أخبار عربية ودولية

آمال إسرائيلية باقتراب الصفقة | «مانيفستو» نتنياهو اليوم: انكفاء أم مناورة؟

تتكاثر الإشارات الواردة من تل أبيب، والمرجِّحة لقرب التوصّل إلى اتفاق لتبادل الأسرى بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، سيُنفَّذ على مراحل، وفي ظلّ هدنة من عدة أسابيع ستسري في المرحلة الأولى منه، على أن تمهّد الطريق أمام وقف دائم لإطلاق النار ينهي الحرب في قطاع غزة، كما في جبهات الإسناد الإقليمية.وإذا كانت الإشارات المماثلة التي برزت في خلال الأشهر الأخيرة من عمر الحرب، لم تأتِ بنتيجة عملية لناحية التوصّل إلى صفقة، فهي باتت الآن أكثر دلالة، ومشبعة بالتوقعات الإيجابية، ولا سيما أنها تصدر عن كبار المسؤولين في المؤسستَين الأمنية والعسكرية في الكيان، والذين كشفوا، عبر التسريبات، عن قبولهم ومطالبتهم بصفقة التبادل، فيما يتسابق الوزراء في الحكومة، من المقرّبين وغير المقرّبين من رئيسها، بنيامين نتنياهو، للكشف عن «الظروف التي باتت ملائمة» لعقد اتفاق، وسط ترجيحات، في الاتجاه نفسه، في الإعلام الإسرائيلي. وآخر هؤلاء المتحدثين وأهمّهم، هو نتنياهو نفسه، الذي حمل، على مدى أشهر، لواء الرفض، معرقلاً أيّ مسعى أو «حلول خلّاقة» للتوصّل إلى اتفاق لتبادل الأسرى، علماً أن من بينها اقتراحات شارك هو نفسه في بلورتها. ووفقاً لبيان صدر عن مكتب رئيس الحكومة، أمس، فإن الأخير قال لعائلات الأسرى في غزة، إن «الاتفاق الذي من شأنه أن يضمن إطلاق سراح أحبائها، ربّما يقترب». وأشار في حديث إلى عدد منهم، ممَّن رافقوه في زيارته واشنطنَ، إلى أنه «لا شكّ في أن الظروف تنضج. وهذه علامة جيّدة».
ويبدو أن توقيت الإعلان عن الاتفاق، بعد تبلوره، يرتبط بجولة المفاوضات المرتقبة في الدوحة التي يصل إليها رئيس «الموساد»، دافيد برنياع، مساء اليوم، فيما ستظل نتائج أيّ حراك معلقة إلى ما بعد خطاب نتنياهو أمام الكونغرس اليوم، ولقائه الرئيس الأميركي، جو بايدن، والذي تأجّل إلى الخميس، فيما أعلن المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، أنه سيلتقي نتنياهو ، اليوم، في منتجعه في بالم بيتش (فلوريدا). ودفع التفاؤل باحتمال الوصول إلى صفقة، عدداً من المعلّقين الإسرائيليين إلى التساؤل عن إمكان أن تُعلَن، كاملةً أو بخطوطها العامّة، خلال خطاب «بيبي»، إلّا أن تقديراً كهذا مشبع بالأمنيات، على رغم وجود ما يسنده على الأرض بالفعل. كما أن السؤال يبقى مطروحاً حول ما إنْ كان نتنياهو يشيع هو وحاشيته والوزراء المقرّبون منه، أجواء تفاؤلية لزوم زيارته واشنطنَ وخدمة لأهدافها، أم أن ما يحدث يعبّر عن واقع ومسار مختلفَين عن أيّ مرّة سابقة جرى فيها الحديث عن قرب الاتفاق؟

قال نتنياهو لعائلات الأسرى إن «الاتفاق الذي من شأنه أن يضمن إطلاق سراح أحبائها، ربّما يقترب»


الواقع أن كلا التقديرَين ممكن، وإنْ كانت المؤشرات الدالة على قرب الاتفاق أكثر جدّية من ذي قبل، إذ إنها لا تستند فحسب إلى «مزاج» نتنياهو وأمنياته وقدرته على العرقلة والدفع إلى التأزّم الإضافي وإطالة أمد الحرب، بل إلى جملة معطيات لم يَعُد في الإمكان التغاضي عنها في تل أبيب، وتحديداً لدى الجيش الإسرائيلي، الذي يرى أنه أنهى المهمّة الموكلة إليه ميدانيّاً، ولم يَعُد لديه ما يقوم به عبر الخيارات العسكرية الكبرى التي ستعني مواصلتها تآكل إنجازات الحرب، فضلاً عن أنها سترهق الجيش الذي يواجه تحدّيات يصعب عليه التعامل معها.
وإذا قرّر نتنياهو فعلاً أن يركن إلى الاتفاق، فلن يكون ذلك قراراً ضمن خيارات جرى انتخاب الصفقة من بينها، بل نتيجة الأضرار التي لحقت بإسرائيل، وفقدان الأخيرة الخيارات العملية، وقرار جيشها ممارسة الضغوط هذه المرة لإنهاء الحرب والدفع في اتجاه التسوية، وهو ما جرى التعبير عنه بصورة واضحة جداً، عبر ما قيل إنه «إجماع عارم» لدى المؤسسة العسكرية كما الأجهزة الأمنية على: «الصفقة الآن، وبلا إبطاء». ويبدو أن التطوّرات الأخيرة في الإقليم وجبهات المساندة، من لبنان إلى اليمن مروراً بالعراق وسوريا، والاحتمالات المعقولة جداً لانتقال المواجهات المحدودة في هذه الجبهات إلى مواجهات شاملة، تدفع بفعالية مضاعفة إلى إيجاد مخارج للحرب في غزة. وهي من عوامل الضغط التي تتكامل مع عوامل الضغط الميداني في القطاع نفسه، لتوصل إلى إجبار إسرائيل، بشكل أو بآخر، على إنهاء القتال.
وعلى رغم أن خطاب نتنياهو أمام الكونغرس سيتمحور حول «المسكنة»، وتظهير إسرائيل بوصفها الضحية، إلا أن هذه الجوانب إنما هي جزء لا يتجزّأ من جهد العلاقات العامة التي تطغى على زيارة رئيس الحكومة لواشنطن. وعليه، فهي لا تشير، بأي حال، إلى الوجهة التي ستتّخذها إسرائيل حيال الصفقة وبنودها، ليس في ما يتعلّق بالمرحلة الأولى منها، والتي يُعدّ احتمال التوصّل إلى اتفاق حولها كبيراً جداً، فحسب، بل وأيضاً وتحديداً تجاه المرحلة اللاحقة، والتي اتُّفق على خطوطها العامة ومساراتها، وإنْ كانت صيغة الاتفاقات غير المكتوبة إلى الآن بشأنها، حمّالةَ أوجه، ولا يمكن الركون إليها في تقدير ما إن كانت تلك المرحلة (الثانية) ستتبلور بالفعل، أو ستُنفّذ في حال تبلورها.

يحيى دبوق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *