أخبار عربية ودولية

حرب الاغتيالات لا تكسر«القسّام»: كتائب ولّادة… وعالية المرونة

غزة | تتحفّظ الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية على كل المعلومات المتعلّقة بشهدائها، القادة منهم والعناصر، ليس رغبة منها في إخفاء خسائرها البشرية كما يُعتقد، ولكن لأن سلوك العدو في التعاطي مع عائلات المقاومين، أحياء كانوا أم شهداء، يُظهر حرصه الشديد على الانتقام والإيذاء، إذ يلاحق العائلات بالغارات العنيفة حتى وإن كان من تبقّى من أفرادها الأطفال والنساء فقط. أمام ذلك، بات الجميع يظنّ أنه لا خسائر وازنة في صفوف المقاومة من العناصر والقادة، غير أن الواقع الذي يعيه من عايش هذه الحرب، هو أن المقاومة تقدّم بشكل يومي، عدداً كبيراً من قادتها وعناصرها، سواء أولئك الذين ينجح العدو في اغتيالهم من الجو، أو الذين يرتقون خلال المعارك الميدانية. هذه الخسائر كان يمكن لها أن تحدث فراغاً ينعكس على القدرة على المواجهة في الميدان، في حالة الجيوش النظامية، أو حتى في الحالة التقليدية لتشكيلات المقاومة، غير أن مبدأ المرونة وإعادة تشكيل الهيكلية العسكرية لـ«كتائب القسام» مثلاً، بما يتناسب مع ظروف الحرب الحالية، يساهمان بشكل مستمر في امتصاص كل الضربات ومواصلة الجهد القتالي وكأنّ أحداً لم يتم اغتياله.أول من أمس، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، محتفلاً بفرضية تمكّن قوات العدو من اغتيال القائد العام لـ«كتائب القسام»، محمد الضيف، الذي يحمل اسمه وقعاً خاصاً في وعي الجمهور الإسرائيلي، وحتى في ذهنية المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قاطبة. محمد دياب إبراهيم المصري المولود عام 1965، والذي توارث قادة أركان جيش الاحتلال بعضهم عن بعض الفشل في الوصول إليه منذ أن بدأوا في مطاردته عام 1995، صار «الشبح ذا الأرواح السبع» كما يُصطلح على تسميته في وسائل الإعلام العبرية، نسبة إلى عدد المرّات التي فشل فيها جيش العدو في الوصول إليه، وتحوّل بالنسبة إليه إلى «بيضة القبان» التي ترجّح ميزان الانتصار في كل المعارك والحروب. وربما اشتهى رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يسجّل في مسيرته منجزاً بهذا الحجم، يعطيه تفويضاً بمواصلة القتال أو وقفه من دون دفع أي أثمان ستكون في انتظاره، على المستوى الشخصي.

اشتهى نتنياهو أن يسجّل منجزاً يعطيه تفويضاً بم واصلة القتال أو وقفه من دون دفع أي أثمان


يركّز «جهاز الشاباك»، وهو صاحب «المعلومة الذهبية» التي أفضت إلى تنفيذ المجزرة في مواصي خانيونس تحت حجة استهداف الضيف، على مسألة المصير بالنسبة إلى قادة المقاومة. وفي هذا السياق، تحدّث عن نتيجة الضربة الأخيرة، حيث خلص إلى أنه نجح في اغتيال رافع عيسى، وهو قائد «لواء خانيونس»، فيما لا يمتلك معلومات مؤكدة عن مصير الضيف. إلا أن تجارب الاغتيال التي طاولت عدداً من قادة الألوية والفصائل خلال الحرب، أظهرت أن أياً من تلك العمليات لم تنجح في التأثير على مستوى وحدة وتصاعد المقاومة في الميدان. ولعلّ النموذج الأوضح مما تقدّم، هو محافظة شمال غزة، الذي نجح العدو فيه في اغتيال قائد «لواء الشمال»، أحمد الغندور (أبو أنس)، وأبرز قادة الكتائب وأصحاب التخصّصات العسكرية، من مثل رأفت سلمان ووائل رجب وأبو معاذ طومان وعصام أبو ركبة وإبراهيم البياري ونسيم أبو عجينة، والذين قضى معظمهم في الشهر الثاني من العملية البرية. وقدّر جيش الاحتلال حينها أنه راض عن منجزاته في «لواء الشمال»، على اعتبار أن تلك الاغتيالات مسّت بأعصاب التشكيل العسكري لـ«كتائب القسام»، وقوّضت قدرته على مواصلة القتال، غير أن لحظة الاختبار، حملتها تجربة التوغّل البرّي في مخيم جباليا في الثلث الأول من شهر أيار الماضي، حيث أقر جيش العدو بأنه لم يشهد قتالاً عنيفاً كما عاشه في «لواء الشمال»، الذي من المفترض أنه فقد قدرته على العمل الفاعل منذ سبعة أشهر.

خصوصية «القسام»
ويمتلك الجهاز العسكري لحركة «حماس» خصوصية مغايرة عن غيره من الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، إذ إنه استطاع المحافظة على عدد كبير من جيل المؤسّسين، الذين عبروا بـ«كتائب القسام» من وسط الثمانينيات وحتى «طوفان الأقصى». هؤلاء، الذين يتقلّدون اليوم مناصب قيادة الألوية والتخصّصات العسكرية، يتجاوز عمر أصغرهم 55 عاماً. ولعلّ هذا المخزون البشري الكبير من الكوادر والقادة المؤهلين منذ سنوات طويلة لشغل الصفوف الأولى في سلّم القيادة، هو ما يفسر مبدأ المرونة الذي تحدّث عنه الناطق باسم «كتائب القسام»، «أبو عبيدة»، في خطاب سابق. وهو أيضاً ما أهّل الكتائب لاستيعاب كل ضربات الاغتيال المركّزة التي طاولت أكثر قادة ألويتها في الشمال والجنوب. وبناءً عليه، فإن اغتيال الضيف من عدمه، لن يضيف إلى سير المعركة إلا ثقلاً معنوياً، يحتاج إليه طرفٌ هو في أمسّ الحاجة إلى رافعة معنوية، في مقابل آخر، يدرك أن قادته قبل جنوده، مشاريع للشهادة.

يوسف فارس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *