مقالات

أردوغان والأثمان المطلوبة لنجاح الاندفاعة

ناصر قنديل

– لعل مشهد الصورة المنقولة من اجتماع العقبة لوزراء خارجية الدول التي تداعت لمناقشة الوضع الجديد في سورية، حيث وزير خارجية تركيا يتحدث بحرارة مخاطباً وزير خارجية السعودية الذي ينظر بعيداً ولا يظهر انتباهاً للحديث، تعبير عن صورة العرض والطلب في سوق السياسة بعد التغيير السوري، بين لاعبين كبيرين يتنافسان على زعامة المكوّن الأغلبي في العالم الإسلامي؛ تركيا ذات الطموحات العثمانية والسعودية دول المال والنفط والحرمين الشريفين، ومَن يحتاج الآخر أكثر.

– تسلمت تركيا الحكم في الشام، وصار عليها إنجاح التجربة، وهذا يستدعي مواجهة تحديات ودفع أثمان، وأول التحديات والأثمان هو التمسك الأميركي العلني بقوات سورية الديمقراطية التي قال وزير الخارجية التركي إنها خطر على الأمن القومي التركي، مؤكداً استحالة التعايش مع بقائها كقوة مسلحة، بينما تذهب واشنطن إلى التمسك بشرعنة عسكرتها ومواردها المالية عبر النفط والغاز في مناطق سيطرتها، بصيغة دستورية فيدرالية تضمن هذه المصالح، كما هو حال الصيغة الكونفدرالية. والى جانب هذا التحدي يبرز التحدي الإسرائيلي الذي يعبر عن نيات توسعية بالأساس، ويتمتع بخصوصية تفوق أهمية المصالح التركية أميركياً، ويعتقد أن المرحلة مناسبة لشراء صورة نصر بالحركة المفتوحة في سورية تعوّض بعض الخسائر من حربي غزة ولبنان، والمهتم بإظهار شراكة في صياغة سورية الجديدة عبر دولة درزية في الجنوب ودولة كردية في الشمال وبالحد الأدنى صيغة فدرالية تضمن كيانين مستقلين فيها لهوية كردية وهوية درزية. وهذا يستدرج كيانات موازية خصوصاً في الساحل تضيع معها كل فكرة دولة سورية. فمَن سوف يجرؤ على مواجهة الغالبية السورية الطائفية التي تعتبر أنها انتصرت بمشروع قبول دويلة على رقعة جغرافية لا موارد نفطية فيها بعد سلخ الشمال والساحل؟

– الحاجة للرضا الأميركي تفرضه إضافة لمكانة أميركا في الحسابات التركية كعضو في الناتو، أن سورية تحت عقوبات أميركية وغربية من بعدها، ومن دون رفع هذه العقوبات ستبقى أي دولة في سورية مشلولة وعاجزة عن النهوض، إضافة إلى أن القوة المحورية في المشروع التركي لا تزال على لائحة الإرهاب والمطلوب إزالة اسمها عن اللائحة، والثمن الأميركي يبدأ كردياً ويبدأ وينتهي إسرائيلياً، فهل تتحمّل تركيا هذه الأثمان؟ وماذا سوف يقول الرئيس التركي لجمهوره التركي تجاه شرعنة دويلة كردية كاملة الأوصاف مسلّحة ومموّلة، أو تجاه الحركة الإسرائيلية الحرة في الأراضي التي قال لهم إنّها صارت تركية.

– تركيا صارت دولة على حدود فلسطين المحتلة ولم تعُد دولة بعيدة جغرافياً، وأمام ما يجري في فلسطين، وفي ظل تأييد حركة حماس لتركيا وللتغيير في سورية، ما هو خطاب أردوغان تجاه القضية الفلسطينية؟ وربما تكون تركيا تحلم بأن تقدّم لمسلمي العالم زعامتها من باب أنها من جلب دولة للفلسطينيين، لكن أحداً في واشنطن وتل أبيب لن يستمع لرغبة أنقرة، وإذا وردت الدولة الفلسطينية أميركياً فهي ترد كثمن يسدد للسعودية مقابل التطبيع السعودي الإسرائيلي، ورغم أهمية هذا التطبيع لا يزال حكام تل أبيب يرفضون مجرد البحث بالفكرة، فماذا سيقول أردوغان عن فلسطين؟

– السعودية حاجة تركية ليس لأجل ثمن فلسطيني يخفض فاتورة الإحراج بالنسبة لأردوغان، بل هي حاجة أيضاً لإعمار سورية وتمويل الإعمار الذي وعدت به الشركات التركية، كما في ليبيا، وفي الحالتين المفتاح سعودي، ولا يبدو أنه سهل التحرك في القفل. فالسعودية التي تخشى على مصر من عودة الأخوان المسلمين الى التحرك، بسبب نفوذ تركيا في ليبيا، تخشى أكثر على مصر والأردن أيضاً بعد التمدد التركي في سورية، وهي سوف تربط أيّ مساهمة في سورية الجديدة بصيغة لا تمنح تركيا أوراق اعتماد للزعامة في العالم الإسلامي، لأن تركيا ليست إيران المنتمية لمذهب يمثل أقلية إسلامية، بل هي تركيا العثمانية المنتمية إلى مذهب الأغلبية ذاته الذي تبني السعودية زعامتها في قلبه، وإيران تبني مكانتها على حضور طائفتها الضيق عربياً وإسلامياً، بينما لا تبني تركيا زعامتها على جماعة التركمان الإتنية المحدودة الانتشار، بل على تنظيم الأخوان العالميّ الموجود في كل البلاد الإسلامية.

– يحتاج الأميركي إلى السعودية أكثر مما يحتاج إلى تركيا، عدا عن عدم ممانعة السعودية بفدرالية سورية وفي قلبها خصوصيّة الأكراد، لأن التطبيع السعودي الإسرائيلي هو الخطوة التي يراها الأميركي خشبة خلاص لمستقبل شرعنة كيان الاحتلال، والسعودية هي الشريك الاستراتيجي في خط الهند أوروبا الذي يشكل طريق الحرير البديلة لطريق الحرير الصيني، وممر هذا الطريق الى حيفا هو السعودية، والشريك التجاري الذي يمنحه قيمة مضافة هو السعودية، ومشروع أنبوب الغاز القطري والنفط الخليجي إلى أوروبا عبر سورية وتركيا، الذي يشكل البديل الاستراتيجي لحاجة أوروبا لموارد النفط والغاز الروسية، وقد صار أقرب بعد سيطرة تركيا على سورية، مشروط بموافقة السعودية التي يجب أن يمرّ بأراضيها وينقل نفطها، كي يبصر النور.

– تركيا مضطرة أن تنتقل من حالة الطلب عليها إلى حالة الطلب على السعودية وأن تكون من الذين يقدّمون العروض للسعودية طلباً لمشاركتها في كل الملفات التي دون حلها سوف يتآكل ما توهّم الأتراك أنه الحلقة الأصعب في مشروع السلطنة، وصورة الوزير التركي مع الوزير السعودي كانت أقرب لمندوب مبيعات يتقرّب من زبون ثريّ يتأفف ويعرض عنه بنظره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *