مفاوضات صفقة التبادل: الاحتمالات متساوية؟
الإشارات الآتية بخصوص مفاوضات إبرام اتفاق لتبادل الأسرى يشمل وقفاً لإطلاق النار بين العدو والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، كافية لترجيح إمكانات التوصل إلى اتفاق قريب. على أن الأداء العملي لرئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، كافٍ، كذلك، للتدليل على أن سياسة التسويف وتقطيع الوقت ومنع إنهاء الحرب لأجل البقاء السياسي، هي التي لا تزال تسيطر على مسار المفاوضات. ومع هذا، جرى تحقيق خرق يُعتدّ به، ومن شأنه الدفع إلى التفاؤل، إلا أن الخرق نفسه، المبنيّ في الأساس على تليين موقف حركة «حماس»، قياساً بمواقفها السابقة، يغري نتنياهو بإظهار مزيد من التعنّت طلباً لمزيد من التراجع من الطرف الفلسطيني.في المقابل، بات واضحاً أن قادة الجيش معنيون بإنهاء الحرب، وإن كانت الكلفة صفقة تبادل أسرى مع حركة «حماس» تتضمّن تراجعاً عن ثوابت حكمت الموقف الإسرائيلي طوال فترة التفاوض الطويلة الماضية. وإذا لم يكن ذلك لأجل الأسرى الإسرائيليين، وهو العنوان الذي يرفعه قادة المؤسسة العسكرية، كما يتضح من التسريبات التي تُنشر تباعاً في الإعلام العبري، فهو بالتأكيد موقف مبني على تراجع الاستعداد والجهوزية، كما القدرة على مواصلة الحرب بوتيرتها المرتفعة، على رغم أن هذه الوتيرة من القتال قد انتهت بالفعل.
أما المؤسسة السياسية، وفي المقدّمة منها نتنياهو، فهي «متلهّفة» لإنهاء الحرب والتوصل إلى صفقة تبادل أسرى. وكما يبدو من الأداء الفعلي، فرئيس الوزراء معنيّ بأن يتم التوصل إلى اتفاق يطلق أكبر عدد من الأسرى، مقابل تهدئة ووقف إطلاق نار مؤقّت لأسابيع، يتيحان لإسرائيل أن تستأنف القتال لفترات غير محدّدة. إلا أن ما يؤكده الإعلام العبري ومعلّقوه هو أن نتنياهو غير معنيّ بدفع ثمن أي اتفاق مع «حماس»، إذا كان هذا الثمن هو تفكيك الحكومة، أو على الأقل تقويض أسسها.
وعلى هذه الخلفية، يفعل نتنياهو الشيء ونقيضه: أرسل الوفد الإسرائيلي المفاوض إلى القاهرة، في إشارة إلى رغبته في استمرار المفاوضات والتوصل إلى اتفاق، وفي الوقت نفسه أصدر بيانه المتطرّف الذي يؤكد الموقف الإسرائيلي المتشدد.
إلا أن التجاذب الذي يحكم القرار الإسرائيلي لا يقتصر على من هو معنيّ بانتهاء الحرب ومن هو معنيّ باستمرارها، فحسب؛ ذلك أن النيات والمصالح التي تحتل مكاناً متقدّماً في آليات اتخاذ القرار في تل أبيب، ليست كافية وحدها، على أهميتها، لترجيح قرار على آخر، بل تدخل في هذا عوامل عديدة في داخل إسرائيل وخارجها، ومن بينها الموقف الأميركي الذي يتأرجح في قدرته على الضغط مع تأرجح مكانة الرئيس جو بايدن والإدارة في هذه الفترة التي ينشغلان فيها باللعبة السياسية الداخلية، وأيضاً تعاظم تهديد جبهات المساندة، العامل الأقوى في المرحلة الحالية من الحرب، والذي من شأنه أن يساهم مساهمة فاعلة ومؤثّرة في تقرير مصيرها. ورغم كل التجاذب حول القرار الإسرائيلي بإرسال الوفد المفاوض، إلا أن التطور المذكور يدفع بشكل عام نحو اتخاذ مواقف أقل تطرّفاً، قياساً بما كان الأمر عليه طوال الفترة الماضية.
في الخلاصة، الأكثر ترجيحاً هو أن يواصل نتنياهو المفاوضات، وفي الوقت نفسه التسويف والمماطلة فيها، فيما ستواصل المؤسسة العسكرية في تل أبيب ضغطها المتواضع في اتجاه وقف الحرب، وإن كان أداؤها العملي طوال الفترة الماضية، يتماشى مع موقف رأس الهرم السياسي. ففي نهاية المطاف، التباين بين الموقفين مبنيّ في الأساس على تحديد حدود القدرة على تحقيق النتائج، وليس على الخلاف حول النتائج نفسها. وإذا كانت ثمة إمكانية معتدّ بها نظرياً لتحقيق نتيجة في المفاوضات الحالية، فهي أقل ترجيحاً في الاختبار العملي، وفقاً للنيات. ومع ذلك، لا يمكن نعي التفاوض من الآن، وإن كانت أسس النعي موجودة، في مقابل تفاؤل حذر، مبنيّ على أسس، هي أيضاً موجودة.
يحيى دبوق