أخبار عربية ودولية

الورقة المصرية: أفكار تناقض نتائج الميدان

لم تنطلق الاتصالات السياسية حول مستقبل الوضع في غزة بشكل جدي. ما جرى بحسب معنيين، لا يزال في إطار المساعي الآيلة إلى وضع تصور يمكن الاستناد إليه في مقاربة الحل عندما تصبح الولايات المتحدة مستعدّة لإجبار إسرائيل على وقف الحرب، حتى وصل الأمر بأحد المسؤولين البارزين في دولة عربية إلى القول: الكل ينتظر الميدان، وإسرائيل التي تواجه صعوبات كبيرة، لم تتعب، ولم ترفع الراية أمام المقاومة، فهي لا ترى أنها مضطرة لأي تنازل بعد كل الجرائم التي حصلت.وعلمت «الأخبار» أن الأفكار التي وردت في مسوّدة مشروع عرضته مصر على قوى المقاومة، سبق أن نوقشت مع الأميركيين ومع الإسرائيليين، وأن المصريين، أرادوا جس نبض الجانب الفلسطيني لناحية أمرين:
الأول: الاستعداد لمفاوضات تحت النار يقدّمون خلالها تنازلات في ملف الأسرى.
الثاني: فتح الباب أمام تسوية تقود إلى تركيبة حكم جديد في قطاع غزة.
وبحسب المعلومات، فإن قوى المقاومة، كانت على اطّلاع على الأفكار المصرية قبل سفر الوفود إلى القاهرة. ولكنها اتفقت على موقف لا يُترجم برفض صريح ومطلق للورقة، بل بإظهار الملاحظات التي تبيّن للمصريين أنها تعني عملياً رفضاً لأسس الورقة. وقال مصدر فلسطيني معني، إن القيادات الفلسطينية كانت صريحة للغاية مع الجانب المصري، لجهة أن أي تصور للحل إنما يستند عملياً إلى واقع الميدان، وأن قيادات المقاومة في غزة، تؤكد قدرتها على الصمود لفترة طويلة، وأن العدو هو من دخل في المأزق، وبالتالي، لن يكون هناك أي معنى لأي اتفاق لا يكون أساسه إعلان وقف الحرب وسحب القوات الإسرائيلية من كامل القطاع، والعودة إلى حدود السادس من أكتوبر. وانتهى الأمر على أن تعدّ قوى المقاومة مقترحات بديلة ترسلها إلى الجانب المصري.

ومن القاهرة، أفاد مراسل «الأخبار» ، بأن مصر بدأت تسلّم الملاحظات بخصوص المبادرة التي طرحتها لوقف الحرب، مراهنةً على إمكانية بلورة نقاط اتّفاق تنهي العدوان خلال الأسبوع الأول من الشهر المقبل كحدّ أقصى. ولهذه الغاية، تتواصل الاتصالات المصرية المكثّفة، خصوصاً مع الولايات المتحدة لدفعها إلى لعب دور أكبر في الضغط ليس على كيان الاحتلال فحسب، ولكن أيضاً على السلطة الفلسطينية للقبول بـ»إعادة تموضع»، وتقديم تنازلات تدعم التوجّه نحو وقف الحرب، والدخول في هدنة طويلة «مؤقتة»، إلى حين ترتيب الأمور.

أبلغ الفلسطينيون القاهرة، بأنه بعد كل ما حصل، لا يمكن لأي مبادرة أن تعيش ما لم تبدأ بوقف الحرب وانسحاب قوات الاحتلال


