الجزيرة العربية على فوهة بركان
فتح طلب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من الإيرانيّين إخلاء طهران، كما التعزيزات الأميركية التي يجري نقلها إلى أوروبا والشرق الأوسط، الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، على احتمالات جديدة. فالطلب هذا، يوحي بأنّ ترامب يدفع ببلاده بسرعة نحو التورّط في الحرب، رغم النصائح المعاكسة التي تلقّاها من كبار أعضاء فريقه للأمن القومي، والمخاوف الكبيرة التي ما فتئ حلفاؤه في الخليج يعبّرون عنها منذ أن سمح لإسرائيل بشنّ العدوان على طهران فجر الجمعة الماضي.
على أنّ تحرُّك ترامب لم يأتِ نتيجة رفض إيران التفاوض. ذلك أنّ الأخيرة رسمت منذ البداية الحدّ الأدنى الذي يمكنها القبول به في ما يتعلّق بتقليص برنامجها النووي والرقابة عليه لضمان سلميّته، وإنما جاء بعد اتّضاح عجز إسرائيل عن إنجاز المهمة، وتحوّل الحرب إلى استنزاف متبادل لا تتحمّل الأخيرة إطالة أمده.
وهي إطالة تخاطر بالهدف الأميركي المتمثّل بإنهاء ما تسمّيه الولايات المتحدة «التهديد الإيراني»، بمعنى إنهاء التحدّي الإيراني لسطوة الولايات المتحدة في هذه المنطقة الحيوية من العالم، والذي يعزّز قوة خصومها الكبار. ولذا، فإن الأمر يستحق، هذه المرة، من وجهة النظر الأميركية، نقل أصول عسكرية من مثل حاملة الطائرات «نيميتز» من بحر الصين الجنوبي إلى الشرق الأوسط، لتنضم إلى حاملات ومدمّرات أخرى موجودة في البحور الأحمر والعربي والمتوسط.
وكلام ترامب الذي كتبه وهو يغادر كندا على عجل قاطعاً مشاركته في قمة السبع، سبق اجتماعاً عقدَه مع فريق الأمن القومي الذي يضمّ كثيراً من معارضي مشاركة الولايات المتحدة في الحرب. وجاء ذلك بعدما عمد الرئيس نفسه، في الأسابيع الاخيرة، إلى إقالة عدد من مسؤولي مجلس الأمن القومي الأشدّ تأييداً لإسرائيل ولمشاركة واشنطن في الحرب، بما يعني أنّ قرار دخول معترك القتال، إذا كان فعلاً قد اتُخذ، فهو قرار شخصي لترامب.
وعلى أي حال، فإنّ انخراط واشنطن في المواجهة، يعني تغييراً كبيراً في مسارها من الجهتين، وليس من جهة واحدة فقط. فهو يعطي إيران الأسباب لاستهداف القوات الأميركية في المنطقة، ولا سيّما في الخليج، ما سيكون له أثر عميق على الاستقرار في واحدة من أهم المناطق في العالم، وخاصة لناحية إمدادات النفط.
التورّط الأميركي يضع القواعد في الخليج في المهداف الإيراني
ومن الواضح أنّ دول الخليج، الراغبة بشدّة في التوصّل إلى وقف لإطلاق النار قبل الوصول إلى مراحل من الصراع خطيرة على مستقبلها، والتي تصطدم وساطاتها بعدم وجود إمكانية لإحداث أي تغيير في الموقف الأميركي، لا تملك إلا الاستمرار في المحاولة والانتظار.
وبالتالي، هي لا تملك أيضاً إقناع إيران بعدم استهداف القواعد الأميركية على أراضيها، أو ربما محاولتها إرسال جنودها إلى الضفة الأخرى من الخليج لقتال القوات الأميركية هناك، بما يضعها حكماً في مواجهة مع حكومات الدول التي تستضيف الأميركيين، بغضّ النظر عن علاقة طهران الحالية بالحكومات المذكورة، والتي تحسّنت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، حتى مع الدول التي كانت معادية لإيران مثل السعودية والإمارات والبحرين. ولذلك، أبلغت الجمهورية الإسلامية، سلطنة عمان وقطر اللّتين تقومان بجهود وساطة، بأنها غير مستعدّة للتفاوض قبل وقف العدوان الإسرائيلي.
والواقع أنّ دول الخليج لديها أسباب كثيرة للخوف من انخراط الولايات المتحدة في الحرب. فكل الخيارات الإيرانية للردّ على التدخّل الأميركي المحتمل، مؤذية لها، سواء اقتصرت على إجراءات من نوع إغلاق مضيق هرمز وباب المندب لمنع تصدير النفط، أو شملت قصفاً إيرانياً للقواعد الأميركية في الخليج والعراق والأردن، أو تمثّلت بمخاطرة الولايات المتحدة بانتشار تلوّث نووي واسع في إيران والمنطقة المحيطة بها، إذا عمدت إلى قصف المنشآت النووية الإيرانية ولا سيّما تلك العميقة تحت الأرض، مثل منشأة «فوردو». وبحسب الخبراء الأميركيين، ثمة سلاح واحد لم يجرِ تجريبه بعد لقصف مثل هذه المنشآت، وهو قنبلة «جي بي يو 57» التي تزن 30 طناً، والتي لا يمكن حملها إلا بواسطة طائرات «بي 52»، علماً أنّ إسرائيل لا تملك لا القنبلة ولا الطائرات.
وإلى جانب تهديدات ترامب الذي يقول إنه يتطلّع إلى إذعان كامل من قِبل إيران، تشير عمليات تعزيز القوات الأميركية في المنطقة، وخاصة حاملات الطائرات والمدمّرات وطائرات التزوّد بالوقود في الجو التي نُقلت إلى المنطقة أو إلى القواعد الأميركية القريبة في أوروبا، إلى أنّ الأمور تتدحرج بسرعة نحو تورّط أميركي.
لكن التهديدات الأميركية لا تعني أنّ أميركا ستذهب إلى النهاية في الحرب، أو إلى العودة إلى ما يسمّى بإعادة بناء الدول، وهي الاستراتيجية التي يأخذ ترامب على الإدارات السابقة أنها فشلت فيها، وكلّفت الولايات المتحدة أموالاً طائلة وخسائر بشرية كبيرة. وذلك ما قد يفسّر كلامه عن أنه ليس في صدد محاولة تغيير النظام الإيراني، وإنما تحقيق الأهداف المتمثّلة خصوصاً بالقضاء على البرنامج النووي. أمّا إذا كان هذا الكلام خدعة جديدة، فهو يعني أنّ الشرق الأوسط، وبالتحديد منطقة الخليج، ذاهبة إلى جحيم لم تشهد مثيلاً له من قبل.
حسين ابراهيم