العالم يُحيي «ذكرى الإبادة»: ضحايا غزة منسيّون
دير البلح | على أنقاض منزله المكوّن من أربع طبقات في مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة، يقف خميس الخالدي (26 عاماً)، يتأمّل ما تبقّى من ذكريات عائلته التي قُتل جميع أفرادها (21 فرداً، بينهم 16 طفلاً) في قصف إسرائيلي استهدف منزلهم، قبل عام. وفي حديثه إلى «الأخبار»، يقول الخالدي: «لا أستطيع نسيان صراخ إخوتي وأطفالهم وهم تحت الأنقاض. كنت أنا الناجي الوحيد، وكأنَّني تُركت لأشهد على هذا الجرح الذي لن يندمل أبداً. هذه ليست حرباً، إنها إبادة. ما حدث لعائلتي يجب أن يُحاسب عليه ليس إسرائيل فقط، إنّما العالم بأسره». ويضيف: «كل يوم أعيش ذكرى عائلتي التي كانت تملأ المكان بالضحك والحياة. الآن، لا شيء هنا سوى الركام، ولا شيء في قلبي سوى الإصرار على المطالبة بالعدالة».
على أن ما حدث لعائلة الخالدي ليس سوى نموذج من نهج الإبادة الذي تتبعه إسرائيل ضدّ الفلسطينيين، في حربها المستمرّة على القطاع منذ ما يزيد على 13 شهراً. ويحصل كل ذلك على مرأى العالم الذي أحيا، أول من أمس، «اليوم الدولي لمنع الإبادة الجماعية وتكريم ضحاياها»، فيما تؤكد تقارير حقوقية محلّية ودولية، أن جيش الاحتلال استهدف المدنيين بشكل متعمّد، بعدما دمّر أحياء سكنية بأكملها، ومحا عائلات من السجلات المدنية. وكانت «المحكمة الجنائية الدولية» أصدرت، أخيراً، مذكرتَي اعتقال دوليّتَين بحقّ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه السابق يوآف غالانت، بتهمة «ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية، وجرائم حرب، في الحرب على غزة».
لم يتبقَّ سوى الذكريات
داخل خيمته في مدينة دير البلح وسط القطاع، يجلس أسامة الإسي (37 عاماً) وحيداً، وقد أطفأت قذائف جيش الاحتلال نور حياته، بعد قصف عنيف استهدف منزله المكتظّ بالسكان، فقُتلت زوجته وأطفاله الأربعة دفعة واحدة. يستذكر تفاصيل الجريمة، وكيف أصبح هو الناجي الوحيد فيها والشاهد عليها: «مع بداية التوغّل البرّي في شمال غزة، أصيب صديقي بجروح خطيرة في قصف إسرائيلي، فرافقته إلى مستشفى الشفاء، وبعد أيام اقتحم الجيش المستشفى واعتقلوني من هناك». ويضيف، في حديثه إلى «الأخبار»: «أثناء اعتقالي في السجون الإسرائيلية، حدثت المجزرة بحقّ أسرتي». وبعد أشهر من الاعتقال والتعذيب، أفرج عن الشاب في جنوب القطاع، حيث فوجئ بخبر استشهاد عائلته. ويستعيد الإسي ذكرياته مع أطفاله وزوجته، قائلاً: «كنت أحلم أن أرى أبنائي يكبرون أمامي، يكملون دراستهم، ويتزوجون. كنت أحلم أن أكبر معهم، نعيش أيامنا ببساطة وسعادة. لكن فجأة، خطفت الحرب كل شيء. إسرائيل لم تقتل عائلتي فقط، بل قتلت كل أمل كان لديّ. هذا ليس مجرّد قصف، إنها إبادة ممنهجة تستهدفنا كفلسطينيين، تستهدف أرواحنا وأحلامنا. يريدوننا أرقاماً تُمحى من السجلات المدنية». ويسأل: «كيف يحيي العالم ذكرى منع الإبادة، بينما نحن نُقتل على مرأى ومسمع الجميع؟».
10 آلاف مجزرة
منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023، ارتكب جيش الاحتلال نحو 10 آلاف مجزرة دموية، من بينها 7160 مجزرة ارتُكبت بحق العائلات الفلسطينية، بحسب ما أفاد به مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، «الأخبار»، موضحاً أن «1410 عائلات فلسطينية أبادها الاحتلال ومسحها من السجل المدني، بقتل الأب والأم وجميع أفراد الأسرة، وعدد أفراد هذه العائلات نحو 5500 شهيد، فيما 3463 عائلة فلسطينية أبادها الاحتلال ولم يتبقَّ منها سوى فرد واحد، وعدد أفراد هذه العائلات 7934 شهيداً». وخلّفت تلك المجازر، وفق الثوابتة، «35 ألف طفل يعيشون من دون والدين أو من دون أحدهما، فضلاً عن أن أكثر من 12 ألف امرأة فقدن أزواجهن خلال حرب الإبادة الجماعية».
وبحسب آخر إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، بلغ عدد شهداء الحرب المستمرّة، أكثر من 44 ألفاً وصلوا إلى المستشفيات، فيما ثمة 11 ألف مفقود لم يصلوا إلى المستشفيات، وهم في الغالب شهداء عالقون أسفل المنازل المدمّرة، لم تستطع وحدات الإنقاذ الوصول إليهم. ومن بين الشهداء، 17581 شهيداً من الأطفال (223 طفلاً رضيعاً، و837 طفلاً استشهدوا وعمرهم أقل من عام)، بالإضافة إلى 12048 شهيدة، و1055 شهيداً من الطواقم الطبية (وزارة الصحة)، و87 شهيداً من الدفاع المدني، و190 شهيداً من الصحافيين.
وعن إحياء مناسبة «اليوم الدولي لمنع الإبادة الجماعية وتكريم ضحاياها»، يقول الثوابتة: «فيما يُحيي العالم هذه الذكرى، يعاني الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية من واقع يفضح ازدواجية المعايير الدولية. المذابح التي تُرتكب بحقّ المدنيين الفلسطينيين توثّقها الكاميرات وتقارير المنظمات، ومع ذلك يظلّ المجتمع الدولي عاجزاً عن التحرّك».
عبدالله يونس