إسرائيل تتحدّى العالم المنفصم: «حلّ الدولتين» تحت قدمينا
رام الله | تلتقي المسارات التي تعمل عليها إسرائيل في الضفة الغربية، سواء ميدانياً أو سياسياً، عند خطّ تقريب اللحظة التي سيُعلن فيها عن ضم الضفة، واستحالة إقامة دولة فلسطينية. وبينما عمّقت إسرائيل من عملها على تلك المسارات على مرأى العالم، لا تزال السلطة الفلسطينية تغضّ النظر عن كل ما يحدث، فيما لا تتّخذ إجراءات لمواجهة الواقع المتغيّر، إلى درجة إبدائها الاستعداد الدائم للحفاظ على خطوط الاتصال والتنسيق مفتوحة مع الإسرائيليين.وضمن تلك المسارات، تبنّت الهيئة العامة لـ«الكنيست»، فجر أمس، مشروع قرار يرفض إقامة دولة فلسطينية، وذلك بعد آخر تم تمريره في شباط الماضي، وقضى برفض أيّ اعتراف دولي «أحادي الجانب» بالدولة الفلسطينية. وينصّ القرار الجديد على أن «الكنيست يعارض بشدّة إقامة دولة فلسطينية غربي الأردن»، لأن «إقامتها في قلب أرض إسرائيل، ستشكّل خطراً وجودياً على دولة إسرائيل ومواطنيها، وستؤدي إلى إدامة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وزعزعة استقرار المنطقة». ووفقاً لما جاء في نص القرار، فإن الأمر «لن يستغرق سوى وقت قصير حتى تستولي حماس على الدولة الفلسطينية وتحوّلها إلى قاعدة إرهابية إسلامية متطرّفة، تعمل بالتنسيق مع المحور الذي تقوده إيران للقضاء على دولة إسرائيل»، وإن «دفع فكرة الدولة الفلسطينية سيكون بمثابة مكافأة للإرهاب، ولن يؤدي إلا إلى تشجيع حماس ومؤيديها الذين سيعتبرون ذلك انتصاراً تحقَّق بفضل مجزرة 7 أكتوبر، ومقدّمة لسيطرة الإسلام الجهادي على الشرق الأوسط».
واللافت أن مشروع القرار الذي قدّمه عضو «الكنيست»، زئيف إلكين، عن كتلة «اليمين الرسمي»، حظي بتأييد من المعارضة والائتلاف، بما في ذلك أحزاب «اليمين الرسمي» و«الليكود»، و«المعسكر الوطني»، و«شاس»، و«يهدوت هتوراه»، و«عوتسما يهوديت»، و«يسرائيل بيتينو»، و«الصهيونية الدينية»، علماً أن السلطة الفلسطينية كانت تراهن على بعض هؤلاء للعودة إلى عملية السلام، ولا سيما زعيم «المعسكر الوطني»، بيني غانتس. ومن جهته، قال رئيس حزب «اليمين الرسمي»، غدعون ساعر، إن القرار «يهدف إلى التعبير عن المعارضة الشاملة الموجودة لدى الشعب الإسرائيلي لقيام دولة فلسطينية من شأنها أن تعرّض أمن إسرائيل ومستقبلها للخطر»، مضيفاً أن القرار يوجّه رسالة إسرائيلية إلى المجتمع الدولي، تفيد بأن «الضغوط (الدولية) الرامية إلى فرض دولة فلسطينية على إسرائيل، لن تجدي نفعاً».
