نور شمس على طريق طولكرم: شهية إسرائيل مفتوحة على التهجير
رام الله | يبدو أن شهية إسرائيل فُتحت على تهجير الفلسطينيين، مدفوعةً بخُطط الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والقاضية بتهجير مليوني فلسطيني من قطاع غزة، يضاف إليهم عشرات الآلاف من الذين أجبرهم العدو على النزوح من مخيّماشت الضفة الغربية. والواقع أن إسرائيل التي فعّلت سياسة التهجير والطرد إبّان حرب الإبادة على غزة طيلة 15 شهراً، تسير على النهج ذاته في شمال الضفة، حيث تواصل عمليتها العسكرية في مدينة جنين ومخيّمها، كما في طولكرم وطوباس.
ووفق الأرقام، أقدمت قوات الاحتلال على تهجير 40 ألف فلسطيني من مخيمات جنين وطولكرم والفارعة وبلدة طمون، فيما بدأت صباح أمس عملية تهجير واسعة للاجئين في مخيم نور شمس (طولكرم)، والذي انتقلت إليه العملية العسكرية قبل أربعة أيام. وبدت مشاهد النزوح من المخيمات شبيهة بمشاهد النكبة، حيث اضطرّ السكان إلى الخروج مشياً على الأقدام وهم يحملون ملابسهم وبعض احتياجاتهم، تحت فوهات بنادق الجنود والقناصة المصوّبة عليهم.
واستفاق أهالي مخيم نور شمس، أمس، على دعوات جيش الاحتلال عبر مكبّرات الصوت في المساجد إلى الإخلاء الفوري، توازياً مع تصاعد أعمال التجريف والتخريب والاشتباكات المسلحة. ووفقاً لمصادر محلية، اقتحم جنود العدو مسجد «حارة العيادة» في المخيم، ونادوا عبر مكبّرات الصوت الأهالي للمغادرة، فيما انتشرت آليات ودوريات مشاة عند مداخل المخيّم وحاراته، وأطلقت الرصاص الحي والقنابل الصوتية بكثافة لبثّ الهلع في نفوس الفلسطينيين. ولفتت المصادر إلى أن جيش الاحتلال يُخضِع الفلسطينيين لتفتيش وتحقيق قبل السماح لهم بالنزوح من المخيّم، وذلك عبر ثلاثة مسارات: الأول في اتجاه الغرب حيث مدينة طولكرم، والثاني شرقاً نحو بلدة عنبتا، والثالث جنوباً إلى ضاحية ذنابة الملاصقة للمخيّم.
ويبدو أن مخيم نور شمس سيواجه مصيراً مشابهاً لمخيم طولكرم الذي تعرّض لتدمير شامل، إذ إنه وفقاً لرئيس اللجنة الشعبية في المخيم، فيصل سلامة، فإن «ما يزيد على 85% من أهله نزحوا قسراً، جرّاء العدوان الإسرائيلي المستمرّ»، والذي «حوّل المخيّم إلى خراب، وجعله غير صالح للسكن». ووصف سلامة الوضع في مخيم طولكرم الذي يضمّ قرابة 13 ألف لاجئ فلسطيني، بـ»الكارثي والصعب للغاية»، مبيّناً أن «مئات البيوت دُمّرت كلياً أو جزئياً، وأخرى أُحرقت، ودُمّر الأثاث، وأيضاً البنية التحتية». مع ذلك، لا تزال الاشتباكات في «نور شمس» شرسة، وهي أسفرت، أمس، عن استشهاد مقاوم، فيما اعترف الجيش الإسرائيلي بإصابة أحد جنوده. من جهتها، أكّدت المصادر المحلية أن قوات الاحتلال وقعت في حقل من العبوات الناسفة التي انفجرت الواحدة تلو الأخرى.
استفاق أهالي مخيم نور شمس، أمس، على دعوات جيش الاحتلال عبر مكبّرات الصوت في المساجد إلى الإخلاء الفوري
وأعلنت «كتائب القسام»، أمس، قتل وجرح عسكريين إسرائيليين في كمين نفّذته مع «سرايا القدس» في مخيم نور شمس، استهدف قوة مشاة إسرائيلية في حي المنشية. كذلك، قالت «القسام» إنها تمكّنت رفقةَ فصائل المقاومة من تنفيذ كمين محكم لقوة راجلة من جيش الاحتلال أثناء تقدُّمها نحو حارة البلاونة في مخيم طولكرم، محقّقة إصابات مؤكدة في صفوفها.
وفي هذا الوقت، لا يزال العدوان في مخيم جنين مستمراً، حيث يواصل الاحتلال الدفع بتعزيزات عسكرية إضافية، في ظلّ أنباء تحدّثت عن تخصيصه كتيبةً للعمل المتواصل في مخيمَي طولكرم ونور شمس، بينما سحب قواته من مخيم الفارعة بعد 11 يوماً من العدوان.
وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصدر أمني، قوله إنه إذا تمّ تنفيذ مخطط طولكرم، فمن المتوقّع أن تبقى قوات الجيش بشكل دائم في مخيمَي طولكرم ونور شمس خلال الأشهر المقبلة على الأقلّ. ولفت إلى أنه ستكون لهذا القرار تداعيات عملياتية وسياسية ومدنية كبيرة جداً، مضيفاً أن الجيش الإسرائيلي يحاول بهذه الطريقة منع قدرة الكتائب المسلّحة على التعافي.
أمّا في طوباس التي كانت أحد المواقع التي تعرّضت لعدوان استمر 11 يوماً، فقد انسحب جيش الاحتلال من مخيم الفارعة، والذي شهد بدوره عمليات نزوح هائلة وشاملة للسكان، بينما كشفت الصور من المخيم عن حالة دمار كبيرة في شوارعه التي تعرّضت للتجريف والتخريب، من دون أن يمنع ذلك الأهالي من العودة إلى منازلهم التي أجبرهم الاحتلال على النزوح منها.
ويبدو أن العملية العسكرية الإسرائيلية لن تبقى محصورة في مخيمات شمال الضفة، إذ تتعرّض بقيّة المخيمات لعمليات واقتحامات يومية. لكنّ اللافت أنها لم تَعُد محدودة كما في السابق، ولا يُستبعد أن تتطور لتكون على غرار ما يجري في مخيمات جنين وطولكرم وطوباس. وبالفعل، شهد مخيّم العروب شمال الخليل، فجر أمس، اقتحاماً واسعاً غير مسبوق، حيث حاصرته قوات الاحتلال من مدخله الشرقي الواصل مع قرى الخليل، ومن مدخله الرئيسي الغربي المحاذي للشارع الالتفافي «خط 60»، وشرعت في تنفيذ عملية هدم منزل عند مدخله، واعتقال عشرات الشبان. ويتعامل الاحتلال مع مخيّم العروب، منذ 7 أكتوبر 2023، على أنه ساحة تدريب لجنوده، مقتحماً إياه بشكل دوري مساء كلّ يوم حتى ساعات فجر اليوم التالي، وناشراً جنوده في أزقّته.
وبحسب مصادر محلية في المخيم، فقد داهمت قوات الاحتلال 30 منزلاً، واعتقلت نحو 70 مواطناً جرى اقتيادهم إلى مركز عيادة وكالة «الأونروا» وسط المخيم، والتي حوّلها الجنود إلى غرفة تحقيق ميداني بعد تكسير محتوياتها وأبوابها. كما عمد جنود العدو، خلال اقتحام المنازل، إلى تفجير الأبواب بالقوّة، واحتجاز سكانها وإجراء تحقيقات ميدانية معهم، وتعريضهم للتهديدات والشتائم، إضافة إلى تكسير محتويات منازلهم، علماً أن قوات الاحتلال عزلت، منذ 7 أكتوبر، المخيم عن الطريق الاستيطاني الالتفافي الرئيسي، ونصبت بوابة حديدية جديدة على طريقه، وشقّت طريقاً التفافياً بديلاً يبعد عن مدخل العروب، بهدف فصل مرور مركبات المستوطنين ومركبات الفلسطينيين من الطريق ذاته.
أحمد العبد