إسرائيل تسوّف «المرحلة الثانية»: الانسحاب مقابل إنهاء حكم «حماس»
يُمثّل قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تعطيلَ إطلاق سراح نحو 600 أسير فلسطيني ضمن الدفعة السابعة من صفقة تبادل الأسرى مع حركة «حماس»، خطوة ذات بُعدٍ تكتيكي، وآخر إستراتيجي. يتمثّل الأول في الردّ على ما تراه إسرائيل «إهانات» تعرّضت لها أثناء تنفيذ عملية التبادل، فيما تشكّل محاولة الضغط على «حماس» لتمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، البعد الثاني والأهمّ، وذلك من أجل ضمان تجنُّب الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية، والتي ستُلزم الاحتلال بالانسحاب شبه الكامل من قطاع غزة؛ إذ تريد إسرائيل أن يكون لالتزامها هذا مقابل، هو إنهاء حكم «حماس»، أي أن تحقّق عبر المفاوضات ما عجزت عن تحقيقه عبر الحرب.
ورغم خشية المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من تبعات تلك الخطوة التي طالبت بالامتناع عنها، لكن نتنياهو قرّر المضيّ فيها، وإنْ كان من شأنها أن تؤدّي إلى تصعيد التوتّر في مواجهة «حماس»، التي ستكون نظريّاً معنيّة بالردّ، ما قد يهدّد استكمال المرحلة الأولى من الاتفاق، عبر امتناع الحركة عن تسليم جثث أربعة جنود إسرائيليين قُتلوا خلال الحرب، يوم الخميس المقبل. ومع ذلك، يبدو قرار نتنياهو مدفوعاً بالرغبة في الردّ على المشاهد والصور التي بُثّت من غزة خلال عمليات تبادل الأسرى، والتي أثارت غضب إسرائيل واستياءها. ولهذا، إن خطوة تجميد إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وإنْ مؤقتّاً، تقرّرت بغرض إيصال رسالة واضحة إلى الجمهور الإسرائيلي قبل «حماس»، مفادها بأن مِثل هذه «الأعمال المهينة» ليست مقبولة، وبأن على الحركة أن توقفها في المستقبل.
وعلى أي حال، يبدو أن إسرائيل تريد تأجيل تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار لأطول مدّة ممكنة، كونها ترى أن الانسحاب شبه الكامل من القطاع من دون تحقيق ترتيب سياسي وأمني يضمن مصالحها، سيطيح أحد أهمّ أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة، وهو إنهاء سيطرة «حماس» على القطاع.
تسعى إسرائيل إلى الإبقاء على قواتها في القطاع لأطول مدة ممكنة، لمنع «حماس» من استعادة قوّتها أو التأثير على الحلول المستقبلية
ولتحقيق هذا الهدف، تعتمد تل أبيب على مروحة من الأدوات، أبرزها:
– التركيز على إطلاق سراح المزيد من الأسرى الإسرائيليين في مقابل إطلاق أسرى فلسطينيين، بما يفيدها سحب ورقة الأسرى من يد «حماس»، مقابل تقديم مساعدات إنسانية إضافية، من دون الحاجة إلى الالتزام بالانسحاب العسكري شبه الكامل، وفقاً لما جرى الاتفاق عليه بالنسبة إلى المرحلة الثانية.
– الإبقاء على القوات الإسرائيلية في القطاع لأطول مدة ممكنة، وذلك لمنع «حماس» من استعادة قوّتها أو إحداث تأثير على «الحلول» المستقبلية، من مثل ما تعرضت له الخطّة الإسرائيلية الابتدائية في الأشهر الأولى من الحرب، والتي هدفت إلى دفع العشائر إلى حكم القطاع كبديل من الحركة.
– تشجيع دول من مثل مصر وقطر والسعودية والإمارات على تقديم حلول بديلة للسيطرة على القطاع، من مثل تشكيل حكومة تكنوقراط، أو إدارة مدنية غير مسيّسة، تكون قادرة على إدارة الشأن المدني في غزة. وفي هذا الإطار، تبرز خطّة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لترحيل الفلسطينيين من القطاع، والتي ترى فيها تل أبيب فرصةً للضغط على الدول العربية لتقديم بدائل تضمن مصالحها، وفي مقدّمتها إنهاء سيطرة «حماس» على القطاع. وقد تكون هذه هي الفرصة الأبرز في الخطّة، التي يكاد الإسرائيليون يجمعون على أنها غير قابلة للتطبيق، وإنْ رحّبوا بها وأملوا في تنفيذها.
وفي خضم ذلك، يصل إلى المنطقة، غداً، المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في زيارة تستغرق أربعة أيام تشمل إسرائيل وقطر ومصر والإمارات والسعودية. وكان ويتكوف قد أكد، في تصريحاته الأخيرة، أنه يريد دفع مفاوضات المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى، مع تمديد المرحلة الأولى لإطلاق سراح مزيد من الأسرى الإسرائيليين، مؤكداً أن الولايات المتحدة تدعم موقف إسرائيل بعدم السماح لـ«حماس» بالمشاركة في أيّ حكومة مستقبلية في غزة.
في المحصّلة، لا يزال اتفاق وقف إطلاق النار، سواء ما خصّ مرحلته الأولى أو الثانية، محطّ تجاذبات ولا يقين، ولا سيما أن أطراف الصراع يقرّرون وينفّذون خطواتهم بناءً على المعطيات اليومية وردود الفعل الآنية، من دون اتباع خطط واضحة ومحدّدة. لكن المؤكد إلى الآن، هو أن إسرائيل تحتفظ لنفسها بأداة ضغط مهمّة، تتمثّل في التهديد بإمكانية العودة إلى القتال، وإنْ كان المتوقّع ابتداءً أن تكون العودة إليه بشكل محدود، وتحديداً إذا فشلت الحلول أو تعثّرت أو تجمّدت. ويأتي ذلك في إطار مساعيها إلى دفع الأمور نحو تحقيق تسوية تحقّق مصالحها، رغم أن مثل هذه الخطوات التصعيدية قد تحمل في طيّاتها مخاطر، وتؤدي في النهاية إلى نتائج غير متوقعة، أو ربّما إلى غير ما كانت تسعى تل أبيب إليه ابتداءً.
إسرائيل تهدّد بالعودة إلى الحرب
أعلنت حركة «حماس»، أمس، أنها لن تتعاطى مع أي مفاوضات جديدة بشأن اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، ما لم تلتزم إسرائيل بتنفيذ بنود المرحلة الأولى. وفي المقابل، تواصل إسرائيل طرح شروطها للانتقال إلى المرحلة الثانية، متذرّعة بتأخير الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين بسبب ما وصفته بـ«مراسم الإذلال والمساس بالكرامة الوطنية».
إلا أن المطالب الإسرائيلية تتجاوز ذلك، إذ نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله إن إسرائيل لن تناقش إنهاء الحرب على غزة «إلا إذا تمّت تلبية مطالبها بنزع سلاح حماس، وجعل قطاع غزة منطقة منزوعة السلاح، وإبعاد قادة حماس والجهاد الإسلامي إلى الخارج». وفي السياق نفسه، أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، أربعة شروط لبدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، موضحاً أن هذه الشروط تتمثّل في «الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين، وإبعاد حماس من قطاع غزة، ونزع سلاح القطاع، وسيطرة إسرائيل عليه أمنياً».
أما وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، فذهب أبعد من ذلك، مؤكّداً أن جيش العدو يستعدّ لاحتلال قطاع غزة بقيادة رئيس الأركان الجديد، إيال زامير، الذي سيتولّى مهامه في الأسبوع الأول من آذار/مارس، مشيراً إلى أن ذلك سيتم «بالتنسيق مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب». وخلال كلمته في اجتماع لحزبه؛ «الصهيونية الدينية» في «الكنيست»، قال سموتريتش إن مقاتلي حماس «يعلمون جيداً أن وقتهم على الأرض محدود حتى تعود إسرائيل لتقاتل بكل قوتها وسرعتها وقدرتها الفتّاكة»، مضيفاً: «عندما نقرّر أن الوقت قد حان لاستئناف الحرب، ستفاجؤون بقوة وحِدّة وفتك عملية احتلال غزة»، متوعّداً الحركة بـ«انتقام مؤلم لن يترك لها بقايا أو لاجئاً».
يحيى دبوق