نهاية مفاوضات القاهرة | إسرائيل تعاند أميركا: لا لوقف الحرب
انتهت جولة المفاوضات التي استمرّت يومين في القاهرة، بعدما عاد وفد حركة «حماس» إلى الدوحة، ووفد العدو الإسرائيلي إلى تل أبيب، وقفل مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز، عائداً إلى واشنطن. وبدا واضحاً أن الوسطاء، وخصوصاً بيرنز، لم يتمكّنوا من إقناع الإسرائيليين بالانسياق ضمن المسار الذي رسمه الأميركيون مع المصريين والقطرييين، في القاهرة، وأعلنت حركة «حماس» موافقتها عليه. وبحسب التقارير العبرية، فإن بيرنز فشل، خلال زيارته لتل أبيب أول من أمس، في «زحزحة بنيامين نتنياهو عن موقفه الرافض لتحديد موعد نهائي لإنهاء الحرب»، وكذلك في ثنيه عن «تمسّكه بصيغة تسمح له بتنفيذ عمليات عسكرية خاطفة، متى ما استدعت الحاجة إلى ذلك». وفي المقابل، فإن هذا بالذات هو ما ترفضه المقاومة رفضاً قاطعاً، ولا يمكن أن تساوم عليه، إذ بحسب مصادر مطّلعة، «يحضر في ذهن المقاومة – بشكل دائم – هاجس أن يتحوّل قطاع غزة، إلى ضفة غربية ثانية، يدفع الجيش الإسرائيلي قواته إلى داخلها متى أراد، ويقتل ويدمّر». وبناءً عليه، أبلغ وفد «حماس» المتواجد في القاهرة، الوسطاء، التزام الحركة وتمسّكها بالموافقة على الورقة التي قدّمها الوسطاء، وعلى التعديلات التي أجراها بيرنز عليها لا غير ذلك.وبحسب مصادر مصرية مطّلعة على المفاوضات، فإن الحركة «أعلنت – عبر مغادرة وفدها – انتهاء جولة المفاوضات الأخيرة فعلياً، وذلك احتجاجاً على استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح جنوبي القطاع، والمؤشرات المتزايدة إلى توسّعها في الأيام المقبلة». وعلى الضفة المقابلة، قال مسؤول إسرائيلي كبير، لوكالة «رويترز»، إن «إسرائيل قدّمت للوسطاء في محادثات الهدنة في غزة تحفّظاتها على مقترح حماس لاتفاق إطلاق سراح المحتجزين، وإنها تعدّ أن هذه الجولة من المفاوضات في القاهرة قد انتهت». وأضاف المسؤول أن إسرائيل «ستمضي قُدماً في عمليتها في رفح وأجزاء أخرى من قطاع غزة، وفق المخطط». وبحسب مصادر مطّلعة على المفاوضات، فإن «إسرائيل اقترحت أن تُستثنى رفح من اتفاق التهدئة، بحيث يسود الهدوء كل مناطق قطاع غزة، باستثناء منطقة العمليات في رفح، الأمر الذي يساعد في انتقال النازحين من رفح إلى مناطق أخرى، حتى في شمال القطاع، ما يقلّل من الإصابات في صفوف المدنيين»، إلا أن هذا الطرح لم يلقَ آذاناً صاغية، سواء من الوسطاء، أو من حركة «حماس».
اعتبر هنغبي أن «الخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تدفع قيادات حماس إلى تشديد موقفها في المفاوضات»
وفي سياق متصل، علمت «الأخبار»، من مصادر مصرية مطّلعة، أن «إسرائيل أبلغت الجانب المصري باستمرار العمليات العسكرية على الشريط الحدودي في مدينة رفح»، واعتزامها «تنفيذ عمليات نوعية أخرى على الشريط الحدودي». كما نقلت إسرائيل معلومات إلى مصر، حول عدد الجنود الإسرائيليين المشاركين في العملية، ونوعية الأسلحة والدبابات وأعدادها، ونحو ذلك. ويقول مسؤول عسكري مصري، لـ«الأخبار»، إن «الوضع في رفح، يتّجه نحو مزيد من السوء»، مضيفاً أن «هناك مخططات إسرائيلية للتعامل مع كل منطقة في رفح بشكل منفرد، بهدف عدم الدخول في صدام مباشر مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي». وعليه، بحسب المصادر نفسها، أبلغ المسؤولون المصريون، مدير الاستخبارات الأميركية الذي كان في القاهرة، بأن على واشنطن أن تمارس ضغوطاً جدّية على تل أبيب، لدفعها إلى إنهاء عمليتها في رفح، والعودة إلى المفاوضات بجدّية. كما دفعت الأجهزة المصرية نحو تصعيد لهجة إعلامية تطالب بإلغاء اتفاقية «كامب ديفيد»، ما حمل مسؤولين إسرائيليين على الاتصال بنظرائهم المصريين، للاستفسار عن طبيعة هذه المطالبات وحجمها ومدى تأثيرها. إلا أن الجانب المصري، بحسب المصادر، «أبلغ الأميركيين أن التلويح بإلغاء الاتفاقية، جزء من الضغوط المصرية على إسرائيل، وأنه لن يجري المساس بالاتفاقية بشكل جوهري». وفي هذا السياق، وللمرة الأولى منذ بداية الحرب، طلبت مصر من سائقي الشاحنات الخاصّة بنقل المساعدات، إخلاء المنطقة المحيطة بمعبر رفح من الجانب المصري، مع الاستمرار في تعزيز الإجراءات الأمنية هناك، وهو ما يمكن تفسيره بوجود خشية من تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة الحدودية.
وعلى وقع تعليق واشنطن شحنة أسلحة كانت معدّة لإرسالها إلى الكيان الإسرائيلي، ومع إعلان الإدارة الأميركية عزمها دراسة مصير شحنات أسلحة أخرى، وما أثاره ذلك من زوبعة في إسرائيل، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمس: «إذا توجّب علينا أن نقف بمفردنا أو اضطررنا أن نقاتل بأظْفارنا فسنفعل (…) نحن أقوى بكثير وسنقاتل بأظفارنا ولكننا نملك أكثر من ذلك». لكن الوزير في «كابينت الحرب»، بني غانتس، شدّد على أن «واشنطن وقفت إلى جانبنا في أصعب الساعات، وهجوم بعض الوزراء عليها هو نوع من نكران الجميل»، قبل أن يعود ويقول إن «على إسرائيل التزاماً أمنياً وأخلاقياً بمواصلة القتال لإعادة أسرانا وإزالة تهديد حماس من الجنوب، وعلى الولايات المتحدة التزاماً أخلاقياً واستراتيجياً لتزويد إسرائيل بالأدوات المطلوبة لذلك». وحالياً، يبدو أن «كابينت الحرب» يقف أمام تحدٍّ حقيقي قد يؤدي إلى انهياره، بعدما صمد طوال أشهر الحرب، إذ إن أعضاء فيه، مثل غانتس وغادي آيزنكوت، لن يستطيعوا الانخراط في حملة معاندة الولايات المتحدة، بما يخدم نتنياهو. كما أن حلفاء الأخير في «الكابينت الموسّع»، يطالبون بـ«تقليص» دور المصغّر، ونقل صلاحياته إلى الأول، وهو ما عبّر عنه صراحة وزير الاتصالات، شلومو قارعي، أمس، عندما قال: «نحتاج إلى تقليص نشاط كابينت الحرب بشكل كبير، ونقل معظم النشاط إلى الكابينت الموسّع».
أما رئيس «مجلس الأمن القومي» الإسرائيلي، تساحي هنغبي، فخرج، أمس، بتصريحات لافتة قال فيها إن «الولايات المتحدة تعتقد أن الخطط العسكرية حول عملية رفح التي عرضناها عليها غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع»، ولكن «الرسالة التي نرسلها إلى أصدقائنا الأميركيين خلال الأسابيع الأخيرة أننا سنواصل عملية رفح». واعتبر هنغبي أن «الخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تدفع قيادات حماس إلى تشديد موقفها في المفاوضات». وبخصوص قضية اليوم التالي، قال إن الكيان ليس معنياً بإدارة قطاع غزة، و«ستدخل قوات أجنبية إليه بعدما نثبت لهم أننا قضينا على حماس»، مشيراً إلى أنه «ليس سهلاً التوصّل إلى اتفاق تطبيع مع السعودية، وهدفنا الأعلى القضاء على حماس».
(الأخبار)