أخبار عربية ودولية

فنّانو غزة هدفاً للعدو: حتى لا تصل الكلمة

غزة | لم يسلم الشعراء والفنانون من صواريخ الاحتلال الإسرائيلي وقذائفه، والتي يسقطها على قطاع غزة ليل نهار. فقد عمد العدو إلى اغتيال العديد من هؤلاء واستهدافهم بشكل مباشر، ليفوق عدد الشهداء منهم الأربعين، وفقاً لوزارة الثقافة الفلسطينية. ومنذ أن بدأت حرب الإبادة على القطاع في 7 تشرين الأول من العام الماضي، سعى بعض الشعراء والفنانين إلى رواية قصص الشهداء بأقلامهم، ورثائهم بأصواتهم وحناجرهم، فيما نعى آخرون أنفسهم قبل ارتقائهم. ومن بينهم، الشاعر والأكاديمي رفعت العرعير، الذي كتب قصيدة باللغة الإنكليزية، قال في مطلعها: «إذا كان لا بدّ أن أموت… فلا بد أن تعيش أنت لتروي حكايتي»، علماً أن الاحتلال الإسرائيلي أنهى حياته بالفعل إثر استهدافه إياه في السابع من كانون الأول 2023. وكان الشهيد العرعير قد ساهم في تأسيس صفحة «شهداء غزة»، والتي حملت تعريف «لأنهم ليسوا أرقاماً، هُنا نحكي قصة الشهداء، حياتهم، ذكرياتهم، أحلامهم»، وقال إن الهدف من إنشائها هو توثيق صور الشهداء وقصصهم باللغتين العربية والإنكليزية، والأخيرة هي التي استخدمها أداةً لنقل الأفكار والقصص خارج أسوار الحصار الذي يفرضه الاحتلال على غزة.
أما الأديبة هبة أبو ندى، التي كتبت الشعر والقصة والرواية، فلم تتوانَ للحظة واحدة عن الكتابة عمّا يحدث من عدوان وإبادة للشعب الفلسطيني في القطاع، حتى أضحت منشوراتها الأكثر والأوسع انتشاراً. وكانت أبو ندى قد قالت في آخر منشور لها على صفحتها في «فيسبوك» في 20 تشرين الأول 2023: «نحنُ في غزة عند الله بين شهيد وشاهد على التحرير، وكلنا ننتظر أين سنكون، كلنا ننتظر، اللهم وعدك الحق»، قبل أن ترتقي روحها برفقة عائلتها في اليوم نفسه، إثر استهداف طائرات العدو الحربية منزلهم في مدينة غزة. وحصلت أبو ندى على عدة جوائز؛ أهمها «جائزة الشارقة للإبداع العربي» عام 2017، عن روايتها «الأوكسجين ليس للموتى»، فيما شاركت في عدة إصدارات شعرية، من بينها «العصف المأكول».
ولإيمانه بعدالة القضية الفلسطينية، واصل الفنان الكوميدي، علي نسمان، بدوره، نشر مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي خلال المحرقة الإسرائيلية في غزة. وعلى مدار الأيام الستة الأولى من الحرب، نقل بكاميرا هاتفه المحمول المجازر التي ترتكب بحق الغزيين وسعي الاحتلال إلى تهجيرهم من أرضهم. وفي يوم الجمعة 13/10/2023، كتب على إحدى صفحاته: «الجمعة موعد الصادقين»، ليرتقي شهيداً عصر ذلك اليوم في استهداف مباشر وهو على دراجته النارية في أحد شوارع مدينة غزة. والفنان نسمان ممثل كوميدي ساخر، شارك في عدد من المسلسلات الفلسطينية؛ من بينها «بوابة السماء» و«الروح»، بينما كانت مشاركاته الأخيرة على صفحاته (الفيسبوك والإنستغرام) تؤكد «حتمية النصر أو الشهادة»، وأن «الشعب الفلسطيني لا يخاف ولا يفزع وسيواجه بكل قوة».
