أخبار عربية ودولية

عودة خطة «الفقاعات الإنسانية»: العدو يستميت… لـ«تطهير» منطقة واحدة!

غزة | يطمح العدو، عبر دفعه بحشد عسكري كبير إلى محافظة شمال قطاع غزة، إلى تحقيق جملة من الأهداف. ففضلاً عن الرغبة في التخلّص من عقدة مخيم جباليا والمناطق المحيطة به، والتي توصف بأنها النقطة التي تتعافى فيها البنية العسكرية والحكومية لحركة «حماس» على نحو سريع، فإن جيش الاحتلال يأمل في الوصول، بعد عام من القتال، إلى إعلان تطهير منطقة واحدة من القطاع، من الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة على نحو كلي، وهو ما يفسّر اللجوء إلى تكتيك الحصار والعزل، ثم إطلاق تقديرات بأعداد المقاومين المتحصّنين في حيز العمليات، وصولاً إلى الزج بالمئات من الجنود والآليات القديمة والعربات العسكرية وطائرات الـ«كواد كابتر». وفي غضون ذلك يرشح حديث عن كثير من الخطط التي تُجهّز للتطبيق في المناطق «المطهّرة». ومن بين العشرات من التقارير التي تحمل خيارات العدو، تكرّر الحديث، خلال اليومين الماضيين، عن «الفقاعات الإنسانية» التي يمكن تطويرها، عبر استبدال تولّي جنود جيش العدو توزيع المساعدات ومراقبة الحياة المدنية للسكان، بشركات أمن وحماية وجنود مرتزقة. على أن كل ما يتم الحديث عنه، يرتبط أساساً بقدرة الاحتلال على إنجاز مهمة «التطهير» الكلي للمنطقة المستهدفة. وفي خلال الأيام العشرين الماضية من العملية، يمكن تلخيص السلوك الإسرائيلي بما يلي:

– حاول جيش العدو إخلاء ما يزيد على 100 ألف مواطن يسكنون محافظة شمال القطاع عبر القصف العشوائي ومنشورات الإرهاب النفسي. وأمام تمسّك الأهالي بمنازلهم ومراكز الإيواء التي يسكنونها، اضطر إلى القيام بعمليات إخلاء قسرية.
– عمدت ألوية الهندسة إلى نسف المئات من المنازل في مخيم جباليا وأحياء التوام والصفطاوي وبير النعجة.
– زجّ العدو بلواء «غفعاتي»، إلى جانب وسائل قتال إلكترونية مثل الطائرات المسيّرة وطائرات الـ«كواد كابتر»، للنيابة عن الجنود في إصدار أوامر الإخلاء وتمشيط الشوارع لتقليل الخسائر البشرية في صفوفه.
– نجح العدو، خلال الأيام الثلاثة الماضية، في تهجير نحو 30 ألفاً من سكان محافظة شمال القطاع، غير أن نسبة من استجاب لأوامر النزوح إلى الجنوب منهم، لا تتجاوز الـ1%.
ماذا يريد العدو؟ عمد جيش الاحتلال إلى تفريغ مناطق القتال من سكّانها، لحرمان كوادر المقاومة من أي فرصة للتنقل المريح في الشوارع، وصولاً إلى مرحلة يصنّف فيها كل من يتحرّك في مناطق العمليات على أنه مقاوم. كما عمل، منذ بداية التوغّل البري، على تغيير الواقع الطوبوغرافي عبر تفجير كتل عمرانية كبيرة، وفتح شوارع جديدة ومسارات غير متوقّعة لتسهيل حركته في مساحة العملية، لأن ميدان القتال هذه المرة واسع جداً ولا يتركّز في حيّز جغرافي محدود، وهو ما يشكّل تحدياً على صعيد القدرة على السيطرة وإجهاض التهديدات. وعبر كل ما تقدّم، يسعى العدو إلى تهيئة الميدان لمرحلة «التطهير»، أي تركيز العمل في المربعات السكنية، واحداً تلو الآخر، وتمشيطها إلى حد الدخول إلى كل بيت وحارة وزقاق.

الاحتلال يعيد إحياء خطة «الفقاعات الإنسانية» لغالانت


ويترتّب على نجاح العملية البرية في تحقيق أهدافها الميدانية، تهيئة أكثر المناطق أماناً في شمال القطاع، لتطبيق أول نماذج «الفقاعات الإنسانية»، التي اقترحها وزير جيش الاحتلال، يوآف غالانت، والتي تهدف إلى دفع الأهالي إلى السكن في منطقة «مطهرة» من عناصر «حماس»، بعد إعطاء كل شخص بصمة بيرومترية للحصول على المساعدات التي تقدّمها المنظمات الدولية. ورجّحت وسائل الإعلام الإسرائيلية اعتماد منطقة العطاطرة غرب مدينة بيت لاهيا لتكون النموذج الأول.
غير أن خطة غالانت بقيت حتى إلى ما قبل بضعة أشهر عصية على التطبيق، لأنها تفترض وجود قوة صديقة يقوم عناصر جيش الاحتلال بتوصيل المساعدات إليها لتوزيعها على السكان. وحينما فقد العدو أي فرصة للعثور على تلك القوة الصديقة، مِن مثل العشائر أو رؤساء المنظمات الدولية أو القوات الدولية، بدأ رئيس حكومته، بنيامين نتنياهو، وفقاً لما ذكره تقرير نشرته صحيفة «هآرتس»، بمناقشة إمكانية توكيل مهمة التوصيل للمساعدات إلى شركة مرتزقة أجنبية أميركية. ووفقاً للصحيفة، فإنه من المتوقع أن تتم الموافقة على تطبيق ذلك المقترح بشكل تجريبي خلال الشهرين المقبلين.
والخطة المنوي تطبيقها، وفقاً للصحيفة، هي من بنات أفكار رجل الأعمال الإسرائيلي – الأميركي، مردخاي موتي كاهانا، وهو الرئيس التنفيذي لشركة «Global Delivery Company» التي يصفها بأنها «أوبر لمناطق الحرب». وقد وجد المستثمر الأميركي الذي عملت شركته في العراق وأفغانستان، في الحرب المستمرة على القطاع، فرصة لتسويق خدماته. ويقوم مقترحه على إنشاء «مجتمع مغلق» يخضع فيه الفلسطينيون لفحص بيرومتري من أجل الحصول على المساعدات. وأصدرت الشركة، الإثنين الماضي، بياناً قالت فيه إنها أجرت مناقشة موسعة مع الحكومة الإسرائيلية ووزارة الحرب لتنفيذ الخطة، مضيفة أن «الأمن الخاص المدرَّب تدريباً جيداً هو السبيل الواقعي لتقديم المساعدات في غزة، ما دامت قوات حفظ السلام الدولية غير فعالة». وأوضحت أن الأفراد العاملين في الشركة مدرّبون ومجهّزون لاستخدام أساليب غير مميتة للسيطرة على الحشود، وعدم استخدام القوة المميتة إلا كملاذ أخير إذا كانت حياتهم في خطر.
ويصنف رئيس الشركة نفسه بأنه أميركي ديموقراطي مؤيد للمرشحة الرئاسية، كامالا هاريس، فيما يُظهر في منشوراته على منصة «إكس»، انحيازاً وقحاً إلى جيش الاحتلال وتأييداً أعمى لمجازر الإبادة الجماعية. وهو قال في منشورات تسويق شركته: «سيحصل الناس على المساعدات والإرهابيون على رصاصة»، ووصف النائبة الأميركية، رشيدة طليب، بأنها السفيرة المعيّنة لحركة «حماس» في الولايات المتحدة، كما وصف تكتيك القتال من الأنفاق، والذي تستخدمه المقاومة في غزة، بأنه «نظام الفئران». وفي وقت سابق من الحرب، روّج لضرورة استخدام المساعدات الإنسانية لتأمين إطلاق الأسرى الإسرائيليين في القطاع، ووصف المتظاهرين المناصرين لفلسطين في الجامعات الأميركية بالفئران. وكتب، في شهر أيار الماضي، أنه «بعد حروب في سوريا والعراق وأفغانستان وأوكرانيا، أنا الآن في وطني إسرائيل. لقد تم اختيار شركتي لتوصيل المساعدات الإنسانية في غزة».
ورغم كل ما تقدم، فإن الحديث عن احتمال تطبيق ما يتم الترويج له من عدمه، لا يرتبط فقط بواقعية الطرح، بل بوقائع الميدان، حيث الوصول الواثق إلى منطقة «مطهّرة» تماماً من المقاومين هو نقطة الفيصل التي تحدّد الخيار الأنسب. وحتى ذلك الحين، سيدور الحديث عن كثير من الخطط والمشاريع التي طُرحت في بداية الحرب، واختفت.

يوسف فارس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *