Skip to content
محمد محمود بشار
يستخدم الأتراك كثيرا مصطلح (التحييد) عند القضاء على خصم ما، وربما ينطبق هذا المصطلح على سياسات أنقرة الخارجية في تعاملها مع المعارضة السورية.
حيث حققت أنقرة ما لم تستطع أن تحققه دمشق في مسيرة القضاء على المعارضة السورية، فمنذ التدخل التركي في سوريا مع احتدام الصراع العسكري في البلاد، وسنة تلو الأخرى كان يتم تهميش أو تصفية رموز المعارضة وقادتها الذين كانوا معروفين قبل الربيع العربي، وإبعادهم عن المشهد السياسي.
مع مرور السنوات، استطاعت تركيا أن تأتي بأسماء جديدة لتضعها في قيادة الائتلاف السوري، أصحاب هذه الأسماء كانوا في السابق غير معروفين في الشارع السوري وليس لديهم ماضي سياسي.
وإنما كان أساس هذه العملية كلها هو مدى ولاء هؤلاء الاشخاص للراعي التركي، ويبدو أنه كانت هناك خطط مدروسة لجلب هكذا أشخاص نظراً لسهولة التحكم بهم كونهم قادة وساسة من صنع تركيا.
وتنطبق نفس الاستراتيجية على الفصائل العسكرية، حيث مازال جميع السوريين بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم يتذكرون أول ضابط منشق برتبة مقدم من الجيش السوري النظامي في عام 2011 وهو المقدم حسين هرموش الذي أعلن عن تأسيس حركة الضباط الأحرار لمقاتلة الجيش النظامي، هذه الحركة التي كانت نواة أول تنظيم عسكري بعد الحراك الجماهيري ضد الحكومة تزامنا مع الربيع العربي.
فجأة اختفى الهرموش بعد دخوله إلى تركيا وبعد فترة من الزمن ظهر على التلفزيون الرسمي السوري وهو معتقل لدى أجهزة مخابرات النظام السوري ويدلي باعترافاته.
وكانت هذه العملية هي بداية (تتريك) الحراك العسكري المعارض لحكام دمشق، حيث تحولت تركيا إلى الراعي الرسمي لأغلبية الكتائب والفصائل المسلحة التي أعلنت عن نفسها كمعارضة وبات القرار العسكري والسياسي للائتلاف السوري وكل هذه الفصائل المسلحة مرتهناً للقادة الأتراك.
ووصل الأمر بهذه العلاقة إلى درجة تمت مصادرة القرار من الائتلاف وتلك الفصائل من قبل أنقرة، وفي الكثير من الاجتماعات التي انعقدت لبحث الملف السوري، كان المندوبون الأتراك يحضرون نيابة عن هذه الأطراف التي تعمل تحت اسم المعارضة السورية.
- النصرة.. سلاح تركيا في المواجهة الأخيرة
الأحداث الأخيرة في تركيا تزامنت مع أحداث جرت داخل مناطق (النفوذ التركي) داخل سوريا، حيث تم مهاجمة منازل ومحلات السوريين من قبل مجموعات تركية متشددة، وتم حرق العديد من السيارات والمحلات العائدة ملكيتها للسوريين كما وتم الاعتداء على العديد من السوريين المقيمين في تركيا.
وفي نفس التوقيت انطلقت مظاهرات مناوئة للوجود التركي في عدة مدن سورية يتم إدارتها من قبل ولاة أتراك، وتم حرق العلم التركي، وكذلك كانت هناك مواجهات مسلحة بين طرف يدعي إنه ضد الاحتلال التركي، وطرف آخر متماهي تماما مع القرار والسيطرة التركية.
وفي نفس تلك المناطق حصلت أحداث مشابهة قبل فترة من الزمن، حيث تحركت فيها جبهة النصرة والتي تعمل تحت اسم هيئة تحرير الشام ولها حكومتها الخاصة بها والمستقلة عن حكومة الائتلاف، وسيطر مسلحو النصرة على العديد من النقاط.
ويبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سيلجأ إلى الخطة ب في حال فشل التوصل إلى اتفاق واضح وصريح مع الرئيس السوري بشار الأسد.
ويبدو أن هذه الخطة تتضمن انسحاب القوات التركية من داخل الأراضي السورية وترك تلك المناطق لجبهة النصرة، وذلك تحت غطاء الاستياء الشعبي والفلتان الأمني والضغوطات الداخلية والخارجية.
وبذلك ستصبح هذه المناطق حلبة صراع عسكري شديد الوطأة بين قوات النظام السوري ومسلحي النصرة، التي يتم تحضيرها منذ عقد من الزمن لتقوم بأدوار مختلفة، ويبقى حزب العدالة والتنمية الذي أسس لنفسه دولة ضمن دولة تركيا وبات يتحكم في العديد من الحركات والفصائل الجهادية والتكفيرية، هو الذي يدعم ويتحكم في تحركات جبهة النصرة في هذه المناطق التي ستعود إلى المربع الأول عسكرياً، حيث ستلتهم نيران هذه الحرب المدن التي تحت سيطرة النصرة، والتي ستلجأ بالتالي إلى (الانغماسيين) والانتحاريين واستخدام المدنيين كدروع بشرية في صراع يفتقد إلى التوازن من ناحية الترسانة العسكرية.
- الملجأ الأخير والحرب التدميرية
تمثل إدلب والمناطق المحيطة بها هي الملجأ الأخير لمئات الآلاف من السوريين الذين لم يقبلوا بعملية المصالحة مع دمشق وفضلوا النزوح من ريف دمشق ومناطق من حمص وحلب وحماة إلى شمال غرب سوريا، كذلك هناك عدد كبير من بين أهالي هذه المنطقة يرفضون العودة مرة أخرى إلى العيش تحت حكم الأسد، على الرغم من وجود كتلة بشرية في تلك المناطق تنتظر عودة النظام السوري، وهناك فئة غير مهتمة بمن يحكم أو سيحكم.
في حال انسحاب تركيا من الأراضي السورية، سيكون هناك أوضاع مختلفة في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية، فمثلا عفرين ورأس العين وتل أبيض باتت الاغلبية المطلقة من سكانها الاصليين مهجرين من بيوتهم ومناطقهم، كونهم يرفضون الخضوع للتركي، وبالتالي هذه المناطق ليس فيها أي حاضنة شعبية لتركيا والفصائل أو الحركات التكفيرية.
أما بالنسبة لإدلب والمناطق المحيطة بها فالوضع مختلف، حيث هناك حاضنة شعبية لتلك الفصائل، وبالتالي ستتحول إلى كتلة من النيران ومن الصعب جدا على النظام السوري وداعميه إخماد نيران هذه الحرب في فترة زمنية قصيرة، أي أن هناك حرب قادمة لا مفر منها في شمال غرب سوريا.
وهذه هي الحرب السورية، إن تم إغلاق باب سيتم فتح ألف باب آخر ليمر عبره الرصاص مخترقاً أجساد السوريين.
وإن كانت العلة الأولى مازالت قائمة، وهي عقلية النظام السوري التي لم تتغير وبقيت كماهي مرتكزة على الحل العسكري وسيطرة الاجهزة الامنية على كافة مفاصل الحياة، فقد اضافت الحرب السورية التي دخلت عقدها الثاني رعاة دوليين لإدارة الصراع القائم في البلاد، حيث تسعى كل دولة متداخلة في هذا الصراع إلى الحصول على المزيد من المكتسبات لحماية مصالحها وتقوية نفوذها في الشرق الأوسط، وبالتالي لا حل جذري يلوح في الأفق.