وفي الثاني من أيلول 2024، ارتقى الشاعر والممثل رشاد أبو سخيلة، بعدما اغتالته طائرات الاحتلال أمام مدرسة «الفاخورة» في مخيم جباليا شمال القطاع. وفي أحد اللقاءات الإعلامية، قال الشهيد أبو سخيلة عن ديوانه الشعري «حروف التراب»، والذي صدر عام 2020، إن «الشعر عبارة عن شعور، وبسبب الاحتلال والواقع السياسي المؤلم، خرجت قصائدي السياسية مكتوبة بإحساس مرهف، والجانب الروحاني هو علاقتي واتصالي بالله، ديوان مختلط بين الإيمان والوطن»، علماً أنه حاز، بفضل ذلك الديوان، لقب أصغر شاعر فلسطيني يصدر ديواناً مؤلفاً من 27 قصيدة. وقد اشتهر أبو سخيلة ببطولة المسلسل الدرامي الفلسطيني «قبضة الأحرار 2022»، وهو مسلسل ثوري مقاوم، يتحدث عن الصراع الفلسطيني مع الاستخبارات الإسرائيلية، وترجم إلى عدة لغات لتصل رسالته إلى جميع أنحاء العالم.
أما المنشد حمزة أبو قينص، الذي استشهد في تشرين الأول 2024 إثر استهدافه من قبل طائرات الاحتلال، فقد عرف براثي الشهداء، بعدما لامست أناشيده التي جاءت ضمن ألبوم أعدّه قبل الحرب بعنوان «القابضون على الجمر»، قلوب المكلومين. ومن بين محتويات الألبوم، «فاض الحنين» و«ذاب اشتياقاً قلبي»، وغيرها من أناشيد الرثاء التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كونها تعبر عمّا في أفئدة الغزيين الذين يعانون ويلات الفقد. ويرى صديق أبو قينص المقرّب، أسامة قاسم، أن تفاعل الملايين مع استشهاد أبو قينص «جاء لصدقه وصدق ما غنّى، فقد كان صاحب رسالة، وأناشيده كانت تترجم حال العامة من الفاقدين والجرحى والمكلومين»، لافتاً إلى أن الشهيد كان ينوي الإعلان عن ألبوم «القابضون على الجمر» في احتفال كبير، لكن الحرب حالت دون ذلك، فقرر مع قاسم نشر أناشيد الألبوم خلال هذه الحرب، لتلاقي «رواجاً وتداولاً كبيراً». وارتبط صوت أبو قينص بأغنيتي «سبّل عيونو» و«قل لي وين رايح مسك منو فايح»، اللتين انتشرتا بين الناس كالنار في الهشيم.
وإزاء ما تقدّم، يقول الفنان خالد النعيزي عضو مجلس رابطة الفنانين الفلسطينيين، إن الاحتلال الإسرائيلي عمد إلى اغتيال الفنانين والشعراء واستهدافهم وعائلاتهم بشكل مباشر، لافتاً، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن الفن الفلسطيني يشكّل «أحد أشكال المقاومة التي تعمل جنباً إلى جنب المقاومة بالسلاح والبندقية». ويضيف: «دأب العديد من الفنانين والشعراء والأدباء على الحديث عن قضية شعبهم ومعاناته جراء المجازر التي تمارس بحقه، بكلماتهم ورسائلهم المصورة وأناشيدهم، فضلاً عن مسرحياتهم التي تروّح عن الأطفال النازحين في مراكز الإيواء»، لافتاً إلى أن الاحتلال «استهدف مقر رابطة الفنانين الفلسطينيين وسوّاه بالأرض، بما فيه من معدّات واستوديوات ومستلزمات فنية كاملة»، و«قضى على ما يزيد على مئة من الفنانين والكتّاب والشعراء، لإيمانهم العميق بأن الفن مقاومة لا تقلّ ضراوة عن السلاح».
—–
إنسرت:
عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى اغتيال الفنانين والشعراء واستهدافهم وعائلاتهم بشكل مباشر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *