خارطة طريق لحماية المرأة المسلمة من اختراق التيارات النسوية
بين دعوات تتزين بشعارات التحرير والمساواة المطلقة، وتيارات تحاول اقتلاعها من جذورها الحضارية، تواجه المرأة المسلمة اليوم تحديات عضال تسعى إلى اختراق كيانها الاجتماعي؛ ما يتطلب وضع رؤى واعية توازن بين ثبات المبادئ والقيم الإسلامية في التفاعل مع العصر، وسبل فاعلة تحمي المرأة المسلمة من النسوية المتطرفة، وتعيد التأكيد على أن الإسلام قد أسس لمشروع يكرمها ويصون كرامتها دون إفراط أو تفريط.
ولا ينكر أحد أن الإسلام سبق كل النظريات الحديثة بمنح المرأة حقوقاً متوازنة تتناغم مع فطرتِها، وتحقق عدالة اجتماعية تراعي التكامل بين الرجل والمرأة في الأدوار والمسؤوليات، كما حصنها من شبهات تهدف إلى تفكيك الأسرة وإقصاء الدين عن حياتها، فالنماذج التاريخية العظيمة، من أمهات المؤمنين وغيرهن أثبتت أن النجاح والعبقرية لا يتعارضان مع الالتزام بالثوابت الشرعية.
وفي إطار طرح الرؤى لحماية المرأة المسلمة من الاختراق النسوي، لا تتوقف المواجهة عند حدود الدفاع عن النصوصِ، بل تمتد إلى حماية الهوية من الاختراق الثقافي؛ ما يستدعي دوراً فاعلاً للإعلام البديل والمبادرات المجتمعية لبناء وعي جماعي يعيد إنتاج النموذج الإسلامي المتوازن، والحفاظ على الجوهر الإسلامي في سياق التفاعل مع المستجدات والحداثة، عبر خطاب إعلامي يقدم نماذج ملهمة، ومبادرات تحيي التراث وتعزز الثقة بالهوية.
تعزيز الهوية الدينية والفهم الشرعي
في مواجهة التحديات الفكرية المعاصرة، تتجسد أولى السبل في تعزيز الهوية الدينية والفهم الشرعي للمرأة المسلمة، إذ يشكل التمكن المعرفي بحقوق المرأة في الإسلام والحضور الفاعل للمؤسسات الدينية والتعليمية حصناً يحميها من الانجراف وراء تيارات نسوية متطرفة تتعارض مع ثوابت دينها، ويبنى هذا الحصن على ركيزتين أساسيتين؛ التمكين المعرفي بحقوق المرأة في الإسلام، وتفعيل دور المؤسسات الدينية والتعليمية في ترسيخ النموذج الإسلامي المتوازن.
ففي إطار التمكين المعرفي بحقوق المرأة، أولى الإسلام لها مكانة رفيعة، وكفل لها حقوقاً لم تمنح في كثير من الحضارات السابقة، وهو ما تؤكده نصوص القرآن والسُّنة النبوية، ففي الميراث، جاء قوله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) (النساء: 7)، كما حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم النساء، قائلاً: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» (رواه ابن ماجه)، دون تفرقة بين ذكر أو أنثى.
وفي مجال العمل والاختيار الزوجي، كفل الإسلام للمرأة حقها في إبداء الرأي، كما أكدت دراسات شرعية، مثل بحث د. عبدالكريم زيدان في كتاب «المفصل في أحكام المرأة»، أن التشريع الإسلامي يراعي العدالة الاجتماعية عبر موازنته بين الحقوق والواجبات، كحق المرأة في النفقة مقابل واجب الرجل بالإنفاق، مما يفند ادعاءات القمع المزعوم.
أما المؤسسات الدينية والتعليمية، فهما رافدان أساسيان لترسيخ الهوية الإسلامية، ويمكن في هذا المجال إدراج مناهج تعليمية تبرز النماذج النسائية الإسلامية، مثل الخنساء، التي ضربت أروع الأمثلة في الصبر والحكمة، ورابعة العدوية، العالمة الصوفية التي أسست لمفاهيم الزهد والإخلاص، وفاطمة الفهرية، التي بنت جامعة القرويين في المغرب عام 859م، كأقدم جامعة في العالم تدرس العلوم الشرعية والإنسانية.
كما يمكن تنظيم ورش عمل توعوية بالشراكة مع العلماء ومختصين، تحذر من أخطار النسوية المتطرفة التي تدعو إلى هدم الثوابت، كإلغاء قوامة الرجل، التي وردت في قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) (النساء: 34)، التي تقوم على مفهوم التكامل لا التسلط.
مواجهة الاختراق الثقافي عبر الإعلام والمجتمع
أما السبيل الثاني فيتمثل في مواجهة الاختراق الثقافي عبر الإعلام والمجتمع، وذلك ببناء خطاب إعلامي بديل يروج للنموذج الإسلامي الإيجابي في الدراما والبرامج والأبحاث، وكشف تضاربه مع الخطاب النسوي الغربي القائم على المساواة المطلقة، بالإضافة إلى تحفيز المبادرات المجتمعية لربط الفتيات بتراثهن وحماية الأسرة عبر برامج توعوية تعزز الثقة بالهوية دون تقليد المعايير الغربية.
