النازحون إلى البقاع خارج اهتمام الدولة والجمعيات والإعلام
أكثر من 30 ألف لبناني، مرّ أسبوع على نزوحهم من البلدات السورية التي يقطنونها إلى منطقة الهرمل، بعد سقوط نظام الرئيس بشّار الأسد، ليسوا على قائمة اهتمامات الحكومة وأجهزتها، على عكس استنفار الحكومة بعد تقرير رُمي في الإعلام عن دخول مسؤولين في النظام السوري السابق إلى لبنان. فهل يناقش مجلس الوزراء في جلسته غداً هذا الملف الذي يطاول آلاف اللبنانيين، ومثلهم الآلاف من السوريين، الذين يعيشون في ظروف مأساوية قد تنتهي بكارثة صحية بدأت بوادرها بالظهور.
خلال أسبوعٍ، استقبلت محافظة بعلبك – الهرمل أكثر من 85 ألف نازح، نصفهم لبنانيون يعيشون في عدد من البلدات السورية القريبة من الحدود. وتوجّهت الغالبية العظمى من هؤلاء (62 ألف نازحٍ) إلى مدينة الهرمل وقراها. الملف الذي ينقسم إلى شقّين، الأول يتّصل بإغاثة العائلات السورية والثاني يتّصل بإغاثة العائلات اللبنانية، لم يشهد على الأرض حتى الآن أي تدخّل من أي جهة كانت، سوى ما تقدّمه وحدة العمل الاجتماعي في حزب الله وجمعيات يقلّ عددها عن عدد أصابع اليد الواحدة.
في توزيع المسؤوليات، تُعدّ الـUNCHCR الجهة الرسمية المعنية بالنازحين السوريين، إلا أنّ هذه الأخيرة، وبعكس حماستها للنازحين السوريين الذين دخلوا إلى لبنان منذ عام 2011، «هرباً من نظام الأسد»، وبعكس مخالفتها الوقحة لكل قوانين وقرارات السلطات اللبنانية المتعلّقة بملف النزوح، بهدف التضليل، سعياً لإبقاء أكبر قدرٍ من النازحين في لبنان، بذريعة أن لا أمان في سوريا، لا تبدي أي اهتمام بعشرات الآلاف من النازحين السوريين الجدد. جلّ ما فعلته المنظمة، أن رافق ممثل عنها وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجّار إلى الهرمل، السبت، مع ممثّلين عن منظمة اليونيسف، برنامج الغذاء العالمي WFP، مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية OCHA، والمركز اللبناني للدراسات والتدريب LOST. وأعقب الزيارة اجتماع افتراضي عقده الحجار أمس، مع مسؤولين في المنظمات الدولية المذكورة، لـ«تحديد الخطوات التنفيذيّة وتنسيق الاستجابة السريعة لأزمة النزوح الجديدة لسوريين ولبنانيين من سوريا»، بحسب بيانٍ رسمي للوزارة.
هذا باختصار كل ما فعله لبنان الرسمي والمنظمات الدولية للنازحين على مدى ثمانية أيامٍ من النزوح. استدعت الزيارة الاستطلاعية إلى البقاع أسبوعاً، سيليها إعداد تقريرٍ عن الأوضاع طلبه الحجار، وثم يليه الاتفاق على خطوات تنفيذية، وقد يمر أسبوع آخر أو اثنان قبل أن تبدأ أول دفعة مساعدات بالوصول إلى المنطقة. في وقتٍ سقط من بال وزارة الشؤون، ومن خلفها الحكومة بإداراتها وأجهزتها المعنية بالإغاثة، أنّ أهالي بعلبك – الهرمل كانوا حتى الأسبوع الماضي نازحين في مراكز إيواء، وأن غالبيتهم العظمى في الأصل تنتمي إلى الفئات الهشّة اقتصادياً. فكيف الحال مع تدهور أحوالهم بنتيجة الحرب التي لم يتعافوا من تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية بعد؟ كيف الحال، وهم وفق التصنيفات المتّبعة في حالات الأزمات والكوارث، يستحقون الاستفادة من مساعدات إغاثية لفترة زمنية بعد وقف إطلاق النار حتى تستطيع العائلات ترتيب أمورها، واستعادة الحياة الاقتصادية دورتها؟
ليس غريباً، على دولةٍ لم تبدأ برفع الردم، ولا فتح الطرقات بعد مرور 18 يوماً على وقف إطلاق النار، كما لم تنجح في إيصال المساعدات الإغاثية إلى جميع العائدين إلى بلداتهم في البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية، ألا تلحظ الأوضاع الضاغطة بقاعاً؟ وهو ما يُترجم أيضاً في عدم صدور توجيهات عن رئاسة الحكومة إلى الهيئة العليا للإغاثة بالتحرّك في الملف. حالة الـ«كوما» تنسحب بدورها على الجمعيات الأجنبية التي اغتنت على ظهر الملف السوري، ومعها اختفى أثر الجمعيات المحلية أيضاً.
اللافت أيضاً، أنّه فيما أشار البيان الصادر عن مكتب الحجار حول جولته البقاعية، إلى أنّ الوزير استهلّ جولته باجتماعٍ في مركز جمعية LOST في الهرمل مع عددٍ من رؤساء البلديات في المحافظة للاستماع منهم إلى أوضاع النازحين وحاجاتهم، علمت «الأخبار»، أنّ «أربع بلدياتٍ صغيرة من أصل ثمان منضوية في الاتحاد قاطعت الاجتماع من بينها بلدية الهرمل، الأكبر في المحافظة، بسبب رفض الحجّار الاجتماع في مقر اتحاد البلديات أو في السراي، مصراً على عقده في مركز جمعية LOST»، وفق ما ذكر عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب إيهاب حمادة لـ«الأخبار»، مضيفاً أنّ «الحجّار ادّعى بأن لديه نصف ساعةٍ من الوقت يمكن الاجتماع خلالها في مركز الجمعية، وبعدها سيُغادر».
ومثل السلطة تصرّف الإعلام «الحرّ» و«الإنساني»، إذ أوفدت كلّ قناةٍ تلفزيونية أكثر من مراسلٍ ومراسلة توزّعوا بين منطقة المصنع وداخل سوريا، في السجون والمستشفيات والساحات العامة، لكنها أسقطت من جدول نشراتها أكثر من 60 ألف نازحٍ يعانون ومعهم منطقة بأسرها، لمجرّد أنّ هؤلاء «عوارض جانبية» لسقوط النظام، ولا يخدمون «الترند» المطلوب حول سجن صيدنايا، ومعامل الكابتاغون، وأصوات معارضي النظام الساقط.
نجى ايوب