شهادات مروعة من بيت لاهيا: هكذا تسحق الدبابات العظام
غزة | بعد 60 يوماً من الحصار والقصف المكثّف، خرج أهالي مدينة بيت لاهيا قبل سبعة أيام من شمال قطاع غزة المحاصر. ورغم أن الظروف التي يعيشونها في مخيمات النزوح غرب مدينة غزة، جعلتهم يفضّلون الموت في بيوتهم على النزوح، فإن المشاهدات التي حملوها معهم من هناك، تجاوزت كافة الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال منذ بداية الحرب. إذ يحكي الأهالي عن تحوّل مئات المنازل إلى مقابر لأصحابها، وعن جثامين الشهداء التي تنهشها الكلاب الضالة في الشوارع، وعن أطفال وشبان داستهم دبابات العدو وسحقت أجسادهم وهم أحياء، وعن بقايا عظام وجماجم في كل مكان، ومصابين بجروح بسيطة تُركوا ينزفون حتى الموت على مرأى من ذويهم، وإعدامات ميدانية في الشوارع.
ويقول أبو محمد حسونة الذي كان نزح وعائلته في بداية العملية البرية إلى مركز إيواء «عوني الحرثاني» في مشروع بيت لاهيا، في حديث إلى «الأخبار»، إن «جيش العدو استخدم في هجومه على المركز الذي يؤوي نحو 5 آلاف نازح، العشرات من طائرات الكوادكابتر التي تلقي قنابل وتطلق رصاصاً، وواصل إطلاق النار والقنابل في اتجاه الأهالي منذ الساعة التاسعة مساء وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، قبل أن يقتحم المركز بنحو 65 دبابة». ويضيف الرجل الذي تجاوز عمره 60 عاماً: «لا يمكن لأحد أن يتخيّل أن الرصاص والقنابل تُقذف في داخل الغرف المكتظّة بالنساء والأطفال. البكاء والصراخ والمصابون حولك، وطائرات العدو تطالب الجميع بالخروج، وتطلق النار على من يخرج أو يتحرّك».
أما سامية أبو سمرة، وهي الأخرى شهدت الحدث نفسه، فتقول، لـ»الأخبار»، إن «أفظع ما شاهدته خلال خروجي من مركز الإيواء في ذلك اليوم، هو جثامين شبان داستهم دبابات العدو أثناء محاولتهم الخروج من محيط المدرسة. كانت أجسادهم أرق من شفرة أو ورقة على الأرض، حيث داستهم جنازير الدبابات وألصقت لحومهم بأسفلت الشوارع». وتتابع أنه «في أحد الأيام الممطرة، خرجتُ من مركز الإيواء إلى مستشفى كمال عدوان لزيارة جريح، وشاهدتُ في الشوارع العشرات من جثامين الشهداء، بعضها متحلّل، والبعض الآخر تنهشه الكلاب، والبعض الثالث أصبح ملابس وعظاماً فقط من دون أي ملامح».
بعض النازحين اضطروا إلى السير فوق جثث الأهل والأصحاب وتحت الرصاص
وتشير النازحة أم حامد ورش آغا، بدورها، في حديثها إلى «الأخبار»، إلى أن المنطقة التي كانت تعيش فيها، «تعرّضت للعشرات من عمليات النسف». وتقول إن «كل المنازل في أول 20 يوماً من التوغّل كانت مأهولة بالسكان. ثم تعرّضت المناطق الغربية لمشروع بيت لاهيا ومدينة بيت لاهيا، لعمليات نسف وتدمير. وطبعاً أخرج جيش الاحتلال المنظومة الطبية والدفاع المدني عن العمل تماماً. وتحوّلت منازل الناس إلى قبورهم. المئات من الشهداء تحت الركام في الأحياء، وثمة مصابون سمعنا أصوات استغاثاتهم لساعات طويلة قبل أن يُستشهدوا من دون أن يستطيع أحد إنقاذهم».
أما أحمد الرضيع، وهو شاب لم يتجاوز الـ 20 من العمر، فيقول، لـ»الأخبار»، إن «ما رأيناه يفوق أفلام الرعب. مشينا فوق جثث أهلنا وأصحابنا. وفي طريق النزوح أطلقوا علينا الرصاص. وهناك أناس أعزاء على قلوبنا لم نستطع إنقاذهم، وماتوا في الطريق. كل من يُصب يمت بين أيدينا. لو نتكلّم مليون مرة، فلن نصف قدر الأهوال التي عشناها في شمال القطاع».
وكان جيش العدو قد بدأ عملية عسكرية واسعة في محافظة شمال القطاع، استهدفت جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون في مطلع شهر تشرين الأول الماضي، واستمرت، أمس، لليوم الـ 67 على التوالي، حيث فرض حصاراً كاملاً على المنطقة، بعد أن هجّر أكثر من 130 ألفاً من السكان، ومنع طواقم الدفاع المدني والإسعاف من العمل.
يوسف فارس