سلطة رام الله تتقرّب إلى ترامب: قادرون على «قطع رأس» المقاومة
رام الله | لا تزال السلطة الفلسطينية تُلقي بثقلها الأمني في محافظة جنين، إذ كثفت، أخيراً، حملتها الأمنية المستمرة منذ أكثر من 10 أيام، في محاولة لاجتثاث مظاهر المقاومة في مخيم المدينة، فيما أسفرت الاشتباكات المسلحة المتصاعدة وعمليات القنص وإطلاق النار العشوائي عن استشهاد 3 أشخاص، من بينهم طفل وفتى، وقائد في «كتيبة جنين». وعلى الأرجح، تهدف الحملة الأمنية المشار إليها، ولا سيما في مخيم جنين، وهو الأكثر حضوراً وقوة في العمل المقاوم في الضفة الغربية، إلى توجيه رسائل مختلفة إلى أطراف داخل فلسطين وخارجها، وعلى رأسها الإدارة الأميركية القادمة.
وفي محاولة للتلويح بـ«ورقتها» الأكثر قوة، أي «الدور الأمني» في مواجهة المقاومة، أرسلت السلطة الفلسطينية قادة الأجهزة الأمنية إلى مدينة جنين، في الأيام الماضية، حيثُ شكلوا غرفة عمليات دائمة في المحافظة لـ«متابعة العملية»، وحرصوا على التقاط «الصور». ومن بين هؤلاء، رئيس جهاز المخابرات ماجد فرج، ووزير الداخلية زياد هب الريح، وقائد الأمن الوطني أبو دخان، إضافة إلى رئيس الوزراء محمد مصطفى. وتبدو تحركات السلطة مدفوعة برغبة الأخيرة في تقديم «هدية ثمينة» إلى الإدارة الأميركية القادمة، وكسب ودّ الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، عبر الإيحاء بأنّ عمليتها العسكرية في جنين قادرة على «قطع رأس المقاومة»، وعلى «فرض الهدوء وتوفير الأمن»، ومنع أي مقاومة ضد إسرائيل، جنباً إلى جنب بسط سيطرتها على مدن الضفة ومخيماتها، ولا سيما أنّ قناة التواصل بين السلطة الفلسطينية والمقربين من ترامب «مفتوحة» منذ أشهر. ومن جملة الأهداف الأخرى للحملة العسكرية، المقرونة بحملة تحريض واسعة ضد المقاومة وشيطنتها وتصنيفها كعصابة خارجة عن القانون، «التهرب» من الضغوط التي تمارسها قوى غربية وإقليمية على السلطة الفلسطينية لإجراء «إصلاحات داخلية».
تزامناً مع ذلك، ووسط رغبة إسرائيلية في بثّ «الترهيب» على أوسع نطاق ممكن، ترجّح التقديرات أنّ الهجوم سينتقل، لاحقاً، من جنين إلى طولكرم وطوباس، بإيعاز، مرة جديدة، من محود عباس نفسه. ونقلت قناة «I24» الإخبارية العبرية عن مسؤول كبير في السلطة الفلسطينية قوله إنّ عباس وجّه تعليماته لقوات الأمن بـ«ضرورة تحقيق السيطرة الكاملة على معسكر جنين، والقيام بذلك بأي ثمن»، لافتاً إلى أنّ «عملية قتل قائد (كتيبة جنين) بدأت بعد مفاوضات طويلة طُلب فيها من المسلحين إلقاء أسلحتهم، فرفضوا». وتردف القناة أنّ «المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لا تنوي التعليق على الأحداث»، مشيرةً إلى أنّه تتم متابعتها «عن كثب»، ولا سيما أنّها تشكل «حدثاً ضخماً»، وغير مسبوق «منذ أكثر من عقد». ويتابع المصدر نفسه أنّه من الأهداف التي يرغب عباس في تحقيقها من الهجوم، إثبات أنّه «لا يزال قوياً وممسكاً بأوراق اللعبة»، بعد انتشار تقديرات كثيرة تحذر من ضعف سلطته، وإمكانية نشوء حالة فوضى في حال رحيله، والتي أجبرته على تعيين نائب له تحت الضغط الخارجي.
بالتوازي، يعمد عدد من المسؤولين الأمنيين والسياسيين في السلطة، في محاولة لتبرير الهجوم الأخير على جنين، إلى التحريض ضد المقاومة بشكل غير مسبوق، محذرين، باستمرار، من إمكانية تكرار «سيناريو غزة»، ومن أنّ «المجموعات المسلحة في المخيمات قد تسيطر على الضفة»، كما فعلت «حماس» في غزة عام 2007. وفي المقابل، وفي إطار تصدي المقاومة وأهل جنين لممارسات السلطة الأمنية، تجددت الاشتباكات المسلحة، صباح أمس، بين عناصر من «كتيبة جنين»، وعناصر الأجهزة الأمنية التي لا تزال تحاصر المخيم، فيما عمّ الإضراب الشامل القطاعات كافة داخل المدينة ومخيمها؛ إذ تحولت المدارس نحو التعليم الإلكتروني، وأغلقت المحال التجارية أبوابها، فيما علقت «وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين» (أونروا) تقديم خدماتها في المخيم.
وشهدت الليلة التي سبقت الإضراب توترات بين أهل المدينة والمخيم، في أعقاب خروج عشرات المسيرات المؤيدة لـ«كتيبة جنين» والمندّدة باستهدافها، في حين توجهت بعض هذه المسيرات نحو المخيم نفسه، في محاولة لكسر الحصار عنه، ما دفع الأجهزة الأمنية إلى محاولة قمعها. كذلك، شهدت مواقع مختلفة في محافظات طولكرم ونابلس وطوباس احتجاجات شعبية، تخلّلها إشعال إطارات في الشوارع العامة، ومسيرات غاضبة وإصدار بيانات عسكرية تنتقد الأجهزة الأمنية وحملتها ضد المخيم، في وقت وقعت فيه في «مخيم عين بيت الماء» في نابلس، اشتباكات مسلحة بين مقاومين والعناصر الأمنية.
ومن بين الشهداء الثلاثة الذين قضوا في الاشتباكات، الطفل محمد عماد العامر، الذي يبلغ من العمر 13 عاماً، وهو نجل اللواء في «جهاز الأمن الوقائي»، عماد العامر. واستشهد محمد مساء السبت، متأثراً بإصابته برصاص قنّاص كان أمام بيته، رغم تحذير والده للعناصر الأمنية من وجود طفل في المكان، والذي لم يثنهم عن استهدافه. كما اغتالت الأجهزة الأمنية القيادي في «الكتيبة»، يزيد جعايصة، المطلوب للاحتلال الإسرائيلي منذ أربع سنوات، بعدما أطلقت عليه النار في الاشتباكات العنيفة التي اندلعت في المخيم، والتي أسفرت أيضاً عن إصابة عدد من السكان بجروح متفاوتة، بعضها خطير، جراء إطلاق الرصاص بشكل عشوائي.
وفي محاولات للتهدئة، دعت فصائل فلسطينية ومنظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك «مجلس منظمات حقوق الإنسان» الفلسطينية، إلى وقف العمليات الأمنية فوراً، وفتح «حوار وطني مسؤول»، للحفاظ على السلم الأهلي، ووقف حالة الفوضى «التي تهدد النسيج المجتمعي الفلسطيني». وجاء في بيان صادر عن «مجلس المنظمات الحقوقية»، أنّ العملية التي تقوم بها أجهزة الأمن في جنين «أدت إلى وفاة عدد من المواطنين ووقوع إصابات»، مشيراً إلى أن التطورات الخطيرة المتلاحقة «غير محمودة العواقب»، وتهدّد السلم الأهلي والمجتمعي.
أحمد العبد