وعلى مدى الأيام الثلاثة الماضية، وصلت القاهرة ردود الفعل على مبادرتها، سواء من الفصائل الفلسطينية، أو السلطة، أو حتى الإسرائيليين الذين رحّبوا بالمرحلة الأولى، من دون إبداء الموافقة على الالتزام بالمرحلتَين الثانية والثالثة، إذ أصرّوا على احتفاظ تل أبيب بحقّ استئناف العمليات العسكرية، وهو ما عدّته مصر بمثابة رفض للمبادرة. وإلى الآن، تلقّى الجانب المصري ردود أربع جهات: الأول يشمل توافقاً بين حركتَي «حماس» و»الجهاد الإسلامي» على ضرورة وقف الحرب للبدء في التفاوض في شأن أيّ اتفاقات لاحقة، وباشتراط أن لا تُنجز عملية تبادل الأسرى على غرار الاتفاقات السابقة، وأن تضاف المجنّدات الإسرائيليات إلى صفقة العسكريين، وليس تلك الخاصة بالنساء والأطفال. ومن ناحية السلطة الفلسطينية، جاء الرد بالرفض السريع، علماً أن فكرة حوار وطني يدمج «حماس» في إطار «منظمة التحرير الفلسطينية» وإنْ كان مطروحاً ضمناً في إطار المبادرة، إلا أنه لم يجرِ الاتفاق على الخوض في تفاصيله باعتباره مؤجّلاً إلى المرحلة الثانية.
وفي هذا المجال، طلبت مصر من الولايات المتحدة ممارسة ضغوط على السلطة الفلسطينية لدعم الحوار، والإسراع في تنفيذ ما يجري الاتفاق عليه، علماً أن ثمّة إشكالية لم تتبلور طريقتها لمعالجتها حتى الآن، مرتبطة بصعوبة تقبّل «المجتمع الدولي» إدماج فصائل المقاومة في النظام السياسي الفلسطيني، ما قد يدفع إلى الاستعانة بقيادات من الصفوف الدنيا لتولّي المناصب السياسية، في إطار صفقة من التفاهمات تضمن تخلياً نظرياً عن السلطة، وتواجداً فعلياً فيها من خلال ممثّلين وتابعين. أمّا في كيان الاحتلال الإسرائيلي، فيبدو الوضع ملتبساً، ما بين موافقة سريعة على تنفيذ تبادل الأسرى، واعتراض على المرحلتَين الثانية والثالثة من المبادرة، ورفض أيّ انسحاب أو إعادة تموضع عسكري للقوات البرية الموجودة داخل القطاع.
وتسعى مصر، راهناً، إلى معالجة جزء من الخلل في المبادرة، والمرتبط بما يريده كل طرف، بما في ذلك عملية تبادل الأسرى ومبدأ «الكل مقابل الكل» الذي تطالب به الفصائل بينما ترفضه إسرائيل. وبحسب مصدر مصري تحدّث إلى»الأخبار»، فإن القاهرة تسعى إلى تحقيق توازن بين ما تريده المقاومة وما يريده الاحتلال، وهو ما تجري مناقشته في اتصالات على أعلى المستويات. ويشير المصدر إلى أن مفاوضات مطوّلة تجري مع الأطراف كافة، وسط ترقّب لعودة وفد من «حماس» قريباً إلى القاهرة. وفيما رفضت «حماس» والفصائل الفلسطينية الأخرى، في الأيام الماضية، مقترح وقف جزئي لإطلاق النار يرافقه تبادل للأسرى، مؤكّدة أنها لن تقبل بأيّ حديث عن التبادل من دون وقف العدوان على غزة، أعاد القيادي في «حماس»، أسامة حمدان، التأكيد أن «ما نريده هو الوقف الشامل للعدوان على غزة»، مشيراً إلى أن ثمّة «الكثير من المبادرات والأفكار المطروحة».
في هذا الوقت، وفيما بات معروفاً أن وزير «الشؤون الإستراتيجية» الإسرائيلي، رون ديرمر، توجّه إلى واشنطن «لبحث الصراع في غزة وإعادة الرهائن الذين تحتجزهم حماس»، وفق ما أعلن البيت الأبيض، أفاد مسؤول أميركي، موقع «أكسيوس»، بأن الزيارة تأتي في سياق المناقشة بين إدارة جو بايدن، وحكومة بنيامين نتنياهو حول «كيفية إنهاء الأمور» في قطاع غزة، و»في أيّ إطار زمني»، أي «الموعد الذي يجب أن تنتهي فيه المرحلة العالية الكثافة من الحرب وماذا سيحدث في غزة بعد ذلك». ومن جهته، أفاد مسؤول إسرائيلي، الموقع، بأنه «من المتوقّع أن يناقش ديرمر خطط إسرائيل للمرحلة المنخفضة الحدّة من الحرب، والتي يتوقّع المسؤولون الإسرائيليون أن تبدأ بحلول نهاية كانون الثاني، وكيف ستتم إدارة الشؤون المدنية في غزة في المرحلة الانتقالية الطويلة المقبلة».

المصدر:”الأخبار”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *