مقالات

إطلاق نار عشوائي يهدّد مصير الودائع

في الايام الطالعة، ستكون الخطة المالية الجديدة موضع تشريح ونقاشات في كل الاوساط. لكن إطلاق النار على الخطط بشكل عشوائي لا يخدم القضية المركزية المتعلقة بحقوق المودعين، من دون أن يعني ذلك، ان المطلوب “مهادنة” أية خطة، والقبول بها على علاّتها.

لا يمكن الحكم على خطة اعادة الانتظام الى القطاع المالي، وجدولة دفع الودائع الى اصحابها، التي تسرّبت الى الاعلام، والتي اشرف على إعدادها مستشار رئيس الحكومة نقولا نحاس، سوى عندما تخرج بصيغتها النهائية، مع كل التفاصيل التي ينبغي ان تواكبها.

ومع ذلك، ومن خلال العناوين العريضة الواردة في صيغة المشروع، يمكن تسجيل ملاحظات، قد تساعد أصحاب الشأن في اجراء بعض التعديلات، او تقديم توضيحات، تسمح بتحسين فرص مرور الخطة، سواء في الحكومة، او في المجلس النيابي. ومن هذه الملاحظات ما يلي:

اولا- مسألة تصنيف الودائع على اساس شرعي وغير شرعي، وإن كانت جذابة وتتماهى مع مبدأ المحاسبة والشفافية، لا يمكن سوى أن تثير الريبة والشكوك. اذ سترتفع اصوات المتضررين المحتملين للمطالبة بأن تشمل الشفافية كل اصحاب الودائع وليس فقط شريحة المكشوفين على القطاع العام ( (PEPsعلى اعتبار ان التهرّب الضريبي هو نوع من انواع سرقة المال العام، ويشمله قانون تبييض الاموال. وهذا يعني ان القسم الاكبر من الودائع، بمن فيهم اصحاب ودائع يقيمون في الخارج، ويتهربون من الضرائب في البلدان التي يعملون فيها، سوف تصبح غير شرعية. ومثل هذا التدبير، الى جانب صعوبة اثباته، يوحي بأن هناك عملية “سلبطة” لمصادرة الاموال مع مفعول رجعي، بما لا يبدو منطقياً وعادلاً. لكن الأخطر في موضوع تصنيف الودائع، يكمن في عدم ثقة أي لبناني بأنه سيتم تطبيق القانون على الجميع، وستكون هناك دائما شكوك مبرّرة بأن أصحاب النفوذ من الـPEPs سيتم تحييدهم وتحييد اموالهم، وسينحصر التطبيق بشريحة “الحرامية الصغار”. وهنا لا بد من طرح تساؤل حول الطريقة التي اعتُمدت من قبل واضعي الخطة الجديدة لكي ينجحوا في تقدير مُسبق للأموال المشبوهة التي يمكن عدم دفعها، والتي بلغت حوالي 4 مليار دولار.

ثانيا- عندما تتحدث الخطة عن اموال سيتم دفعها مناصفة بين مصرف لبنان والمصارف ينبغي ان يكون واضحاً مصدر الاموال التي سيستخدمها مصرف لبنان، لأن الاحتياطي الالزامي لا يُفترض احتسابه على اساس انه ضمن “ملكية” المركزي. أما اذا كان المقصود استخدام الاحتياطي الالزامي، فينبغي ان يكون واضحاً في النص، لأن هذه الاموال مخصصة في الاساس للودائع، في حين ان مساهمة مصرف لبنان، يجب ان تشمل دفع جزء من توظيفات المصارف لديه، لأنه بذلك يساهم في تسديد جزء من “الديون” القائمة في بند المطلوبات. وإلا، من الأجدى استخدام الاحتياطي دفعة واحدة لتسديد نسبة مئوية من الودائع من دون تقسيط، لأصحاب الودائع الصغيرة، (ما دون الـ100 الف دولار).

ثالثا- ينبغي ربط البند الوارد في الخطة لجهة دفع الودائع غير المؤهلة بالليرة، بالنمو الاقتصادي، وبخطة اقتصادية تمتد على مدى سنوات “التقسيط”. هذا الربط، يقلّص من منسوب الهلع السائد لجهة انعكاس “الليلرة” على سعر الصرف، وتسبّبه بنسب تضخّم كبيرة ستقضي على القدرات الشرائية لكل المواطنين، وهذا يعني انه لا يمكن ضخ هذه الكميات الهائلة من الليرات في السوق، سوى بالقدر الفعلي للنمو. وبذلك، يستطيع الاقتصاد امتصاص نسبة جيدة من التضخّم المحتمل. وهذا الربط، لا يمكن تحديده، سوى بعد دراسة واقعية لاحتمالات النمو المقدّرة، بحيث يصبح تأثير انخفاض سعر العملة الوطنية أقل وطأة، ويمكن تعويضه، ولو بنسبة معينة. أما القول ان انهيار سعر الصرف سيدفع ثمنه موظف القطاع العام لوحده، ليس دقيقاً، لأن “الثمن” سيدفعه الجميع، ولو بنسب متفاوتة بين القطاعات كافة. كما ان ضخ الليرات، في معزل عن الاداء الاقتصادي وحجم الناتج المحلي (GDP) يعني عملياً ان اصحاب الحقوق، الذين سيحصول في السنة الاولى على ما نسبته 35% من قيمة الاموال الحقيقية لودائعهم، قد ينتهي بهم الامر في العام الحادي عشر لنهاية التقسيط بالحصول على نسبة زهيدة جدا. وبالتالي، لا يمكن ايهام هؤلاء بأنهم سيحصلون على ثلث الوديعة فعلياً، بل ان احتساب النسبة على مدى 11 عاما، قد تعطي رقما مختلفا، قد لا يتجاوز الـ15%. أما اذا كان “السعر” الذي سيتم اعتماده متحركاً، وفق سعر الدولار الفعلي في السوق، فهذا يعني ان التقديرات بأنه سيتم ضخ 833 تريليوناً، ليس دقيقا، لأن ضخ الليرات سيرتفع تلقائيا مع انهيار الليرة، وسيتجاوز حجم الضخ هذا المبلغ بأشواط!

في كل الاحوال، لا احد يتوقّع خطة تعيد الحقوق بلا خسائر، وفي الاساس الخسائر وقعت على الجميع. لكن ينبغي خفض المبالغات في الخطط، لكي تكون الارقام اكثر شفافية، ومنطقية اكثر، وتقترب قدر المستطاع من مبدأ العدالة، ومبدأ ضمان الحد الأدنى من الودائع، كما هو متعارف عليه في كل البلدان التي قد تتعرض لانهيارات مالية.

انطوان فرح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *