شمال غزة مسرحاً للموت اليومي: المقاومة تستبسل…. والأهالي لا يخرجون
غزة | لم يحمل اليوم الـ25 من العملية البرية التي يشنّها جيش الاحتلال في محافظة شمال قطاع غزة، سوى مزيد من المجازر الكبرى التي يتعمّد الاحتلال فيها قتل أكبر عدد ممكن من الناس الذين رفضوا النزوح من منازلهم. وفي هذا اليوم، نسفت الطائرات الحربية الإسرائيلية مربعات سكنية بمن فيها، فيما صار الأكثر راحة في كل عملية استهداف أن يُقتل المرء في اللحظة نفسها، لأن المصابين ينتظرهم الموت المحتّم بعد أن أخرج جيش الاحتلال المنظومة الطبية والخدماتية عن العمل تماماً. وفجر أمس، ارتكب جيش العدو مجزرة كبرى بحق عائلة أبو نصر في مشروع بيت لاهيا، حين قصفت الطائرات الحربية منزلاً مكوّناً من خمس طبقات تسكنه العائلة الممتدة، إلى جانب المئات من النازحين الذين تستضيفهم. ووفقاً لشهادة الأهالي، فإن المنزل المستهدف كان يؤوي نحو 300 شخص، وتسبّب القصف باستشهاد عدد كبير منهم. وتمكّن الناجون من المجزرة والجيران من انتشال جثث 93 شهيداً حتى المساء، فيما أطبقت أسقف الإسمنت على عدد آخر من الذين اعتُبروا في عداد المفقودين.
وقبل أن يفرغ هؤلاء من انتشال الجثث، أغارت الطائرات الحربية على مربع سكني آخر لعائلة اللوج في مدينة بيت لاهيا، فسوّت ثلاثة منازل مكتظة بالسكان والنازحين بالأرض. ولم تفلح محاولات الأهالي الذين استخدموا كشافات هواتفهم المحمولة للإنارة، إلا في جمع أشلاء 15 شهيداً، بينما بقيت أعداد كبيرة من المفقودين تحت الركام. أيضاً، قصف جيش الاحتلال العشرات من الأهداف في كل مناطق شمال وادي غزة، والتي تضم شققاً سكنية، وتجمعات للمواطنين، ومدارس إيواء. وحتى أكثر الأسواق الشعبية اكتظاظاً طاولته صواريخ الإبادة الجماعية. ووسط ذلك، طالبت المنظومة الصحية بضرورة فتح ممر لإجلاء المصابين الذين يُحملون إلى مستشفيات المناطق المحاصرة ولا يجدون من يعالجهم، بعدما اعتقل جيش الاحتلال كامل الطاقم الطبي في مسشتفى «كمال عدوان»، وفرض حصاراً خانقاً على مستشفى «العودة”.
المقاومة والعدو يعتقدان بأنهما في خضمّ وقت شديد الحساسية سيتضاعف فيه مستوى العض على الأصابع
باختصار، شيء يحدث في شمال قطاع غزة غير القتل والمجازر والتدمير، حيث يملأ جنود الاحتلال وقتهم بإيقاع أعداد كبرى من الضحايا، وتدمير أكبر عدد من المنازل. ولكن مع كل ما تقدّم، لم يتحقّق لجيش الاحتلال ما يتمنّاه. فإذا كان المطلوب من هذا الحصار والضغط الأقصى هو دفع المقاومين إلى الاستسلام، فإن ما يحدث هو خلاف ذلك تماماً، مع استمرار رفض المواطنين الخروج إلى جنوب القطاع، ونجاح المقاومة في تحقيق خسائر كبيرة في جنود العدو، خلال الأيام الماضية. وتسبّب هذا بحالة من الهستيريا لدى المراسلين العسكريين لقنوات الاحتلال، والذين طالب أحدهم بمسح مخيم جباليا عن وجه الأرض، رداً على كمين محكم نفّذته المقاومة بحق جنود وضباط من «الوحدة 888» الخاصة في المخيم. ووفقاً لرواية جيش الاحتلال، فإن أربعة جنود وضابطاً كانوا يقومون بنشاط في منزل داخل المخيم، تمكنت المقاومة من تفخيخه سابقاً من دون أن تكتشفه القوة الخاصة. وتسّبب تفجير المنزل بمقتل ثلاثة جنود وضابط وإصابة جندي آخر بجروح خطيرة.
وخلال اليومين الماضيين، أعلنت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة مسؤوليتها عن تفجير نحو 8 آليات، وقنص جندي، واستهداف القوات المتوغّلة في شمال القطاع بقذائف الهاون. كذلك، أعلن جيش العدو عن مقتل نائب كتيبة كان قد أصيب في عملية اغتيال قائد «اللواء 401»، إحسان دقسة، قبل أيام. وإذا كان هذا الضغط الميداني لم يدفع جيش الاحتلال حتى اللحظة إلى إنهاء عمليته البرية في شمال القطاع، والتي كان قد أعلن أنها طويلة، إلا أنه يحرمه من تحقيق أهدافه وعلى رأسها تركيع المقاومة ودفعها إلى الاستسلام، وكذلك يحرم القوات المتوغّلة من فرصة تثبيت نفسها والعمل بشكل مريح، خصوصاً أن كلاً من المقاومة والعدو، يعتقدان بأنهما في خضمّ وقت شديد الحساسية، سيتضاعف فيه مستوى العض على الأصابع، في انتظار أي حراك سياسي قد يترافق مع ظهور نتائج الانتخابات الأميركية المنتظرة.
يوسف فارس