والإعلام باعتباره سلاحاً ذا حدين؛ يمكن استخدامه لنشر الوعي، ويمكن أن يتحول إلى أداة لهدم القيم، لذا يجب توظيفه لبناء نماذج إيجابية تعكس الهوية الإسلامية، مثل:
– إنتاج مسلسلات وأفلام وثائقية تبرز إسهامات النساء في التاريخ الإسلامي، وتبرهن على أن النجاح المهني (كالطبيبة المحجبة أو الأستاذة الجامعية) لا يتعارض مع الدور الأسري، بل يكمله.
– كشف تناقضات الخطاب النسوي الغربي؛ ففي الوقت الذي تدعي فيه النسوية الغربية تحرير المرأة، تستخدم المرأة كسلعةٍ في الإعلانات والأفلام، وهو ما تؤكده دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2020م عن استغلال الأنثى في 78% من إعلانات المنتجات الاستهلاكية، كما أن دعوات المساواة المطلقة تجاهلت الفروق البيولوجية التي أشار إليها القرآن في قوله: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى) (آل عمران: 36)، مما يؤكد أهمية التكامل بدلاً من الصراع.
ولا تقف المواجهة عند حدود الإعلام، بل تمتد إلى تفعيل المجتمع كحائط صد ضد الغزو الثقافي، حيث يمكن ربط الفتيات بالتراث الإسلامي عبر المبادرات العملية التي تحيي الحرف التقليدية في بلداننا العربية والإسلامية، والمهرجانات التي تبرز إسهامات النساء في الطب والفلك تاريخيًّا، وأيضًا دعم الأسر في مواجهة الضغوط الاجتماعية عبر برامج توعوية كتلك التي تقدمها «جمعية حماية الأسرة» في الكويت، التي تناقش كيفية تعزيز ثقة الفتيات بهويتهن دون تقليد النماذج الغربية.
التمكين الاقتصادي والتعليمي في إطار إسلامي
ويعنى السبيل الثالث بالتمكين الاقتصادي والتعليمي في إطارٍ إسلامي، عبر توفير فرص عمل تتوافق مع الثوابت الدينية، وتشريع قوانين تحمي الحقوق مثل إجازات الأمومة الممددة، فضلاً عن إصلاح التعليم ليدمج بين الأصالة والحداثة، ويعزز مهارات التفكير النقدي لدى الفتيات؛ ما يكسبهن الاستقلالية ويحصنهن من الخطابات النسوية المضللة.
وفي هذا الإطار، يمكن تحقيق التوازن بين حقوق المرأة وواجباتها وتوفير بيئات عمل تحترم خصوصيتها وفطرتها، عبر:
– إنشاء مشاريع تلائم التزامات المرأة الدينية والأسرية مثل «مراكز العمل عن بُعد» التي أطلقتها السعودية ضمن رؤية 2030م، وتجربة «مصانع الفصل بين الجنسين» في ماليزيا التي حققت زيادة في إنتاجية العاملات بنسبة 40%، وفقاً لدراسة جامعة مالايا (2021م).
– تشريع قوانين تحمي الحقوق دون المساس بالثوابت؛ كقانون «إجازة الأمومة الممددة» الذي يوائم بين متطلبات العمل ورعاية الطفل، وتوفير بيئات عمل آمنة للمرأة، تحميها من الاستغلال أو التحرش.
أما في إطار التعليم الواعي كسلاح فاعل لمواجهة الشبهات الفكرية، وبناء وعي نقدي يحصن الفتيات من الاختراقات النسوية، فيمكن:
– بناء مؤسسات تعليمية تجمع بين الأصالة والحداثة، كـ«دار الحكمة» في جدة، التي أنشأت في عام 1999م ودمجت بين تخصصات الطب والهندسة وعلوم الشريعة، لتخريج فتيات تعمل في مجالات تخدم المجتمع المسلم.
– تعزيز مهارات التفكير النقدي، عبر برامج تدرس الفتيات تحليل الخطاب الإعلامي الغربي، وتفنيد ادعاءات النسوية المتطرفة، كالدعوة لإلغاء دور الأمومة.
كل ما سبق يمثل محاولة لتقديم خريطة طريق لحماية المرأة المسلمة من اختراق التيارات النسوية عبر ثلاثية متكاملة؛ تعزيز الهوية الدينية، ومواجهة الاختراق الثقافي، والتمكين الاقتصادي والتعليمي، وهو نداء لتضافر الجهود بين الأفراد والمؤسسات لتحويل الخطاب النظري إلى واقع ملموس، تصبح فيه المرأة المسلمة قدوة للعالم في الجمع بين الإنجاز والأخلاق.
فاطمه عبده