لا بديل من «المياه السامة»: الاحتلال يقتل الغزيين… عطشاً
دير البلح | أغلقت محطة «الياسين»، وهي أكبر محطة لتحلية المياه في شمال قطاع غزة، أبوابها، نتيجة استمرار سياسة الاحتلال الإسرائيلي بمنع إدخال الوقود اللازم لتشغيل المرافق الحيوية، ما أدى إلى تفاقم أزمة مياه الشرب، والتي يعاني منها أكثر من 450 ألف فلسطيني في تلك المنطقة. كما أسفر الإغلاق القسري للمحطة عن زيادة الضغط على المحطات الأقل حجماً وإنتاجاً للمياه، ما أجبر عدداً منها على إغلاق أبوابها أيضاً. وعليه، بات السكان يلجؤون إلى استخدام مياه الآبار ذات الملوحة العالية وغير المفلترة، ما يُخاطر بتعرضهم لمخاطر صحية جسيمة. ومنذ الخامس من تشرين الأول الماضي، عمد الجيش الإسرائيلي، أثناء اجتياحه البري الرابع منذ بداية الحرب لبلدات جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا شمال القطاع، إلى قطع الغذاء والماء والوقود عن السكان، ما تسبّب في مجاعة قاسية وأزمة عطش شديدة تهدد حياتهم.
غالونات فارغة
مهند عابد، وهو رب أسرة مكونة من سبعة أفراد، كان واحداً من بين مئات المواطنين الذين فوجئوا بإغلاق «محطة الياسين»، بعدما أدرك أنه سيعود إلى أطفاله بـ«غالونات فارغة». وقال عابد لـ«الأخبار»: «لقد فررنا من القصف في شمال غزة، ولم نحمل معنا إلا ملابسنا. الآن، نحن نعاني من العطش، فلا مياه نظيفة للشرب ولا طعام متوافراً. نحن نموت كل يوم ألف مرة والعالم يشاهد». وأوضح عابد أنه اضطر إلى تعبئة غالوناته بمياه الآبار ذات الملوحة العالية وغير الصالحة للشرب، مردفاً: «ما نحصل عليه من مياه الآبار مليء بالملح والطين. أشعر بالعجز أمام أطفالي الذين باتوا يشكون من آلام في بطونهم بعد شرب هذه المياه الملوثة»، علماً أنّ طفله الأصغر كان قد أصيب بـ«إسهال حاد بسبب شربه للمياه المالحة». وفي ظل غياب الأدوية الأساسية وازدحام المستشفيات بالمصابين والجرحى، لفت عابد إلى أنّه لم يتمكن من توفير العلاج له، قائلاً: «نشعر بأننا محاصرون من كل الجوانب، لا طعام، لا ماء، ولا أمل».
أصبحت أكثر من 97% من مصادر المياه في القطاع غير صالحة للاستهلاك البشري
وفي خيمة صغيرة نصبت على أطراف مدينة جباليا شمال القطاع، تعيش أم سليمان، وهي أرملة وأم لثلاثة أطفال، بعدما استشهد زوجها في الحرب، ودُمر منزلها في الاجتياح البري الأخير للمنطقة، وتضطر كغيرها من الغزيين، إلى المشي يومياً لمسافة طويلة لتعبئة غالون بلاستيكي بمياه الآبار، يطفئ ظمأ أطفالها، رغم علمها بأنها غير آمنة للشرب. وتقول لـ«الأخبار»: «هذه المياه مالحة جداً، لكنها الخيار الوحيد لنا»، متسائلة: «أنا أخشى على صحتهم، ولكن ماذا يمكنني أن أفعل؟». وتؤكد أم سليمان أنّ إقفال «محطة الياسين» تسبّب في أزمة كبيرة لمئات، وربما آلاف الأسر، التي بات أفرادها عطشى أو يشربون، مُجبرين، مياه الآبار، وسط غياب البديل. وتتابع: «نواجه الموت بعدة أشكال في شمال القطاع، إما بالقصف أو بالجوع أو بالمرض، وأخيراً بالعطش».
وبحسب مدير المحطة، محمد أبو عودة، فإنّ الأخيرة كانت تضخ يومياً حوالى نصف مليون ليتر من المياه، ما جعلها المصدر الرئيس لمياه الشرب لما يقرب من 400 ألف نسمة في شمال قطاع غزة. ويؤكد، في حديث إلى الأخبار، أنّ «الوضع الحالي هو الأسوأ على الإطلاق منذ بدء الحرب»، إذ توقفت المحطة عن إنتاج مياه الشرب تماماً، بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيلها، فيما لم تستجب المنظمات الدولية لنداءات الاستغاثة التي قدمتها المحطة.
أسعار «غير مسبوقة»
إلى ذلك، أشار أبو عودة إلى الارتفاع الحاد في أسعار الوقود اللازم لتشغيل مولدات الطاقة الخاصة بمحطات التحلية، بعدما بلغ سعر ليتر السولار في شمال القطاع 100 شيكل، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف تشغيل تلك المحطات بشكل غير مسبوق؛ إذ ارتفعت تكلفة تعبئة غالون مياه، سعة 16 ليتراً، إلى 6 شواكل، مقارنة بشيكل واحد قبل الحرب. وحتى في حال توافر ثمن المياه، فإنّ الفرد في شمال غزة سيحصل على نحو ليترين منها يومياً، وهي كمية بالكاد تكفي للشرب، فضلاً عن الاحتياجات الأخرى كالطهي مثلاً.
وأخيراً، أدى نزوح آلاف العائلات الفلسطينية من مناطق مثل جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا، إلى أحياء مختلفة داخل مدينة غزة، إلى مضاعفة الضغوط على محطات التحلية، التي باتت غير قادرة على تلبية الطلب المتزايد، بحسب أبو عودة، الذي حذّر من أنّ استمرار منع دخول الوقود سيتسبب في كارثة إنسانية، تشمل وفاة الآلاف وانتشار الأمراض الناجمة عن شرب المياه الملوثة.
ورغم أنّ أزمة المياه في غزة ليست مستجدة؛ إذ يؤكد الخبراء أن القطاع يعاني بالفعل من شح مزمن، بعدما أصبحت أكثر من 97% من مصادر المياه غير صالحة للاستهلاك البشري، إلا أنّ الاعتماد المتزايد على مياه الآبار بعد إغلاق محطات التحلية، سيرفع من خطر انتشار الأمراض المنقولة عبر المياه، مثل الإسهال الحاد والجفاف، وحتى التسمم. وبالفعل، بدأت التقارير الطبية تشير إلى زيادة كبيرة في حالات الإصابة بالأمراض المرتبطة بالمياه الملوثة، خاصة بين الأطفال وكبار السن الذين يعانون من ضعف المناعة.
عبدالله يونس