ويُنظر إلى القرار باعتباره يمثّل تحدّياً للموقف الدولي المصرّ، أقلّه لفظياً، على «حل الدولتين»، ورداً على توجُّه عدد من دول العالم أخيراً إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية. كما أنه يستبق جلسة «محكمة العدل الدولية»، اليوم، والتي ستعلن فيها رأيها الاستشاري في شأن التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967. ويعكس التصويت في «الكنيست»، والإجماع الذي حظي به القرار، رفضاً إسرائيليّاً شاملاً لأيّ حلول وسط أو مبادرة سلام، فضلاً عن أنه يُعدّ تأكيداً إضافيّاً لوضع القوى كافة «اتفاقية أوسلو» خلف ظهورها. ويبدو أن بنيامين نتنياهو أراد أن يتسلّح بهذا القرار الذي حظي بإجماع غالبية الأحزاب الصهيونية، قبيل توجهه إلى واشنطن لإلقاء خطاب أمام الكونغرس، في محاولة منه لصدّ أيّ ضغوط قد تمارَس عليه من المسؤولين الأميركيين في شأن إحياء مسار التسوية، أو اتّخاذ الحكومة خطوات للحدّ من إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية.
يُنظر إلى قرار «الكنيست» باعتباره يمثّل تحدّياً للموقف الدولي المصرّ، أقله لفظياً، على «حل الدولتين»
ولكن إسرائيل تترجم قرار «الكنيست» عمليّاً على الأرض حتى قبل صدوره، بتكثيف عمليات الضمّ والتهويد الفعلي للضفة الغربية، وتهويد القدس والمسجد الأقصى، الذي شهد، صباح أمس، اقتحام وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، لباحاته تحت حراسة مشدّدة، وإطلاقه تصريحات حول ضرورة استمرار حرب الإبادة في قطاع غزة. وتسابق إسرائيل الزمن لمصادرة أكبر مساحات من الأراضي في الضفة الغربية، وتشريع البؤر الاستيطانية، وتوسيع المستوطنات، وشقّ الطرق والبنية التحتية التي تخدمها، ونشر الحواجز العسكرية بين المدن والقرى، وهو ما تَمثّل آخر فصوله في مصادرة جيش الاحتلال 41 دونماً من أراضي المواطنين في قرى شبتين وير عمار ودير قديس، غربي رام الله.
وفي هذا السياق، قالت «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان»، أول من أمس، إن إسرائيل استولت على 40 ألف دونم من أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ بداية العام الجاري، 24 ألفاً منها استولت عليها تحت مسمّى «أراضي دولة»، في أكبر عملية استيلاء منذ أكثر من 30 عاماً تحت ذلك المسمى، بينما وضعت يدها على 15 ألف دونم من المحميات الطبيعية الفلسطينية. أمّا على صعيد المستوطنات، فقد أقامت إسرائيل 20 بؤرة استيطانية جديدة منذ بداية العام الجاري، وحولت 11 منها إلى مستوطنة (شرعنتها)، ومنحت صلاحيات جديدة بتكثيف عمليات الهدم في المناطق المصنّفة «ب» و«ج»، وسط تحريض المستوطنين لتنفيذ مخطّطات التهجير القسري، عبر تهجير 26 تجمعاً بدوياً وتنفيذ أكثر من 1300 اعتداء و23 عملية حرق في القرى والبلدات. وتعترف الهيئة بأن الإجراءات الإسرائيلية لم تَعُد تهدّد «حل الدولتين»، بل قضت تماماً عليه، ولم تَعُد تسعى إلى فصل شمال الضفة عن وسطها وجنوبها، بل فصلت الضفة وقطعت أوصالها وأحالتها إلى كانتونات ومعازل.
كذلك، كشف «مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان» في رام الله، عن ارتفاع عمليات الهدم في أنحاء الضفة بما فيها القدس، لافتاً إلى أن عام 2024 كان الأسوأ في 30 عاماً، حيث شهد النصف الأول منه، زيادة في عمليات الهدم بنسبة 43% مقارنة مع عام 2023، و65% مع عام 2022، كما أن معدلات الاستيلاء على الأراضي ونزع ملكيتها لمصلحة المشروع الاستيطاني ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة منذ أكثر من ثلاثة عقود.
أحمد العبد