أهم ما في استقالة غانتس وايزنكوت
ناصر قنديل
– قد يهتم بعض الباحثين والمحللين بالإجابة عن سؤال حول تداعيات استقالة العضوين في مجلس الحرب في كيان الاحتلال بيني غانتس وغادي ايزنكوت، لكن هنا سوف نتناول الاستقالة من زاوية أخرى، فهي تأتي في لحظة معاكسة للحظة انضمامها قبل تسعة شهور الى الحكومة ومجلس الحرب، يومها خرج الرئيس الأميركي يطلب من بنيامين نتنياهو تغيير حكومته وإخراج المتطرفين منها. وبعد محادثة هاتفية بينهما اتفقا على ضم رموز المعارضة إلى الحكومة لتغيير توازناتها، فاخترع نتنياهو صيغة مجلس الحرب الذي نقلت اليه صلاحية كل ما يتصل بإدارة الحرب من الحكومة والمجلس الوزاري المصغر، وتشكل من أربعة هم غانتس وآيزنكوت ونتنياهو وزير الحرب يوآف غالانت، بمثل ما كان نتنياهو يترجم مناخاً جامعاً لدعم الحرب بلغ 94% من المؤيدين في الرأي العام حسب استطلاعات الرأي، كان بيني غانتس وغادي آيزنكوت يواكبان هذا المزاج العام ليكونا في مركب النصر، بينما امتنع يائير لبيد وأفيغدور ليبرمان عن فعل ذلك.
– انسحاب غانتس وايزنكوت بعد 9 شهور من الحرب يأتي ليواكب مزاجاً معاكساً ووقائع معاكسة في حال الحرب، ذلك أن مؤيدي الحرب في الرأي العام انخفضت نسبتهم إلى 27%، والحرب تصاب بالفشل. وهذا يعني أن الانسحاب هو كما الانخراط، مواكبة مزاج الرأي العام من جهة، وسعي لركوب المركب الآمن من جهة مقابلة، وقد صارت الحكومة مركب الهزيمة والفشل ولذلك يقفزان منها، والسؤال الهام الذي يطرح نفسه وهو بيت القصيد، هل لدى واشنطن تصوّر واضح حول مستقبل الحرب والمفاوضات؟ الجواب هو حكماً لا، لأنه لو كان لديها مثل هذا الجواب قامت بعرضه على غانتس وآيزنكوت وبقيا في الحكومة. وقد أظهر الأميركيون سياسياً وعسكرياً اندماجهم مع موقف نتنياهو، فبايدن وإدارته يكرران ان التوصل الى نتيجة في المفاوضات تتوقف على حركة حماس وليس على كل من حماس وحكومة نتنياهو، وهم بذلك يبرؤون ساحة نتنياهو من مسؤولية إضاعة فرصة التوصل إلى اتفاق، وهو عكس خطاب غانتس وآيزنكوت. وعملياً تذهب واشنطن الى مشاركة نتنياهو عملية عسكرية إجرامية لها مهمة واحدة فقط هي تلميع صورة نتنياهو وإظهار سعيه لاسترداد الأسرى. وهم طلبوا من غانتس وايزنكوت عدم الاستقالة دون امتلاك أي رؤية تقول إن هناك خريطة طريق للانتصار في الحرب أو وقفها، والإحجام ليس ناجماً عن عدم الاهتمام بالاستقالة، ونعلم حجم الاهتمام بالانضمام، في ظروف كانت حكومة نتنياهو آقل حاجة من الآن لبقائهما.
– السؤال الثاني المهم، هو هل لدى نتنياهو تصوّر واضح كيف سيربح الحرب في الجنوب، وكيف سوف يستعيد الردع في الشمال، أو كيف سوف يربح المسار التفاوضي، أو كيف سوف يستعيد الأسرى؟ والجواب هو قطعاً لا، لأنه لو كان لدى نتنياهو هذا التصور قام بعرضه على غانتس وايزنكوت، وهما من الانتهازية بما يكفي ليبقيا ويكونا مع من يرفعون شارة النصر، سواء كان التصور تفاوضياً أو حربياً، والإحجام ليس ناجماً عن عدم أهمية خسارة وجود غانتس وآيزنكوت في الحكومة ومجلس الحرب. وقد توجّه نتنياهو بمناشدة علنية لبني غانتس لتأجيل قراره، علامة على اهتمامه ببقائه، لكن الإحجام عن عرض وصفة النصر ناتج عن عدم امتلاكها.
أهم ما تقوله هذه الاستقالة هو أن واشنطن وتل أبيب لا تملكان تصوراً عن اليوم التالي معاً، فلا واشنطن لديها جواب عن سؤال اليوم التالي لمبادرة بايدن، ولا نتنياهو لديه جواب عن اليوم التالي لغزوة النصيرات، ولو كان لدى غانتس وآيزنكوت أي فرضية أو احتمال لفوز نتنياهو في الحرب أو في المفاوضات لما أقدموا على المغادرة..