قائد الجيش بعد التمديد: انتهاء صيغة المرشح الثالث
حتى الآن، ومع الضغط المتزايد للتمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، أصبح الأخير في نظر رافضي التمديد مرشحاً رئاسياً طرفاً وليس مرشح الخيار الثالث، ما يعني تغيّراً في المعادلة الداخلية والخارجية
رغم أن الاتجاهات الإقليمية، منذ حرب غزة، حوّلت الوضع اللبناني إلى مكان أكثر خطورة، إلا أن الانغماس المحلي في اليوميات السياسية أعطى الأولوية للتمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون. وزاد هذا الملف أهمية الانقسام الحاد بين التيار الوطني الحر والقوى المؤيّدة للتمديد، بعدما تعامل معه الطرفان على أنه حد فاصل بين مرحلتين.حتى الآن، بُنيت سردية المدافعين عن ترشيح قائد الجيش ومن يدعمون حملته الرئاسية محلياً، على أنه خيار رئاسي ثالث بين رئيس تيار المردة سليمان فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور. وحين بدأت قطر تروّج لحملة الخيار الثالث، كان عون على رأس اللائحة كمرشح خارج إطار المنافسة بين فريق حزب الله والمؤيّدين له وبين معارضيه والتيار الوطني الحر. استند المدافعون عن هذا الخيار إلى أن قائد الجيش خارج الاصطفافات المحلية الحزبية، وأن عون الذي عيّنه الرئيس السابق ميشال عون، برهن أنه بعيد عن التجاذبات السياسية. ورغم ما كان متداولاً حول جواز وصوله من دون تعديل دستوري كما كانت حال قائد الجيش السابق ميشال سليمان، بقي عون مرشح الخيار الثالث، مع دعم واضح من بعض القوى السياسية له، وعداء مطلق من التيار الوطني الحر، مرشحاً وقائداً ممدّداً له. ومنذ ما قبل انتهاء عهد الرئيس عون، بقيت سهام التيار الوطني الحر تصل إلى اليرزة، التي تأرجحت في الأسابيع الأخيرة، بحسب بورصة الضغوط، بين اطمئنان إلى التمديد وتهيّب لاستحقاق قد لا يكون بالسهولة المتوقّعة.
يمكن لقائد الجيش أن يعزو الفضل في ارتفاع أسهم التمديد إلى حرب غزة، بعدما كانت احتمالات تعيين بديل عنه قد سلكت مسلكاً جدياً في واشنطن وباريس، فيما نشط مؤيّدوه في تفخيخ محاولات التعيين وتطويقها والقيام بحملة مضادّة. لكنّ حرب غزة، أعادت تشغيل محرّكات دولية، وأوروبية مع قوات اليونيفل، وعربية في اتجاهات أخرى. ولم يوفّر قائد الجيش وفريقه جهداً لخوض معركة التمديد، في العواصم الغربية والعربية ومع قوى محلية وعلى رأسها بكركي.
لكن، إذا كان مؤيدو التمديد لعون ربطوا بقاءه في اليرزة باستمرارية وجوده على لائحة المرشحين، فإن نجاح هذا الرهان ليس في هذه السهولة. فهو، في اللحظة التي يُمدد فيها له، يتحوّل حكماً من مرشح خيار ثالث إلى مرشح فريق، علماً أنه أصبح كذلك منذ أن أعطت اللجنة الخماسية الضوء الأخضر للتمديد، لتلتقي بذلك مع قوى سياسية مؤيّدة للتمديد لغايات مختلفة تماماً، مقابل رفض التيار الوطني المطلق له، والرهان على أن حزب الله لا يمكن بعد التوافق الخماسي على عون القبول به مرشحاً رئاسياً. إلا أن مؤيّدي القائد يملكون، في المقابل، حجة مناقضة: إذا نجح عون في استقطاب الكتل النيابية للتمديد له فهذا يعني أنه ليس مرشح طرف، بل مرشح أكثرية سياسية ونيابية، إذ سيمتلك أصوات ثلثي المجلس النيابي، ما يؤهّله للتعديل الدستوري والفوز برئاسة الجمهورية. والإجماع السياسي – في نظرهم – يوازي كمية الأصوات، بين الرئيس نبيه بري وكتلته والقوى المسيحية والمعارضة والتقدمي الاشتراكي وقوى سنية، ما يعني «استفتاء رئاسياً» مسبقاً.
لكن، قبل أن يصبح التمديد أمراً واقعاً، يستمر الكباش بين مؤيديه حول عملية الإخراج، فيما يدور كباش الرافضين حول اليوم التالي.
كباش بين مؤيّدي التمديد حول عملية الإخراج وبين رافضيه حول اليوم التالي
حتى الساعات الأخيرة، كان حزب الله يؤكد أنه لن يسير بأي من الخيارات المقترحة قبل الدقائق الأخيرة، لكن بدا أنه يفضّل أن يكون خيار التمديد في حال رست المعادلة عليه عبر الحكومة ولمدة محددة، بدل أن يتم بإجماع نيابي. إلا أن هذا ليس ما يشغل بال التيار في علاقته بحزب الله. فاليوم التالي، بالنسبة إلى التيار، يتعلق بالخطة باء غير الموجودة، في ظل نقاش حول الخطوات التي كان يفترض بالتيار أن يتخذها حتى لا يصل إلى طريق مسدود، ليبدو وكأن إصراره على رفض التمديد تمّ من دون احتساب خط الرجعة. وهو حتى الآن يعيش إرباك علاقته بالحزب، وأضاف إلى ذلك توتر علاقته مع بكركي، وسيضيف إليه تسجيل المعارضة والقوات اللبنانية نقطة لصالحها بإعادة عون إلى اليرزة قائداً ممدّداً له وبإبقائه مرشحاً رئاسياً. ليس من السهل ابتلاع كل ذلك، في وقت كان نواب في التيار يحثّون رئيسه النائب جبران باسيل على احتساب الخطوات بدقّة قبل بدء معركة مفتوحة مع قائد الجيش ومؤيّديه. لكن كل ذلك في كفة وعلاقته مع حزب الله في كفة أخرى. ولعل هذا هو السؤال الذي لا يزال يشكل بالنسبة إلى التيار الحد الفاصل، ويجعله مطمئناً إلى أن الحزب لن يسمح بالتمديد. وحتى الدقائق الأخيرة، لا يزال يتصرف وكأن كل ما يقال عن انتهاء صفقة التمديد لا يوازي كلمة واحدة من الحزب. وما بعد الكلمة، سلباً أو إيجاباً، يصبح اليوم التالي منعطفاً آخر في العلاقة بينهما، بين نسف جسور الثقة أو ترميمها مجدّداً.
المصدر:”الأخبار”