تحفّظ مصري على الانفتاح العربي | القاهرة – دمشق: الطريق غير سالكة
القاهرة | تمثّل العلاقات بين مصر والنظام السوري الجديد إحدى المساحات الدبلوماسية التي تشهد الكثير من الحذر والترقّب؛ إذ تتعامل القاهرة مع الواقع السوري القائم باعتباره «نتاجاً لسنوات من الاضطراب والانهيار المؤسّسي، لا كتعبير عن استقرار فعلي أو استعادة حقيقية للدولة»، بحسب ما تقوله مصادر دبلوماسية مصرية في حديث إلى «الأخبار»، لافتة إلى أنّ النظام الجديد لا يزال من وجهة النظر المصرية «نظام ضرورة فرضته الوقائع على الأرض بفعل دعم حلفاء إقليميين ودوليين، وتآكل البدائل السياسية، أكثر ممّا جاء نتيجة توافق داخلي أو عملية سياسية شاملة».
وخلافاً لبعض العواصم العربية، لم تندفع القاهرة نحو مسار تطبيع كامل وسريع مع الإدارة الجديدة، وأبقت على «خطوات محدودة ومدروسة» في التواصل معها. وتعزو المصادر هذا التريّث إلى عدد من العوامل، أبرزها أنّ مصر «لا تمتلك أوراقاً فاعلة يمكن أن تضيف عبرها شرعية حقيقية للنظام السوري، وبالتالي لا ترى في تسريع الانخراط فائدة إستراتيجية»، مضيفة أنّ ثمة «تباينات» في الرؤية بين الجانبين، خصوصاً في ما يتعلّق بـ«كيفية» تعامل دمشق مع هيكلية الجيش الجديدة، والتي ترى فيها القاهرة «مساراً قد يضرّ بالأمن القومي السوري ويزيد من هشاشة الوضع بدلاً من تقويته».
كذلك، ترى مصر أنّ النظام السوري، رغم محاولاته المستمرّة إظهار القوة والاستقرار أمام المجتمع الدولي، لا يزال «ممزّقاً بين مناطق نفوذ متعدّدة، ونُخب سياسية وعسكرية لا تزال غير متوافقة»، «ورهين مصالح إقليمية ودولية متشابكة، وهو ما يُفقده قدرته على التصرف بحرية ويضعف من استقلال قراراته».
لا تعتقد مصر أنّ النظام السوري قادر في هذه المرحلة على تمرير ملف التطبيع مع إسرائيل
وفي هذا الإطار، تراقب القاهرة عن كثب مسار الدعم الخليجي، لا سيّما من السعودية وقطر للنظام الجديد، وما قد يفضي إليه «من تغيّرات في التوازنات داخل سوريا، وتأثير ذلك على ملفَّي اللاجئين والتنظيمات المسلحة، وهي ملفات ترتبط بشكل مباشر بالأمن القومي المصري»، وفقاً للمصادر. ورغم الاهتمام المصري بمستقبل سوريا، إلا أنّ العلاقات بين القاهرة ودمشق لا تزال عند الحدّ الأدنى، سواء على مستوى الزيارات الرسمية أو المشاورات السياسية، والتي عُقِد آخرها على هامش منتدى أوسلو، إذ اجتمع وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع نظيره السوري أسعد الشيباني، في لقاء لم يخرج عن الطابع البروتوكولي.
ويأتي ذلك في ظلّ «تحفّظ» القاهرة على مسار التطبيع المتسارع الذي تنتهجه بعض العواصم العربية مع دمشق، والذي تعتبر أنه «يفتقر إلى الضمانات، وقد ينعكس سلباً على مستقبل التسوية في سوريا، إذا ما تم القفز فوق الملفات الجوهرية المتعلّقة بالعدالة الانتقالية، وإعادة بناء الدولة، ودمج السوريين ضمن مشروع وطني جامع».
وإلى جانب ما تقدّم، لا تعتقد مصر أنّ النظام السوري قادر في هذه المرحلة على تمرير ملف التطبيع مع إسرائيل، نظراً إلى أنه «يفتقر إلى الغطاء الشعبي والمؤسّساتي الذي يتيح له اتّخاذ قرارات من هذا النوع من دون أن يواجه تبعات داخلية خطيرة». ومع ذلك، تبدي القاهرة «تفهّمها» لكون هذه المحاولات مندرجة في إطار «سعي دمشق إلى الحصول على غطاء دولي يسمح لها بالاستمرار، وتقديم أوراق اعتمادها من جديد أمام الغرب باعتبارها جزءاً من «محور الاستقرار»».
الأخبار