هي مناسباً لحساباتها وظروفها وعقيدتها ومقدراتها، أن تشن هجوماً على المناطق المحتلة عام 1948 والتي تسمى دولياً بـ»أرض إسرائيل»، وتهز الأمن الوجودي للمستوطنين وتهجرهم، وتظهر هشاشة قوة الردع الإسرائيلية، وتطعن بأهلية الجيش وقدرته على توفير الحماية، وهذا هو التهديد الوجودي بعينه».

– خرجت «إسرائيل» إلى الحرب على غزة ولبنان وقد أسمتها بوعي كامل بالحرب الوجودية، وبالرغم من كل ما يحاول بنيامين نتنياهو من تسويقه من مكاسب لحرب لبنان وغزة، سواء في حجم التدمير في قدرات المقاومة أو في قتل قادتها، فهو يعلم أنّه لا يستطيع التحدث عن إنهاء مقاومة لبنان وفقاً لاتفاق وقف النار، ولن يستطيع مهما كانت شروط اتفاق غزة الادعاء بأنه قام بإنهاء مقاومة غزة، وهذا يعني العودة الى المربع الأول، «التساكن والتعايش مع قوى مقاومة مسلّحة شمالاً وجنوباً، يمكنها في أي وقت تراه هي مناسباً لحساباتها وظروفها وعقيدتها ومقدراتها، أن تشنّ هجوماً على المناطق المحتلة عام 1948 والتي تسمى دولياً بـ «أرض إسرائيل»، وتهز الأمن الوجودي للمستوطنين وتهجرهم، وتظهر هشاشة قوة الردع الاسرائيلية، وتطعن بأهلية الجيش وقدرته على توفير الحماية، وهذا هو التهديد الوجودي بعينه».

– المشكلة التي يواجهها الكيان هي أنه يدرك أسباب الفشل، وجوهرها موت الروح في جيش الاحتلال، وهذا داء لا دواء له، خصوصاً إذا كان تعبيراً عن المأزق الوجودي ذاته، وعلامة من علامات الشيخوخة وما قبل الأفول، ويعلم أن ما توفر له في حربي غزة ولبنان هذه المرة من فرص يستحيل توافر مثله مجدداً، وأن ما خسره في هذه الحروب عالمياً في سمعته ونظرة شعوب الغرب نحوه يستحيل ترميمه، وأن ما ينتظره بعد انتهاء الحروب، وفقاً لما توقعته مجلة الفورين أفيرز الأميركية، هو انتحار مشروع اليمين الدينيّ المتطرف، إما بإعلان حكومة انفصالية في الضفة الغربية، أو بحرب أهلية، أو بذبول اقتصادي وشعبي ينتج مشروع دولة فاشلة، ولن يفيد بمنع حدوث ذلك الاحتفال بما يجري في سورية، بعدما صارت المقاومة في غزة ولبنان تملك عقولاً قادرة على التصنيع والاكتفاء الذاتي خصوصاً في أسلحة صغيرة وفعالة لا تحتاج خطوط إمداد، قادرة على تغيير اتجاه الحرب، مثل الطائرات المسيّرة وصواريخ الكورنيت المعدّلة عند حزب الله، وعبوات الشواظ وقنّاصات الغول وقذائف الياسين في غزة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *